في حرب أوكرانيا: لاجئون «متحضرون» وآخرون «همج»… و«عرب اليسار» في خدمة الطغاة!
كشفت الحرب الروسية على أوكرانيا عن جانب عنصري ومقيت لبعض وسائل الإعلام الغربية، حيث كان التنميط الاستشراقي يطغى على تقارير المعلقين والمراسلين. نحن هنا لا نتحدث عن انفعالات وردود فعل صبيانية لناشطين على الـ«سوشيال ميديا» وإنما عن وسائل إعلام احترافية لها جمهورها وتمويلها وتاريخها. ها هو الإعلامي الأمريكي تشارلي مراسل شبكة «سي بي أس» الأمريكية يظهرعلى الهواء ليخبرنا بصوت رخيم وحزين «مع كل الاحترام… هذا البلد – يقصد أوكرانيا – ليس العراق أو أفغانستان، التي شهدت صراعات وحروباً لعقود طويلة» ولا يفوته أن يقول لنا إن «أوكرانيا بلد متحضر نسبيا» و»بلد أوربي»! دون أن ينسى لباقته وحرصه على عدم خدش مشاعرنا «علي أن أكون حذراً وأنا أستخدم هذه الكلمات»!
تخيلوا ماذا كان سيقول أكثر لو لم يكن حذراً؟ لربما سمعنا العجب.
أما الإعلامية البولندية كيلي كوبيلا، مراسلة «أن بي سي» الأمريكية فقد أتحفتنا بتعليقها على سؤال لماذا رفضت بولونيا دخول اللاجئين في عام 2015 وسمحت بدخولهم في الأزمة الأوكرانية، حيث لم تتردد بالقول»بصراحة شديدة هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء بيض ومسيحيون وقريبون من البولنديين»!
وقالت نصاً: «المواطن الأوكراني بالطبع ليس مواطناً سورياً. المواطن الأوكراني مواطن أبيض مسيحي. لذلك مسموح دخوله لبولنده».
وجاء في تعليق لصحيفة «الديلي تلغراف» عن الحرب على أوكرانيا نشره موقع الجزيرة نت: «إنهم يشبهوننا، وهذا ما يجعل المسألة صادمة. أوكرانيا بلد أوروبي، أهله يشاهدون «نتفليكس» ولديهم حسابات على انستغرام، ويصوتون في الانتخابات ولديهم صحافة حرة. الحرب لم تعد تحدث في المجتمعات الفقيرة المعزولة، الحرب قد تحدث لأي أحد».
أما قناة BFM الفرنسية اليمينية، فقد تبنت خطاباً مماثلاً، حيث أوردت في أحد برامجها: «نحن لا نتحدث عن سوريين يهربون من قصف نظامهم المدعوم من بوتين، بل نتحدث عن أوروبيين يقودون سيارات كسياراتنا».
ولم تتوقف التعليقات العنصرية عند وسائل الإعلام وحسب، بل تخطتها إلى الساسة من «أهل اليمين» المرضى بما يسمى «عقدة التفوق الحضاري» فقد صرح كيريل بيتكوف، رئيس وزراء بلغاريا: «اللاجئون الأوكرانيون ليسوا من اللاجئين الذين اعتدنا عليهم، إنهم أوروبيون مثقفون ومتعلمون». أما النائب العام الأوكراني السابق ديفيد ساكفارليدزي، فقال خلال مقابلة مع «بي بي سي»: «أعتذر هذا مؤثر للغاية بالنسبة لي لأنني أرى أوروبيين بعيون زرقاء وشعر أشقر يقتلون، الأطفال يقتلون يومياً بصواريخ بوتين وطائرته وقذائفه». وأضاف «الضحايا أوكرانيون ليسوا عراقيين ولا أفغان».
لا أدري بعد كل هذا الكم من العنصرية ماذا سيقول العراقي أو السوري أو اليمني أو الأفغاني، حين يقرأ مثل هذه الأخبار. ماذا سنقول نحن الذين آمنا ولا نزال نؤمن بالقيم الأخلاقية والمهنية للإعلام الغربي؟ ترى هل يشمت بنا إعلاميو الاستبداد العربي الذين اعتادوا على تلميع الطغاة؟ لكن مهلاً، من قال إننا أحسن حالاً. في عالمنا العربي منابر إعلامية رسمية تحرض حتى يومنا هذا ضد اللاجئين وتتهمهم بالإرهاب لمجرد أنهم رفعوا رؤوسهم وناهضوا الاستبداد.
وهناك وسائل إعلام عربية تتجاهل حقوق المرأة والطفل ومعتقلي الرأي السياسي. هنالك وسائل ترفض حتى الاختلاف. من باب التذكير ليس إلا، قبل سنوات قليلة حرضت صحيفة لبنانية «مقاومة» ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين. ولا تفوتنا الإشارة إلى أن بعض كتّابها يحرضون على العنف بكل أشكاله. ومثل هذه الصحيفة عشرات الصحف العربية التحريضية من المحيط إلى الخليج.
ضحايا «بسمنة» وضحايا «بزيت»
الحرب هي الحرب أينما كانت. والدمار هو الدمار أينما حل أو وجد. ليس هناك أي وجه جميل للحروب وليس هناك ضحايا «بسمنة» وضحايا «بزيت». الموت الذي يخيم فوق عالمنا موجع جداً ولا يفهمه إلا من جرّب الحرب والقهر والاضطهاد.
اللجوء والتشرد والجوع والذعر مفردات لا تليق بالطفولة. أطفال العالم كلهم ومن «دون أي استثناءات» يستحقون الحياة.
كيف تفرح لوجع طفل، حتى وإن كان ابن عدوك؟
كيف تشمت بخسارة أم لطفلها أو مسنة لبيت يحمل كل ذاكرتها، بما فيها من ألم وفرح، حتى وإن كانت قرارات دولتها السياسية خاطئة. حتى وإن كانت مسيئة حسب مفهوم سياسييك وحلفائهم.
التزم الصمت على الأقل انتصاراً لإنسانيتك.
لا ذنب للمواطنين في حروب يقودها زعماؤهم ولا دخل للأطفال بصفقات تعقد فوق الطاولات أو تحتها.
هل هناك فرق بين أوجاع الفلسطينيين والسوريين والعراقيين واللبنانيين واليمنيين ووجع الأوكرانيين؟
نعم قد يختلف المشهد السياسي بين بلد وآخر، لكن الألم واحد.
من أين نبدأ؟ وهل هناك أي جدوى من الكتابة؟
لقد كتبنا الكثير عن فلسطين المحتلة. عن وجع أطفالنا هناك وحرقة أمهاتنا ولم يتغير شيء. حفرنا في السطور آبارا من الآلام التي يعيشها أهلنا في لبنان وسوريا والعراق واليمن بسبب الفساد والحروب والقمع. وما زالت تفوح رائحة الموت في كل مكان.
اليوم ينقسم رواد الـ«سوشيال ميديا» في عالمنا العربي المنكوب إلى ثلاثة أقسام:
قسم يدعم الشعب الأوكراني، ويشعر بألمه عند مشاهدة صور النازحين الأوكرانيين، التي تعيد إلى الواجهة موجات النزوح السوري المؤلم.
وقسم آخر يساند الطغاة أمثال «عرب اليسار» وذلك بذريعة الحفاظ على «وحدة الأوطان» فلا تهز مآسي الشعب الأوكراني منهم شعرة واحدة، بل بعضهم ينظر إليها كعقاب مستحق.
أما المجموعة الأخيرة «المخيفة» فهي بعض المثقفين والكتاب وغيرهم من رواد الـ»سوشيل ميديا» الذين يتناولون نكبة الأوكرانيين باستهزاء ويقابلون مآسيهم بسخرية متبادلين بعض الصور القديمة لفتيات أوكرانيات جميلات يرتدين ملابس «مثيرة» معلقين عليها: لاجئات أوكرانيا، وكأن أعينهم عميت عن رؤية بشاعة ما يحدث من مآس لشعب كامل تعرض لغزو عكست وحشيته كل وسائل الإعلام العالمي، ووسائل الاتصال الاجتماعي عبر تصوير حي.
ومن بين الفيديوهات المؤثرة جداً والتي انتشرت مؤخراً بصورة كبيرة على هذه المواقع فيديو لدموع أب يودع ابنته الصغيرة، وهي تشهق بحرقة، قبل العودة إلى ساحة المعركة دفاعاً عن وطنه أوكرانيا. مشهد ينفطر له القلب حزناً.
وفيديو آخر لطفل يبكي ويتنهد بين جملة وأخرى وهو يتحدث لإحدى القنوات عن أبيه بعد رحلة نزوح امتدت لساعات طويلة: تركنا أبي في كييف.. أبي سيبيع أشياءه لمساعدة أبطالنا. لمساعدة جنودنا وقد يحارب أيضاً.
لكن تعليقات البعض على الفيديوهات جاءت خالية من أي إحساس إنساني أو أخلاقي، بل مشبعة بالحقد واللؤم، مثل هذه النماذج:
«اشربوا من العذاب الشديد… ففي بلداننا العربية دمروا البشر والشجر..»!
و «أنا ما عارفة كيف الناس قاعدة تحزن ومستعطفين معاهم، أنا عن نفسي أقول يستاهلون وإن شاء الله الغرب كله يصير فيه كذا».
أي بشر مثل هؤلاء؟