آراء في السياسة والدين والعلافات الخارجية
حوار نادر مع جعفر الصدر المرشّح الأوفر حظا لتولّي منصب رئيس الوزراء
سيف الخياط
تصدر اسم السفير جعفر الصدر مواقع التواصل الاجتماعي وتحليلات السياسيين عبر وسائل الاعلام المختلفة، بوصفه المرشح الاوفر حظاً لتولي منصب رئيس الوزراء، بعد تفاهمات مفاجئة بين رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر، وغرمائه من الاطار التنسيقي، ولعل الكثيرين لا يعرفون سيرة سفير العراق الحالي في المملكة المتحدة جيداً. وهنا حوار تنشره (الزمان) نقلاً عن مجموعة واتساب:
(الزمان)
أولا، أبدأ من حيث يصوره البعض نقطة ضعفكم :
{ هل لكم أن تخبرونا عن عمركم ؟ ومتى وأين ولدتم ؟ وكم لديكم من أخوة؟
– ولادتي كانت في النجف الأشرف سنة 1970 ميلادية، وأنا الابن الوحيد للسيد محمد باقر الصدر مع خمس بنات. ولدي الان ولد وثلاث بنات.
{ يقال إنه لكم قرابة مع موسى الصدر؟
– السيد موسى الصدر خالي وفي الوقت ذاته هو ابن عم والدي ولتجربة الامام موسى الصدر كما يلقب في لبنان وتحركه الجماهيري وانفتاحه وتسامحه صدى كبير في نفسي.
{ دعونا نعود قليلا للبدايات، أيام الطفولة وسنوات التكوين الأولى في ظل المرحوم الوالد؟
– نعم، أصول عائلة آل الصدر هي مدينة الكاظمية في بغداد. في الحقيقة، هجرة الوالد إلى النجف الأشرف كانت متأخرة لغرض الدراسة في حوزتها العلمية. لذا، ولادتي جاءت في النجف التي عشت فيها مدة قصيرة، بحدود 9 سنوات فقط. بعد السنة التاسعة استشهد السيد وشقيقته بنت الهدى ، أي سنة 1980 لنعود مباشرة إلى الكاظمية التي عشت فيها مدة طويلة نسبيا، قرابة الـ 14 عاماً. فيها أكملت دراستي الابتدائية والثانوية ثم دخلت الجامعة لدراسة القانون .
{ أي جامعة؟
– جامعة بغداد. ولكني عدت بعد ذلك إلى النجف للدراسات الفقهية وأمضيت في حوزتها سنتين حتى اضطررت إلى الخروج من العراق بفعل تزايد مخاطر الوضع الأمني ليس فقط عليّ شخصيا بل وعلى العائلة ككل.
{ أي سنة غادرتم العراق والى أين ؟
– مغادرتي للعراق كانت سنة 1998 م، متوجها سرا إلى مدينة قم بطلب من الشهيد محمد محمد صادق الصدر الذي استشعر بتزايد خطر نظام صدام حسين على العائلة. أيضا أراد مني السيد محمد أن أدير مكتبه في قم وأكون وكيله فيها.
{ ماذا اكتسبت من محمد الصدر؟
– كان أستاذي مثلما كان راعيا ومربيا لي من الناحية العلمية والأخلاقية، هذا إضافة إلى وشائج القربى التي بيننا. وكنا في تسعينات القرن الماضي نؤمن بأن حركته كانت معينا وأملا لنا لإسقاط النظام. عليكم أن تضعوا أنفسكم في ذلك السياق القاسي الذي عاشه العراق في تسعينات القرن الماضي كي تفهموا أهمية وخطورة حركة السيد الشهيد الثاني وما مثلته من قيمة في الوجدان الشعبي في وقت كانت فيه الجماهير تكتوي بنار الاضطهاد والقمع الداخلي من جهة والحصار المدمر الذي فرضه العالم الخارجي على العراقيين من جهة أخرى. نعم كانت هناك منظمات سياسية سرية، غير أن السيد محمد كان قطبا يجمع حوله آلاف البسطاء والمحرومين الذين يشعرون بالتهميش والتغريب. . في الحقيقة، خطورة مشروع السيد محمد كونها متحررة تماما من آليات سيطرة الدولة. جيشها الأساسي هم من العامة وبسطاء الناس الناقمة على دولة البعث. كانت الجماهير يومها تبحث عن رمز يتحدى الإرهاب ويمتلك شرعية القيادة. رغم ثقافته الفقهية العميقة، استطاع السيد محمد أن يجد ليس فقط الكلمات المناسبة للتخاطب مع الجماهير بل وأن يتصدر حركتها. كان يعي تماما ما هو مقدم عليه وجسامة ما يتطلبه ذلك من تضحية.
{ أين وصلتم في دراستكم الحوزوية ؟
– مع انتقالي لقم، كرست حوالى ثماني سنوات أخرى للدراسة في حوزتها حتى وصلت مرحلة ما يسمى (دراسات الخارج) وهي ما تقابل الدراسات العليا، غير أني لم أطلب شهادتها. شعرت، في تلك اللحظة باكتفائي بالدراسات الفقهية.
{ حول ماذا انصبت الدراسة في الحوزة ؟
– ندرس بشكل تقليدي العلوم الدينية النقلية كالفقه والتفسير والادب اضافة للعلوم العقلية كالمنطق ومناهج البحث والفلسفة الاسلامية بمختلف مدارسها وقد انصب اهتمامي بصورة خاصة على اشكالية علاقة الإسلام بالحداثة، وكيف أن الإسلام بنصوصه المقدسة يتعامل مع الحداثة بمعانيها الفكرية والسياسية والاجتماعية.
إذن، بعد 8 سنوات أوقفتم الدراسة الفقهية في الحوزة لتنتقلوا إلى بيروت …
{ نعم، فيها درست علم الاجتماع والانثربولوجيا في الجامعة اللبنانية.
عند مغادرتكم إيران إلى بيروت قيل إنكم قد واجهتم مشاكل مع السلطات الإيرانية ؟
– في الحقيقة، سبب مغادرتي إيران يعود إلى إنهائي الدراسة في الحوزة. عندها لم يعد من مبرر لبقائي أكثر. كانت رغبتي تتجه نحو الدراسة الأكاديمية التي اشعر أنها تخدمني في تعميق دراستي عن الإسلام والحداثة. في إيران كنت منصرفا للدراسة فقط.
{ متى رجعتم إلى بغداد ؟
– بعد سقوط النظام مباشرة، في 2003. ومنذ ذلك الوقت وأنا أتنقل بينها وبين بيروت لإنهاء الدراسة الأكاديمية.
{ ومتى قررتم دخول المعترك السياسي ؟
– دعوني ادقق بعض المعلومات التي تداول هنا وهناك. لا أظن بوجود بيت عراقي واحد يخلو من آراء ومواقف سياسية، فما بالكم ببيت الصدر ؟ العراقي بالفطرة يأكل ويشرب السياسة التي تعني له (كما تعني لبقية الشعوب) فن وقدرة إدارة الشأن العام. وفي ما يتعلق بي، فأنا لم انفصل أبدا عن المتابعة السياسية واللقاءات اللاشكلية ليس فقط بسياسيين معارضين عراقيين بل والأهم بناشطين من المجتمع المدني.
{ هل أنت عضوٌ في أي حزب سياسي ؟
– كلا لست عضواً في أي حزب سياسي.
{ لماذا هذا الابتعاد عن حزب الدعوة ووالدكم هو الذي أسسه ؟ وهل هذا يعني انكم تختلفون مع أفكار محمد باقر الصدر (الصدر الأول) ؟
– سبق وان واجهت مرات هذا السؤال. دعوني أجيبكم، هنا أيضا، وبصراحة مطلقة : حسب قناعتي وتجربتي الشخصية ودراساتي الدينية أيضا، لا أؤمن بأطروحة الإسلام السياسي كما تطرح من بعض المنظرين لذلك، كفكر الاخوان وحكومة طالبان والى حد ما التجربة الايرانية وهي تتناول الموضوع من خلال الاطار الفقهي الشكلي. وانما اؤمن ان الدين الذي هو موجه اساسي ومكون اصيل في ثقافتنا قد عالج المسائل المجتمعية المختلفة مراعيا روح التغيير والتطور ولذا لم يقدم صيغا شكلية محددة يمكن ان تصاب بالجمود والابتعاد عن سياق التطور والتغير الطبيعي بل ان مقاربة الدين وخاصة الاسلام كانت في اطار المبادئ والقيم والمعاني السامية التي تؤكد ضرورة وجودها في هذه المجالات سواء كان الامر يتعلق بتنظيم الاسرة او الدولة او عمل المؤسسات الاقتصادية او غيرها. ففي مجال الدولة عنى الاسلام باعطاء الامانة الى الامة لتدير شؤونها بنفسها من دون ولاية لاحد عليها ودعا الى مبادئ العدل وتحقيق العدالة والاستقامة وعدم الظلم والتي متى تحققت كان حكما مرضيا في الاسلام مهما كان شكله التنظيمي فالدين همه الجوهر لا الشكل ولذا فان اشكالية الفصل كما تطرح على القراءة المتعارفة لا تتوجه الى ما ذكرته ومن يراجع كراس خلافة الانسان وشهادة الانبياء الذي كتبه السيد الوالد اواخر حياته يجد الكثير مما اقوله وادعيه وانا اعتقد ان السيد الشهيد كان ذا فكر علمي ونقدي وقادر على تجاوز نفسه ولذا نراه يمر من فترة التنظير للشورى وهي الفترة التي شهدت تأسيس الحزب الى تبني ولاية الفقيه التي اهتم فيها بالمرجعية الرشيدة الى طرحه لخلافة الانسان والتي افهمها بما ذكرت سابقا ودعا في بياناته الاخيرة الى الانتخابات وتحكيم ارادة الامة وتحقيق دولة العدل والمساواة. هكذا اقرأ فكر السيد الشهيد بنفس وروح اليوم وكما هو منهجه وعلى فرض ان قراءتي خاطئة واني مختلف فما الضير في ذلك فهل توقف العقل والابداع يوما !
{ أنتم قضيتم ثماني سنوات في إيران حيث السياسة والدين لصيقتان بل متداخلتان، لكنكم خرجتم منها بأفكار مختلفة ؟
– نعم، تجربة العيش في إيران كانت عاملا مساعدا للتحرر من عدد من التصورات والأفكار التي كانت اقرب منها للإيديولوجية من التصور الموضوعي لحركة المجتمع وتناقضاته.
{ هل تعتقدون ان الثورة الإيرانية ارتكبت أخطاء؟
– في كل تجربة بشرية على ارض الواقع يكون فيها الكثير من الأخطاء كما فيها العديد من الايجابيات، المهم هو عدم الإصرار على الخطأ. وهنا بالذات يكمن اشتباه بعض المسؤولين الإيرانيين الذين يغضون النظر عن الواقع.
{ وما هو الواقع ؟
– الواقع حسب فهمي هو أن الحالة البشرية في تطور مستمر، والمفاهيم الإنسانية في حالة تغيير ولا يمكن الجمود عند مفاهيم ونظريات أصبحت في عهدة التاريخ. يجب القبول بمكتسبات الإنسان الحاضر من الديمقراطية، والتعددية، وحرية الفرد، والمساواة بين جميع البشر. إذا حاولت أن تصادر هذه المكتسبات بالعنف فسوف تكون خارج الواقع ومعيقا للتاريخ. ولكن بالمقابل علينا أن نتحاشى الصور الكاريكاتورية التي تلقى على المجتمع الإيراني. فهناك في إيران مجتمع مدني متحرك، وأفكار نقدية تتداول وتتنقل بسرعة كبيرة، ومنتديات في الداخل والخارج. لا يمكن لأحد أن يتجاهل وزن النخبة الإيرانية المثقفة إن كان داخل البلد أو خارجه وهناك المئات من الباحثين والمفكرين الإيرانيين ليس فقط داخل بلدهم بل نراهم متألقين في أهم الجامعات والمراكز البحثية الدولية ويقدمون اطروحات مهمة واصيلة في مواضيع الحداثة والدين والمجتمع والعلاقة بينهم.
{ ما هي علاقتكم بالسيد مقتدى الصدر ؟
– السيد مقتدى، من حيث القرابة، هو ابن عم لي وهناك علاقة عائلية كونه زوج أختي. الى جانب انه صديق لي وكنا زملاء في بعض حلقات الدرس في النجف وإلى جانب هذه الاعتبارات الطبيعية، أكن له الكثير من الاحترام لمواقفه الوطنية الشجاعة، خاصة في ما يتعلق بالوجود الأجنبي وأيضاً مواقفه الداعية إلى الانفتاح على المكونات الأخرى.
{ انتم قلتم إنكم لا تؤمنون كثيراً بالإسلام السياسي بالمعنى المتعارف ترى ما هو رأيك بالعلمانية؟ هل تعتقدون بأنه يجب أن يكون للعراق نظاما علماني ؟
– يواجه مصطلح العلمانية في مجتمعاتنا مأزقا ومشاكل تاريخية وتراثية بل وحتى نفسية ثقيلة. لذلك أفضل في خطابي أن استخدم مصطلح (المدني) او الدولة المدنية وهي الصيغة الأقرب إلى النموذج البريطاني والألماني في التعاطي بين الدولة والمعتقد وهو ما شرحته لكم سابقا.
{ هل تعتقدون أن على الشخص الأعلى في الدولة العراقية أن يكون متديناً ؟
– متدين او غير متدين هذا شأن شخصي ويتبعه علاقته مع الله عز وجل. في المقابل أساند دولة تحترم تراث وتقاليد ومعتقدات الناس. ولكني أعارض كل سياسي يدعي بأنه يستمد شرعية حكمه من الله أو انه يحكم بأمر من الله، إنما يستمد شرعيته من الشعب.
{ ماذا تعتقدون المشكلة الكبرى في العراق؟
– المشاكل كبيرة وكثيرة ولكن المهم هو الجانب المأسوي للخدمات، الفساد المستشري على كل المستويات وحتى في القطاعات الأمنية ، غياب الكفاءة الحقيقية في إدارة مؤســـــسات الدولة، المحاصصة التي تعني للأحزاب الاقتطاع، عدم الكفاءة وتراجع الواقع الخدمي والاقتصادي والتعليمي.
الفقر الشديد الذي يضرب أكثر من ربع سكان العراق، البطالة التي تلتهم الشباب العراقي، سوء توزيع الخيرات التي خلقت مظالم كثيرة. اضافة الى المشاكل السياسية كعدم الثقة بين الفرقاء وعدم اكتمال المصالحة الوطنية، وتسييس مؤسسات الدولة وغير ذلك.
{ ماذا تفضل في المستقبل ان تكون علاقة العراق الخارجية ؟
– يجب إقامة علاقات متوازنة مع الجميع، تقوم على أساس احترام سيادة واستقلال الطرفين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ورعاية المصالح المشتركة. باختصار، عمق العلاقة مع أي طرف سوف تحدده هذه الثوابت. طبعا العراق بعمقه العربي وتاريخه يتطلب الحرص على اقامة علاقات متميزة مع جيرانه العرب كالشقيقة سوريا والعربية السعودية ومصر لانني اعتقد ان عمق العراق هو عالمه العربي وتكامله لا يتم الا مع دوله من اجل بناء منظومة اقليمية تبدأ بالعرب ولتتكامل مع الدول الاخرى كايران وتركيا حتى تأخذ المنطقة دورها الحضاري في عالم اليوم.
{ والعلاقة مع الولايات المتحدة ؟
– سنكون بعد انسحاب القوات الاميركية حريصين على اقامة علاقات مميزة مع الولايات المتحدة إن كان في المجالات الاقتصادية او العلمية اوالثقافية. لا أحد يستطيع أن يتجاهل قدرة وأهمية الولايات المتحدة في عالم اليوم. وهي (الولايات المتحدة) عليها التزام اخلاقي لتعويض الشعب العراقي على ما عاناه بسبب بفعل الاحتلال ومآسي الحروب ومظالمه وذلك بالحرص على نجاح التجربة الديمقراطية والعمل على الارتقاء بالواقع الخدمي والعلمي والثقافي وحتى الامني للعراق.
{ هل هذا يشمل بقاء بعض القوات الأميركية لمساعدة العراقيين في المستقبل؟
– الاتفاقية الأمنية كانت واضحة في هذا الجانب. هناك جدول زمني التزم به الطرفان وضمن انسحاب مسؤول للقوات، هذا الموضوع اعتقد أصبح منتهياً ولكن هذا لا يمنع بناء علاقة متينة مع الولايات المتحدة، في المجالات التي أشرت إليها أعلاه.
{ هل تؤيدون الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة ؟
– الاتفاقية الأمنية تلك كانت الطريق السليم والقانوني لتنظيم العلاقة بين دولة العراق والوجود الأميركي واعتقد أنها كانت، من هذه الناحية، إيجابية.
{ هل أيدتم الحرب الأميركية على العراق عام 2003 ؟
– لا، لا أظن أن هناك احدا يؤيد غزو بلاده. اعتقد انه كان سلوكاً خاطئاً والحياة قد أجابت على هذا السؤال. الجميع يتفق على أن العراق كان يعاني دكتاتورية بغيضة والشعب كان الضحية الأولى. وكما قلت سابقاً لا يمكن للعنف أن يكون حلاً وحيدا للأزمات. من الممكن تصور أشكال أخرى لمساعدة العراقيين أكثر فائدة، ليس فقط عليهم بل على أميركا أيضا وسمعتها في المنطقة والعالم.
{ البعض يقول لولا أميركا لما كان بالإمكان إسقاط نظام صدام؟
– لقد حاول الشعب العراقي مرات القيام بثورات وانتفاضات ضد نظام صدام حسين ولم يفلح.
كان العراقيون بحاجة إلى مساعدة وتفهم من لدن الشعوب المحبة للحرية والمعادية للظلم في العالم ولم يكن بحاجة لغزو واحتلال.
ما هو مهم اليوم للشعب العراقي هو كيفية الخروج من الأزمة وبناء مستقبله.