الإنسان الآلي
أنا لست إنسالي I’m Not A robot
“أن الناس يعتقدون أنهم أحرار لأنهم يستشعرون أعمالهم و أفعالهم و يدركونها , على أنهم يجهلون الأسباب التي يتأثرون بها “
سبينوزا
أنا لست روبوت – إنسالي , جميع من يستخدم الشبكة العنكبوتية “الإنترنت” يدرك ما تعنيه هذه الجملة , و قد تخطاها مرات عديدة و هو يضغط بثقة كبيرة على الفراغ المقابل لها مؤكداً للموقع المراد التسجيل فيه بأنه ليس روبوت !
و لكن هل تثبت ضغطة الزر هذه أنه ليس روبوت فعلا ؟ ألا تدفعنا هذه الجملة الى التعمق اكثر في حقيقة “حرية منظومتنا الفكرية ” و بالتالي مدى أصالة ما ينعكس عنها بتمثلاتها المتباينة ” سياسية , اجتماعية, دينية . . الخ ” في سلوكياتنا المتنوعة , و ما نتخذه من قرارات او نتبناه من اتجاهات مختلفة , و ما نختار ان نؤمن به , او نرفضه من معتقدات و قيم معينة .
يمكن ان نعد هذا السؤال وخزة ابرة توقظنا و ان كان للحظات معدودة لنتدبر “وهم الحرية ” التي نحيا و نحن نتشرب شعاراتها بخطوطها العريضة , و نتخلى عن انفسنا بمليء ارداتنا دفاعا عن هذه الاوهام و الصور الذهنية التي رسمت لنا لتكسي عقولنا طبقة من الوعي الزائف , حيث يجعلنا ذلك مجرد دمى معلقة بخيوط تحركها تصنيفات و انتماءات يفرضها علينا المحيط بعملية تنويمية تجعل الوهم حقيقة في اعتقادنا.
لو عدنا الى مفهوم الروبوت او كما يتم تعريبه الانسان الالي , إذ يعرف بأنه ” آلة ” قادرة على القيام بأعمال مبرمجة سلفاً , بأيعاز و سيطرة مباشرة من الأنسان ( أي من قوى خارجية ) .
و قارنا هذا المعنى مع ما يحدث للإنسان منذ اللحظة التي تبدأ بها عملية ترويضه المجتمعية و قولبته بما يتلائم مع نظم و سياق البيئة الحاضنة له , حتى اللحظة التي يصبح فيها نسخة تضاف الى قطيع الأنساليات ” الروبوتات” المحيطة به .
يمكننا عندها العودة إلى الايقونة المقابلة للسؤال ( انا لست روبوت ) و التأمل ملياً قبل الضغط على زر النفي !
يعتقد الإنسان انه حر و انه يعي فعلا كل ما يدور حوله و كل ما يقترفه من افعال , بينما في الحقيقة ان ما يحركه هو كتلة مؤلفة من تراكمات غرست فيه مشكلة ما أصطلح على تسميته “باللاوعي الجمعي او المجتمعي ” مؤلفاً من افكار و اتجاهات لا دور او ارادة عادةً للمرء في اختيارها و لا جهد يبذل من قبله في التوصل اليها او التحقق من صحتها بل يتم تلقينه , فيصبح بذلك تماما كإنسان آلي مبرمج تحركه سلسلة من الاوامر المحشوة في ذهنه و القوى الخارجة عن ذاته الواعية , و المؤمن بها حد اليقين , دون ان يرواده شك في احتمالية زيفها , تغذيها بذلك و تزيد من متانتها ما يتلقاه من تعزيزات من بيئته المحيطة التي تشجع بدورها كل ما يتفق و قالبها السائد .
و بالتالي يصعب عليه ادراك ان ما يحركه هي قوى متوغله في اعماقه حتى اصبحت جزءا منه , يصعب تمييزها عن حقيقته , مكونة بذلك اهتماماته و قيمه , و الاتجاهات التي تحكم سلوكه , الرغبات و حتى الطموحات و الاحلام التي يتطلع إليها !
كل ما على المرء القيام به هو ايقاظ ملكته النقدية من سباتها الطويل , و تفعيل نزعته التساؤلية الفطرية بعد طول ايقاف عن العمل , اخضاع المرء كل فعل او حتى كل فكرة تخطر في ذهنه للتساؤل و النقد في سبيل التوصل الى الاسباب الحقيقية الكامنة وراء فعل معين او قرار او اتجاه يتبناه هو السبيل الاوحد لتحريره من أغلال العبودية لتلك القوى المتجذرة في تكوينته الشخصية .
اللجوء لفترات تأمل و صمت عميق يصغي فيها الفرد الى الكم الهائل من الاصوات المتصارعة في داخله , يمكنه من تمييز صوته الحقيقي عن جميع تلك الاصوات البعيدة عن ذاته و وعيه العميق , و المُلقنة إليه .
و بالتالي يمكنه تمييز ما اذا كان ما يقوم به نابع عن قناعة حقيقية و رغبة اصيلة ام مجرد وهم و تماهي و ارضاء لقوة اخرى لا مرئية !
بقلم الكاتبة
زينب كاظم