«فضيحة» لا تحدث عندنا كعرب!
صحافي فرنسي شاب هو فيكتور كاستانيت Victor Costanet رفض رشوة مقدارها 15 مليون يورو لكيلا ينشر كتابه «المزورون»، ونشر الكتاب (الناشر فايار) وصار خلال شهرين في طبعته السابعة.
الكتاب القنبلة!
لقد ذهب مؤلف الكتاب إلى بيوت (إيداع) المسنين المنتشرة في فرنسا، واختار (المرفهة) منها والتي يتقاضى المشرفون عليها أسعاراً مرتفعة جداً مقابل غرفة للمسن في (بيت الراحة) ريثما ينتقل إلى قبره!
ويكشف الكتاب المبالغ الكبيرة التي تتقاضاها الشركات المنتمية إلى مجموعة شركات «أوربي» فالمسن بضاعة ومادة استهلاكية تدر الكثير من المال في تلك البيوت التي يفترض أنها مكرسة لرعاية المسنين ورفع العبء عن أولادهم. ويكتشف فيكتور كاستانيت سوء المعاملة التي يتلقاها المسن، بدءاً بتحديد قطع البسكوت التي يحق أكلها، ومروراً بنظافته الشخصية، وانتهاء بأسلوب معاملته في دور المسنين إياها.
هبوط أسهم الشركة في البورصة
العديد من الصحف الفرنسية والبرامج التلفزيونية تحدثت عن هذا الكتاب الذي يفضح سوء معاملة المسنين في أحياء باريسية فخمة وبأسعار تكاد تبلغ 8 آلاف دولار للغرفة، حيث تحدث المتاجرة بالمسنين كمادة استهلاكية وبضاعة انتهت مدة صلاحيتها للحياة لكنها ما زالت صالحة كمادة للتجارة. وحسناً فعل الصحافي الشجاع الإنساني فيكتور كاستانيت بإصدار هذا الكتاب الذي سيؤدي إلى تحسين معاملة المسنين، ولكنه تسبب في هبوط أسهم «أوربي» في البورصة! فالمسنون «كبضاعة استهلاكية» لهم أسهم في البورصة!
المسن في بلادنا العربية
قلما نتفوق على الغرب، نحن العرب، في أمور البورصات والتجارة باستثناء حقل التعامل مع المسنين. فهم يبقون في البيت العربي، والأجداد «بركة» يعشقهم الأحفاد بغض النظر على الاعتبارات المالية. المسن عندنا يظل في بيت الأسرة ولا يعتبر بضاعة منتهية الصلاحية يجب أن يتم «رميها» في أحد بيوت المسنين وحرمانهم من الحنان العائلي والرعاية. والبيوت التي تلجأ للتخلص من (العجائز) في البيت نادرة الوجود في عالمنا العربي؛ لأسباب عاطفية إنسانية وحتى دينية.
إنها والدة الثري السياسي!
مرة حين كنت ما أزال مقيمة في بيروت، كنت أكتب تحقيقاً لمجلة «الحوادث» (المتوقفة عن الصدور) حول جمعيات العناية بالطفل والأم مجاناً للفقراء. ذهبت إلى أحد تلك المستشفيات للتوليد وللعناية بصحة رقيقات الحال كما بعد مغادرتهن. أما الأطباء في المستشفى فمن المتبرعين بالعمل الإنساني.
وفي زيارة لي إلى أحد تلك المستشفيات، أطلعتني مرافقتي على (الطبقة الأخيرة) منه، وهي مكرسة للنساء اللواتي ليس لديهن من يرعاهن، ولاحظت امرأة تبدو أكثر تعاسة من سواها، وقالت لي مرافقتي إنها والدة الثري والسياسي اللبناني الكبير (فلان)!
وصدمني ذلك. كان بوسعه مادياً أن يرعى أمه في بيته أو يشتري لها بيتاً ملاصقاً لبيته لتراه كل يوم وتستمد من الوفاء حياة ثانية.
وتصادف أن كنت ليلتها أتناول العشاء في أحد مطاعم بيروت حين جاء ذلك الرجل الذي شاهدت صباحاً والدته مرمية في قاعة للواتي لا أبناء لهن ولا صلة رحم تدعمهن للإقامة مع الأهل.
وعلى غير عادتي، حييته بجفاء واحتقار ضمني؛ فمن يتخلى عن أمه قد يتخلى عن وطنه.
جارتي الفرنسية والوحشة!
منذ أعوام التقيت في المصعد جارتي الفرنسية ومعها حقيبة صغيرة، سألتها بمودة: هل أنت ذاهبة في إجازة؟ قالت: لا. أنا ذاهبة إلى المستشفى لفحص يقرر ما إذا كنت مصابة بالسرطان أم لا. سألتها: هل ستلتقين بابنتك أمام باب المستشفى؟ قالت: لا. إنهما مشغولان بعملهما. ولأنني شامية (عتيقة) قلت لها: سأرافقك إلى المستشفى. وفرحتْ. كأن قيمنا العربية التي كبرنا عليها تُفرح قلوب الغربيين. وبعد يومين فوجئت باتصال هاتفي منها، وقالت: أنا بخير. الخزعة من جسدي أثبتت أنني غير مصابة بالسرطان. أرجوك هل تستطيعين الحضور إلى المستشفى لإخراجي منه، فهم لا يسمحون لي بالخروج دون مرافقة شخص لي!
وغلبتني أصالتي الشامية العربية، ولم أقل لها لدي مشاغلي أنا أيضاً كأولادها، بل قلت لها: حسناً. سأحضر!
وحزنت عليها، لأنها أم لا يبالي أولادها حقاً بما يحدث لها! وحين تمرض سيتم بالتأكيد إيداعها في إحدى تلك المصحات الخاصة بالمسنين، التي كتب عنها الصحافي الشجاع الفرنسي (فيكتور كاستانيت) في كتابه القنبلة.
حفيد للإيجار!
ثمة إعلانات في فرنسا عما يدعى «الحفيد»، وهو موجه للمسنات اللواتي لا يرغبن في مغادرة بيوتهن في مرحلة الشيخوخة لعدم القدرة على التسوق مع القدرة المالية الشرائية. ونسمع كل يوم في باريس إعلانات متلفزة وإذاعية عن شركة (الحفيد) ليرسلوا لها شاباً يوضب لها العشاء ويبقى معها حتى تنام طوال الليل لإعطائها أدويتها بما في ذلك أدوية الأرق. في عالمنا العربي، الحفيد ليس (بضاعة مستعارة)، والمسن عندنا يلقى عناية عائلية، وبذلك نتفوق على الغرب بالإنسانية مع المسنين.