طفلة سورية تصمم من أكياس النفايات فساتين جميلة… وأخرى يمنية تتحدى جسدها الصغير لتروي أسرتها!.
بيدر ميديا.."
طفلة سورية تصمم من أكياس النفايات فساتين جميلة… وأخرى يمنية تتحدى جسدها الصغير لتروي أسرتها!
كثيرون منا لا يدركون تلك النعم الكثيرة التي نعيشها، ربما لأنها جزء من حياتنا اليومية، التي ولدنا بها.
ألا يقال فاقد الشيء هو الوحيد الذي يقدر قيمة ما ينقصه. كيف لنا إذاً أن نفهم شعور من يعيش في الظلمة وقد ولدنا في النور؟ أو كيف ندرك إحساس من لا قدرة له على الجري ونحن نسابق الريح في الوصول إلى أهدافنا.
كثيرون منا لا يعرفون قيمة كسرة الخبز. نرمي بفضلات الطعام من دون أن يرف لنا جفن. قد نكتب عن الأطفال الجياع في عدة بقاع في أنحاء العالم وقد نُبكي القراء من شدة الحرقة التي تعتصر سطورنا. ولكننا قد ننساهم يومياً ونحن نأكل مع أطفالنا بشهية، مغمورين بنعمة العيش والصحة والعافية. قد نشعر بالجوعى فقط حين نُحرم من تلك اللقمة الطيبة.
لا أدري كم طفلاً رسم طبق حلوى على الحائط وحاول أن يلتقط منه بعض القطع ويضعها في فمه ليقضم الهواء وهو يبتسم.
إن الكبار فقط يستسلمون للأمراض والأوجاع والمصائب، ولكن أطفالنا مرنون. يعرفون كيف يحركون الواقع الأليم بأصابعهم الصغيرة ليعيدوا تشكيله من جديد بخيالهم المبدع. هكذا ينفخون في العتمة بريقاً.
في لحظة من لحظات الانكسار الكبرى كتبت:
«أشعر بهشاشة مطلقة، ومن كثرة ما رقّ قلبي كادت تتدفق منه المياه».
أتأمل اليوم في هذه الجملة وأرى ضعفي أمامي يطالعني باستهزاء.
كم أخجل من ذلك الضعف خصوصاً حين أرى في الجهة المقابلة طفلة تحفر بجهد رغم ألمها ليتدفق من الصخر شلال فرح.
إنها ضيفة الإعلامي اللبناني مالك مكتب في برنامجه الشهير «أحمر بالخط العريض». طفلة سورية لا يتجاوز عمرها التسع سنوات. حضرت إلى ستوديو «أل بي سي» وهي ترتدي فستاناً أسود طويلأً من تصميمها. لقد صنعته من أكياس جمعتها من حاويات النفايات أو وجدتها مرمية على الطرقات. وحين سألها مكتبي لماذا لم تستخدم القماش، ردت عليه ببراءة:
«لأن ما ظل عندي قماش» !
ما ظل عندها قماش ولكنها لم تهزم بل تحدت الواقع المرير ووجدت البديل.
انتشر مقطع الفيديو بصورة كبيرة جداً على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس فقط بسبب موهبة تلك الصغيرة وقدرتها على تحويل أشيائنا المرمية إلى فن جميل، بل لأنها بطلة حقاً. لم تتحد الفقر فقط بل أيضاً تغلبت على إعاقتها الجسدية.
فخلف تلك الابتسامة الواسعة البريئة تركن أوجاع لا قدرة لنا نحن الكبار على احتمالها.
سألها مكتبي لماذا اختارت أن ترتدي الفستان الأسود الطويل ولم تلبس التنورة الحمراء التي كانت تحملها في يدها.
جاء ردها المؤثر بمثابة صفعة على وجوهنا جميعاً. صفعة قد توقظنا من الدراما الذاتية التي نتصور أننا نعيشها، بل نتمادى في تضخيمها في أحيان كثيرة، ونحن نندب حظنا التعس.
قالت وهي تقاوم ألمها:
ارتديت الفستان الأسود الطويل لأني أخجل. عندي رجل صغيرة ورجل كبيرة.
تصمت قليلاً لتهرب منها دمعتان. ثم تحاول التماسك بفرك عينيها وهي تبرر ألمها الداخلي الذي تجاهد أن تخفيه مرددةً: إنه موقف صعب، فأنا أتعرض كثيراً للتنمر.
كيف نخبرك أيتها الطفلة السورية كم أنت جميلة وموهوبة وقوية؟ وأنك توقدين بشجاعتك وتصميمك شعلة أمل لكثيرين من اليائسين والمحبطين.
نعم، إنك تتعرضين للتنمر لأن عالمنا تقطنه الكثير من الوحوش البشرية التي فقدت كل ما يمت للإنسان بصلة. ولكن لا عليك. لا أهمية لمثل هؤلاء على هذه الأرض. من ينشر الألم يأتي يوم يرحل فيه متألماً. طباخ السم لا بد أن يتذوق طعامه. ستجدين الفرح لأنك مصدره!
طوبى لكل من يستطيع أن يحول جرحه إلى نقطة ضوء.
طفلة يمنية تقوى على جسدها الصغير!
ومن طفلتنا السورية إلى أخرى يمنية تحمل قارورتي مياه. تمسك كل قارورة بيد وكأنها تحاول التحايل على أعباء الحياة بتوزيعها. تمشي بهما بعد أن ملأتهما من خزان خيري في مخيم للنازحين بالقرب من صنعاء. صورة انتشرت بكثافة بين رواد السوشيال ميديا.
لا يمكن أن تقع عيناك عليها ولا تشعر بالأسى. طفلة صغيرة تحمل ما هو أثقل من جسدها دون أن تنوء به. بل تتابع بثقة وإصرار سيرها، حافية القدمين، لتسقي أهلها وإخوانها الصغار من قارورتيها.
هكذا هم السياسيون يشعلون الحروب ليحصد صغارنا الألم ويحملوه فوق أكتافهم مدى الحياة.
ترى هل ستنجح مشاورات الرياض في وضع حد للوضع المأساوي، والحرب المجنونة التي طال أمدها، والتي يصب الزيت على نارها كلما أرادت أن تنطفىء سياسيون، آخر ما يفكرون في مأساة الشعب اليمني المنكوب؟
ألم يكن في الإمكان اللجوء إلى طاولة الحوار بين المتحاربين قبل سنوات من الآن؟ ألم يكن في الإمكان الحيلولة دون كل هذا الخراب والدمار والآلام؟!
*كاتبة لبنانيّة