الشاعر “ارنست يا ندل ” و نهاية الإهانة
الشعر مؤثر من الإيحاء . . و من الضعف إلى الارتقاء
بعين الشاعر الدقيقة الفاحصة للأشياء ، وبرهافته يثبت إبداعه بعمق وفهم وسعة في الرؤية مدعوما بالشغف الكبير في الأدب ، بكتابة الشعر والنثر والمسرحيات والأفلام والأبحاث ، انه عالم كبير من الإجهاد الفكري والحسي الذي يمارسه الشاعر ارنست يا ندل Arnst Jandl الشاعر النمساوي الذي يكتب في كل تلك المجالات الأدبية بشغف وبنفس الحماسة والشوق دون إن يقلل من مكانة أي مجال أدبي على حساب الآخر ، بل العكس وجد إن الكتابة في كل هذه المجالات الأدبية تمده بالنشاط والتميز ، إضافة إلى اشتراكهم بسمات وملامح متعددة ، فليس من الغرابة في شيء إن يجد الشاعر ارنست يا ندل في محراب الإبداع ، بخطواته المتقنة والمنظمة في الكتابة ، كالمتسلق على جبل ويعثر طريق للوصول الى القمة .
الشاعر ارنست يا ندل من الشعراء النمساويين الذين قضوا جل حياتهم في الكتابة والبحث عن ما هو جديد ، في العوالم الكتابية ، رغم اختلاف عناوينها ، من مواليد فيًنا عام 1925 أكمل دراسته في مجال اللغات الألمانية والانكليزية في جامعة فًينا ، عمل أستاذا جامعيا في جامعة تكساس واو ستين ، ونشر خلال مسيرته الأدبية أكثر من 40 كتابا في عدة مجالات أدبية منها الشعر والنثر والمسرح والأفلام والأبحاث ، وحصل على عدة جوائز منها جائزة الشاعر الراحل جورج تراكل عام 1974 في الشعر وغيرها من الجوائز الكبيرة والمهمة التي كانت نتيجة إبداعه وإخلاصه في الكتابة ، بأفكار عميقة في الفكر النمساوي ، أساسها هذا الصراع بين الحياة والموت ، بين الوجود واللا وجود ، بين الحلم واللا حلم ،بين الإهانة والرصانة ، تمتد جذوره الفكرية إلى أعمق ما نتصوره حيث ربط المعرفة بالفلسفة ، والانفعال والعاطفة بالشعر ، فالموت والحياة والإنسان والعالم صور تبحث عن نهاية راقية وليست مغلفة بالإهانة .
( نهاية الاهانة كل واحد يحب موتا واحدا فقط لكي يلغي العالم كله هكذا كان وهكذا سيكون )
هذه الصور الشعرية تدل على معرفة الشاعر بالأشياء ، فان المعرفة الأدبية هي معرفة بعمق لكنة الأشياء وحقيقتها ، وليست مجرد انفعالات تمر كعابر سبيل ، بالرغم إن الانفعالات تكون مهمة حين تكون نافعة ، إذا نظرنا إليها بعمق في التطهير والخطايا ، بفعل إثارة عاطفتي الخوف والشفقة في نفس الوقت ( الاهانة – الموت – العالم – كان – سيكون ) صور انفعالية غائرة مع الفكر الإنساني الذي يوحي بنهاية الأشياء ، وهي صفات تضيف سمة النهاية على الروح ، التقط الشاعر ارنست يا ندل جوهر الطبيعة والأشياء ثم عبر عنها بصور الاهانة النهائية ، فهو ضليع في الأدب بسعته الكبيرة ، الواسعة ، وله ملكة الخيال والفلسفة ، ومن خلالها يكشف عن وحدة الطبيعة والأشياء ، ومهما غزت العالم تطورات علمية فهي تطور من خلال تطورها في مجالات الأدب والشعر والفن ، مثلما تطور وعي وإدراك الإنسان لما يدور حوله وما يشعر ويحس على ضوء التطور والتطهير والتجديد ،لسنا هنا في موقع الفيلسوف ( ديكارت ) الذي أبدى عداءا قويا للشعر والشعراء ، وقيل عنه انه حز عنق الشعر ، لظهور النزعة التطورية والاكتشافات الجديدة ، التي تغزو العصر أو الأفكار الشخصية ، الفلسفية ، والخاصة ، لكن سيبقى الشعر يهيمن وهو يحاول دائما التجديد والتوفيق بين الإحساس والفكر ، بين المعروف والغريب ، بين الأبدية من قبل ، والأبدية من بعد ، هما عالمين متناقضين ، لكن يجمعهما هدف واحد ونشاط واحد .
( لا احد يدخل في معروف و لا احد يدخل في غريب الأبدية من قبل الأبدية من بعد )
أليست هذه رؤية شعرية فلسفية تبحث عن الحقيقة ؟ وتكشف من خلالها عوالمها المهمة ، مثلما الشعر يثير الانفعالات وينتمي إلى عصره المتطور ، كذلك يثير الأفكار مع الاستكشافات النفسية والروحية ( معروف – غريب – الأبدية – قبل – بعد ) صور قيمة تبحث وراء الأشياء عن العالم النهائي ، فالشعر له ما يبرره في وجوده ، وهو يكشف المدلولات ، ومادام الإنسان على الأرض يبقى الشعر على الأرض ، فليس هناك فصل بين العقل والقلب ، والعاطفة والفكر وجميعهم كأعضاء جسم الإنسان يكمل احدهما الآخر ، وان وجد ضعفا في احدهما اشتكى الآخر بالضعف ، وان أبدع أحداها أبدع الآخر من خلال إبداع الأول وهكذا .
فالقلب لا يهن ويضعف على حساب العقل والفكر والعاطفة ، فالزمن البشري لا يزول إلا بزوال الأرض وهذه ليست نهاية الذل والاهانة ، بل قدر الله على الأرض أما الانتحار الذاتي بصور مختلفة ، فهو نهاية الاهانة ، فالجسد الذي نفخ الله فيها الروح والعيون والقلب وكل ما فيه أمانة لا يهينها صاحبها مهما كانت الحياة قاسية ، ظالمة ، ربما تكون بحثا عن الخلاص ، نعم ، لكن خلاص بمهانة وذل لا تستجيب لها الأرواح الراقية .
( ارض لتشطب الزمن الزمن الذي قاطعته الأزلية أنا اشنق نفسي حلقومي يضيق الخناق على حلقومي وعيناي تطمسان عيني وقلبي يطعنني في قلبي ) .
صور استكشافية عن نهاية الاهانة ، فنهاية الزمن الإنساني بدلالات مكثفة واضحة المعالم ، الشاعر ارنست يا ندل يبحر على سفينة المعرفة مدعومة بالفلسفة والفكر والوعي والإحساس والعاطفة ليوضح من خلال هذه الصور الشعرية قدر نهاية ألإهانه ، كيف تكون وكيف ستكون ، فهي صور حية ليست للضعف والانكسار كما تظهر للقارئ ، بل أفكار راقية تبحث عن الارتقاء الروحي ، من خلال نهاية الاهانة والضعف الانكسار ، بل حتى من خلال الموت والحياة ، فهي ولادة ثانية من العدم ، من الأبدية ( شنق – قاطعته – اشنق – الخناق – تطمسان – يطعنني ) كلها صور نهائية وأساليب لنهاية الاهانة ، لكن من يريد إن ينتهي بالذل ؟ من يرغب في نهايته أن يكون مهانا ؟ هذا التصور الفكري ليس مجردا بل يرتبط مع التصور العاطفي بشكل كبير ، مؤثرا في الإيحاء ومن الضعف إلى الارتقاء .
الشاعر ارنست يا ندل
- مواليد 1925 فيًنا
- أكمل دراسته في مجال اللغات الألمانية والانكليزية في جامعة فيًنا
- عمل أستاذا جامعيا في جامعة تكساس واو ستين
- عمل عضوا في أكاديمية برلين للفنون ،وأكاديمية ألمانيا للشعر واللغات
- عضو اتحاد أدباء غراتس النمساوي
- حصل خلال مسيرته على عدد كبير من الجوائز منها : جائزة الشاعر الراحل جورج تراكل عام 1974 في الشعر ، اكبر جائزة لدولة نمسا عام 1984 ، جائزة جورج باخ نر ، جائزة جامعة فرانكفورت ، ميدالية ذهبية فخرية لمدينة فيًنا ، وجوائز أخرى
- خلال مسيرته الطويلة في الكتابة ، نشر أكثر من 40 كتابا في مجالات الأدب المختلفة ، الشعر والنثر والأفلام والمسرح والأبحاث .
- توفي الشاعر في فيًنا .
- انطلوجيا شعراء نمسا ، إعداد وترجمة بدل رفو
بقلم الكاتب
عصمت شاهين دوسكي