الفارق التعليمي بين الزوجين.. هل يؤثر على مسيرة الحياة الزوجية ؟
بغداد – عادل الميالي
حاولت العديد من الدراسات والأبحاث تناول موضوع العلاقات الاجتماعية وما يعتريها من عوائق ومشكلات في محاولة لايجاد الحلول لها، ومنبع هذا الاهتمام يعود الى طبيعة دور الأسرة داخل المجتمع، ذلك لان لها الفضل الأول في نقل التراث الثقافي والاجتماعي الى الاجيال اللاحقة، ولأن اللبنة الأساسية في تكوين الأسرة هما الزوجان، فإنه وجب التعرف على طبيعة العلاقة الزوجية خصوصاً إذا كان هناك فارق في المستوى التعليمي بين الزوجين، ودراسة هذا الفارق كمتغير من المتغيرات التي ربما تؤثر على مسيرة الحياة الزوجية.
وبغية تسليط الضوء على هذا الموضوع , توجهنا بالسؤال التالي : هل تعتقد ان الفارق التعليمي بين الزوجين يؤثر على مسيرة الحياة الزوجية ؟
طلاق نفسي
بداية جولتي كانت مع الدكتور (محمد مبارك), حيث يرى انه كلما كان الزوجان متقاربين في المستوى التعليمي، كلما ارتفعت درجة رغبتهما واهتمامهما وحرصهما على حياتهما الزوجية، ومن ثم تتدنى مؤشرات توقف استمرار الحياة الزوجية، أما إذا كان مستوى تعليم الزوجة أعلى من مستوى تعليم الزوج فإن حياتهما الزوجية تنطوي على عدم الاستقرار أكثر مما لو كان مستوى الزوج التعليمي أعلى من مستوى الزوجة, ويضيف بأن الزوج الذي يكون مستواه التعليمي أقل من مستوى تعليم زوجته يتولد لديه شعور بعدم الملائمة، والدونية، والحرمان، في حين لا يتولد هذا الاحساس لدى المرأة، باعتبار ان الرجل في المجتمع العراقي مثلاً هو الذي يؤسس مكانة العائلة الاجتماعية، وانطلاقا من مباركة القيم الاجتماعية التي ترفع من قدرة ومكانة الرجل ، وفي نفس الوقت أهمية المستوى التعليمي للرجل كوسيلة لرفع الدخل والمستوى المعيشي، والمكانة الاجتماعية .
لذا فان قضية الفارق في مستوى التعليم بين الزوجين تعمل على توسيع الفجوة المعرفية والثقافية بينهما وكأنهما أصبحا بمثابة شخصين مختلفين تفكيراً، وسلوكاً، وحكماً على الامور والأشياء، وهذا الوضع يفتح المجال واسعاً لنشأة التناقضات والاختلافات التي تؤدي غالباً إلى طلاق نفسي بينهما في المرحلة الاولى وهما يعيشان تحت سقف واحد، وقد يتعاظم الوضع ليصل إلى توقف استمرار الحياة الزوجية .
تأثير متباين
ويعتقد الدكتور (رحيم الساعدي) ، بان تأثير الفارق التعليمي متباين ، فإذا كان الفارق التعليمي شاسعاً جداً، فانه سيؤثر بشكل كبير على الحياة الزوجية ، فمثلا عندما يكون الزوج حاصلاً على شهادة جامعية أو ما يعادل، وتكون الزوجة ذات تعليم محدود جداً، فانه سيخلق هوة واسعة بحيث يصعب التفاهم بينهما، وهذا الفارق سيظهر مهما حاولا التغاضي عن بعض المواقف, كما يظهر التأثير أيضاً في حالة كون الزوجة حاصلة على مؤهل عالي، ويكون الزوج متوسط التعليم مثلاً، فهنا يظهر التأثير بشكل أكبر وتزداد المشاكل بينهما، نظراً لكون الزوج في هذه الحالة سوف يكون في حالة ضعف نفسي وشعور بالنقص، وهذا مخالف للعادة ، ففي مجتمعاتنا الشرقية يكون الزوج في حالة قوة، وهذا يختلف قليلاً في حالة كون الزوج هو المتعلم والزوجة هي الأقل تعليماً، فالفارق هنا لن يظهر كثيراً، لان الزوجة سوف لن تتأثر كثيراً، فهي تحب دائماً أن يكون زوجها أعلى تعليماً ومركزاً وظيفياً حتى يشعر بشخصيته ورجولته .
وهذا لا يعني ان المشاكل بين الزوجين غير موجودة في حالة تقاربهما علمياً، ولكن ليس بقدر المشاكل الموجودة بين الزوجين المتقاربين في المستوى التعليمي، وبذلك يتضح لنا أهمية التعليم في نجاح مسيرة الحياة الزوجية.
نظرة واعية
أما السيدة (روناك الجاف) فتشير إلى أن التعليم يمثل جانباً مهماً في حياتنا المعاصرة، غير ان الحياة الزوجية ليست مستحيلة بين الزوجين اللذين يوجد فرق في مستواهما التعليمي، بدليل ان هناك العديد من الأزواج تسود المحبة والمودة بينهما رغم وجود هذا الفارق, من هنا أرى ضرورة النظرة الواعية للأمور من قبل الزوجين، مع وجود الرغبة القوية والجادة في بناء أسرة متماسكة وسليمة تسودها أجواء المحبة والتفاهم والانسجام، واحترام قدرات وإمكانات الطرف الآخر، إضافة الى التحلي بالتواضع الذي يجب أن يحكم التعامل بينهما دون أي غرور شخصي، ودون شعور بالتكبر الذي يؤدي بالتأكيد إلى فشل علاقة أي فرد بالآخر, لذلك فإن أفضل الأزواج من كلا الجنسين من اتصف بالتواضع وترفع عن التكبر .
فجوة كبيرة
في حين تجد السيدة (تغريد مهدي)، بان التعليم في العصر الحديث قد طال الجنسين الذكر والانثى على حد سواء، لكننا لا نزال نجد الكثير من الزيجات غير المتكافئة تعليمياً, لذا فان الفارق التعليمي قد يعيق الحياة الزوجية، فالمرأة المتعلمة هي أقدر على تربية الأطفال وتعليمهم خاصة في المرحلة الأولى من عمر المرأة غير المتعلمة أو ذات التعليم المنخفض، سواءاً بالتنشئة الصحية أو النفسية بصورة مفيدة، كما ان للتعليم دوراً كبيراً في صقل وإنضاج الشخصية وتحديد مستوى الثقافة والذوق العام، مما يعني ان التقارب في المستوى التعليمي سوف يمس تلك الجوانب ، وعليه فإن وجود الفارق التعليمي بدرجة كبيرة قد يخلق فجوة تتسع مع مرور الوقت وتسبب الضيق للرجل، وينعكس ذلك على نظرة المرأة لنفسها كشريكة حياة من المنطق والعقل أن تشاركه أفكاره وطموحاته، وليست مدبرة منزل, ومع ذلك فان الحياة والمشاعر الإنسانية والعلاقات الزوجية لا تخضع لقوانين مطلقة ، لذا نجد ان هناك علاقات أو حياة زوجية ربما تكون ناجحة رغم الفارق التعليمي، لكن ذلك قليل بشكل عام.
الدكتور (قتيبة محمد) يؤكد بان العلاقة الزوجية وهي الرباط ((الشراكة)) التي يتفق اثنان على تكوينها وفــــــــق منطلقات غير مقاسة، وتعـــــــتمد التوافق النفسي والتكوين والرغبة، والناتج هو السعادة والراحة والطمأنينة أولاً، ثم التآلف والتراحم والمحبة والاتــــــــفاق ثانياً، وهذا في مجمله يــــــــخرج عن القياســـــــات المادية وفق ناتج تقويمي تأهيلي عبر مؤسسات تعليـــــــمية, وباعتبار ان العصر مكن الجميع من إمكانية إتســـــــــاع دائرة المعرفة التي يطلــــــــبها وله الرغبة في سد حاجة ما لمعرفة العصر الذي تفجرت فيه وســـــــائط إعلامية ومعلوماتية متاحة للجميع، فانني لا أعتقد ان الفروقات في الشهادة تمثل قيمة في مسيرة توافق نفسي وبيولوجي فرضتـــــــه الطبيعة وأوجدته الحياة لكي تستمر، هذه الحياة المركبة التي لا يمكن الجزم بأي حــــــــــقيقة تكون دلالة انطـــــلاقية للوصول الى نتيجة بالإمكان التسليم بها واعتمادها, لذلك فنحن نـــــــطمح إلى توفير وسائط المعــــــــرفة للجميع آملين أن تقــــــــترب الرؤى ومعايير التقييم وأسالـــــــيب التناول وصولاً إلى لغة مشتركة بين الطرفين ، ونتأمل خيراً ولكن ليس بشرط .
الاغتراب النفسي
وللتعرف على وجهة نظر علم النفس يذهب الدكتور(علي عودة) بان الفارق إذا ما كان بسيطاً بينهما فليس له أثر كبير على حياتهما الزوجية، إلا انه كلما كان هذا الفارق في مستوى التعليم شاسعاً انعكس ذلك سلباً على حياتهما الزوجية، وبخاصة كلما مضى على الزواج مدة أطول، إذ تبدأ الفجوة بين أسلوب تفكير الزوجين تتضح بشكل كبير ، كما ان للجانب التعليمي الأكاديمي دور في إثراء خبرات الفرد العلمية والاجتــــــماعية والسياسية والجمالية والتي تؤثر في سلوكه ونمط تفكيره في الحياة، ويقود بالنتيجة الى عدم التوافق مع الطرف الآخر الذي لـــــــم يحظ بفرصة التعليم وما يتركه من أثر في حياته العقلية والاجتماعية, فضلا عن ان لغة الفـــــــرد وما يستخدمه من مفردات في حياته العائلية والاجتماعية، علاوة على اهتماماته الشخصية وميوله واتجاهاته، كلها تتأثر بمستوى تعليمه، ممـــــــا يجعله يشعر بالفارق بينه وبين طرفه الثاني غير المتعلم، وهذا ما يزيد من سعة الفجوة بين الطرفين .