يحضر الغزو الأميركي للعراق في حرب أوكرانيا، فكلما تحدث مسؤول أميركي عن بشاعة الحرب، وقتل المدنيين، يعاد شريط تلك الحرب، فالغزو واحد، مع اختلاف أنَّ أميركا قطعت مسافة عشرة آلاف كيلو متر بدعوى الحفاظ على مصالح الشَّعب الأميركي، بينما أوكرانيا لروسيا جار الجنب.
مثل هذه الأيام، قبل 19 عاماً(20/3/2003) بدأت العمليات العسكرية الأميركيَّة البريطانية، لنزع أسلحة الدمار الشّامل المزعومة، وقطع صلة العِراق بالإرهاب، وقد اتضح أن أُسامة بن لادن(قُتل: 2011) رفض اقتراح الإخوان المسلمين السُّوريين ووساطة حسن التُّرابي(ت: 2016) للتعاون مع العِراق ضد المملكة العربية السعودية، على اعتبار أنّها عدو مشترك لـ«القاعدة» وللنظام العراقي معاً(قناة روسيا اليوم مقابلة مع ضابط المخابرات العِراقي رئيس شعبة أميركا سالم الجميلي) وتحرير الشعب العِراقي مِن نظامه، والبدء ببناء الديمقراطية. لستُ محتاجاً لعرض ما حصل خلال هذه الأعوام الطويلة، مِن هدم الدَّولة والقتل المروع بأصحاب الكفاءات، ونهب الثروة بفساد قل مثيله عند الأقدمين والمتأخرين، وأفظعها تسليم الديمقراطي الأميركي العِراق للجار الجنب.
تلك مقدمة للسؤال عن مصير الشَّاب الكادح ماجد قاسم رِسن؟ سيقول الكثيرون: ومَن هو ماجد كي تفرد مقالاً له! ولم تظهر إحصائية قتلى ذلك الغزو، وأطفال ملجأ العامريَّة(13/2/ 1991) لم يعرف عددهم حتّى اليوم، يوم كانت الحرب لتحرير الكويت، لكنها بدأت بتحطيم البنية التَّحيَّة، ولم تبقِ جسراً ولا محطة كهرباء داخل المدن العِراقيَّة!
أما ماجد الذي لم تذكر اسمه وسائل الإعلام المدافعة عن حقوق الإنسان، ولم يستخدم، مثلما هم اليوم أطفال وصبيان أوكرانيا في حرب المصالح، قتله قناص أميركي، بعد استراحة الجنرال تومي فرانس في القصر الجمهوري(9 أبريل 2003)، راسماً حدود المنطقة الخضراء كدار حصينة، ثم غادر بغداد، مغادرة هولاكو بعد أسابيع(1258 ميلاديَّة) مِن تخريب بغداد، لأنَّ هواءها لا يناسبه، فسلمها لأحد قواده.
ما أتذكره عن ماجد، كلفتني أمُّه أن أسجله، مع شقيقه، في المدرسة المجاورة لدارهم بمدينة الشعب ببغداد، لمعرفتي بمدير المدرسة، وكان قبولهما عيداً لهما، وهما يحملان حقيبتيهما، فدخلا أمام عيني وذابا في ساحة المدرسة وسط الأطفال. لم يوفق ماجد في تعليمه، فوجد له عملاً يقتات منه، موزعاً الخضروات والفواكه على البقالين، وخلال سيره المعتاد واجهه جحفل من المدرعات الأميركية، فحار ماذا يصنع؟ فلا مجال إلى اليمين ولا الشَّمال. غير أنَّ القناص الأميركي أراحه مِن الحيرة، برصاصة في جبينه وهو وراء مقود السَّيارة، التي يعمل أجيراً لصاحبها، فأرداه قتيلاً، وواصلت المدرعات طريقها، عابرة على السيارة نفسها، مِن دون معرفة ماذا حصل لسائقها، الذي طويت جثته بحديد سيارته.
أحسب أنَّ مصير ماجد كان مصير الآلاف، أما نحن فقد كنا لاهين، بما ستأتي به الديمقراطيَّة مِن منافع، وكلما تحدث مذبحة نقول للديمقراطية ثمنها، فلابد مِن الصبر، فالخير قادم لا محال، بعد سنةٍ أو سنتين بالكثير، وها هي تسعة عشر عاماً تمرُ، وهذا الرقم كان عمر ماجد، الذي جعلنا نعرف أن هناك قناصين للبشر، بعدما كنا نحسب القنص للطيور فقط، أحسب ذلك القناص الذي أردى ماجداً قتيلاً، أباً لقناصي الجار الجنب، في ساحات الاحتجاج مِن أجل «نريد وطناً»، الذين أردوا ثمانمائة محتج مسالم، وإذا نحن في عاصفة جعلتنا «مزعزعين كأنَّ الجنَّ تُسلمنا/ للريح تنشرنا حيناً وتطوينا»(الجواهري، يا أمَّ عوفٍ).
كاتب عراقي