حضارة الرافدين وجارتها الإيرانية: خرافة الأمة العراقية الناطقة بالعربية ج1
علاء اللامي*
الجهل والتضليل: غدت الحاجةُ ماسةً في أيامنا إلى اعتماد تحقيب زمني متسلسل “كرونولوجي” موَّثَّقٍ بشكل علمي لإحداثيات تاريخ حضارات منطقتنا وإنجازاتها وعلاقاتها ببعضها. وهذه مهمة معقدة دون شك، إنما سيكون ممكناً البدء بمحاولات جدية لدراسة العلاقة بين الحضارات الرافدانية والمصرية والشامية والإيرانية القديمة، لما بينها من تداخل وتفاعل طويل ومواضع تواصل وانقطاع والتباسات وقراءات متضاربة. وإذا كانت العلاقات بين الحضارات القديمة الرافدانية والمصرية والشامية معروفة، وموَّثقة بشكل لا بأس فيه بالأدلة الإركيولوجية والتاريخية واللغوية، وقد أُلِّفَت حولها الكثير من الكتب والدراسات، فإن الحضارات الأخرى كالهندية والصينية والإيرانية القديمة وعلاقتها بحضاراتنا تبقى ميداناً غير مطروق تقريبا؛ ولهذا أمسى من السهل على الكُتاب ذوي الخطاب السياسي الإنشائي الملتبس أن ينتهوا مثلا إلى تجريد إيران القديمة وغيرها من أية إنجازات حضارية والشطب على الموجود منها أو استصغار شأنه لأهداف لا علاقة لها بالبحث العلم الدقيق بل تنحو منحىً أيديولوجياً انعزالياً غالبا.
إنَّ القول بقِدَم وريادة واحدة من الحضارات كالعراقية القديمة، ضمن مجالات البحث العلمي، لا ينبغي أن يؤدي إلى تكريس خرافتين يكررهما بعض الآخذين بمقولات سياسية أيديولوجية من قبيل “الأمة العراقية الناطقة بالعربية” أو “الأمة الرافدانية المتميزة”، بهدف تحويلهما من خرافتين إلى مقولتين مألوفتين وطبيعيتين؛ الأولى هي شطب وإقصاء حضارات ومدنيات الأقوام والشعوب الأخرى أو استصغارها والانتقاص منها بدوافع ونزعات قومية أو دينية أو عدمية، سواء كانت تلك الحضارات متزامنة مع الرافدانية كالحضارة المصرية منذ بداياتها الأولى، أو مترافقة مع مراحلها الآشورية والكلدانية كالحضارة الإيرانية القديمة، فالقِدَمُ والريادة الحضارية لا ينبغي أن تترتب عليهما أفضليات معينة لمصلحة الشعب الأقدم، وأن تكون مثلبة بحق الشعب الأحدث عمراً حضاريا.
أما الخرافة الثانية فتهدف إلى التشويش التاريخي والإناسي على طبيعة المجتمعات القائمة ومنها المجتمع العراقي ودولته المعاصرة كمقدمة لإنكار هويته الحضارية العربية، وتقوم على اعتبار أيديولوجي سطحي مفاده أن سكان العراق الحاليين هم أنفسهم السومريون والأكديون والآشوريون القدماء وقد أصبحوا “ناطقين باللغة العربية” التي فُرضت عليهم بعد الفتح العربي الإسلامي، أي إنهم ليسوا عرباً أصلا! وهذه النسخة من الفكر الانعزالي سبق وأن تمظهرت بنسخ مشابهة، تطفو وتغطس بين فترة وأخرى، ومنها تلك النسخ القائلة بفرعونية مصرية وفينيقية لبنانية المنكرة لعروبة الشعبين والبلدين…إلخ.
ورغم أن الأدلة العلمية وآخرها الكشوف الوراثية “الجينية” الحديثة قد حسمت علميا هذا الموضوع فوضعت العراق، في بداية قائمة الشعوب العربية المعاصرة من حيث وجود نسبة عالية من الجينومين ج1 وج2 المشترَكين لدى العرب وعموم الشعوب الجزيرية “السامية” كما أكد البروفيسور أناتولي كليوسوف، أحد أبرز علماء ومؤسسي هذا العلم (للمزيد، يُراجع الجزء 2 من مقالتي في الأخبار، عدد 4 تشرين الأول 2018 وهي بعنوان “الأبحاث الجينية المحايدة تنفي سامية الأشكناز”). رغم كل ذلك، يواصل مناهضو هوية العراق العربية محاولاتهم دون إصغاء لما تقوله الأبحاث العلمية الحديثة، متعكزين أحياناً على وجود أقليات قومية لا تشكل بمجموعها اليوم أكثر من 15 بالمائة، مقابل العرب الذين يشكلون 85 بالمائة من سكان العراق، في حين أن نسبة الفرس في إيران تبلغ 51 بالمائة، ومع ذلك بقيت هوية إيران فارسية، ونسبة الترك في تركيا بين 60 و70 بالمائة، ولكن هويتها بقيت تركية طورانية لا جدال حولها.
تجريد العراق من هويته الحضارية العربية
إن هذه الفكرة الغريبة، التي لم يطرحها ويتبنها على حد علمنا باحثون وخبراء متخصصون معروفون بجديتهم ورصانتهم البحثية، أخذت تنتشر في أيامنا بأقلام كُتاب المقالات السياسية غير المتخصصين أو العارفين بعلوم التاريخ والإناسة. إنها فكرة تتنافى مع واقع أن سكان العراق اليوم، بالنسبة المذكورة آنفاً، هم من العرب بقبائلهم وعشائرهم المعروفة الأسماء والأنساب والمنحدرات، وأنهم شكلوا مع مَن تبقى من أقوام العراق القديم المنتمية للأصول الجزيرية “السامية” نفسها، والتي عاشت تحت الاحتلال الإيراني لأكثر من ألف عام، (تمتد من سقوط بابل بيد الفرس الأخمينيين سنة 539 ق.م، وحتى تحرير العراق من الفرس الساسانيين بعد معركة القادسية في تشرين الثاني / نوفمبر سنة 636 م)، شكلوا شعباً واحداً، اندمج وتمازج خلال أكثر من أربعة عشر قرناً لاحقا. وكان العِماد الانثروبولوجي لهذا الشعب وغالبية السكانية عربية جزيرية، مع استمرار تقاليد التعايش العريقة بين الغالبية العربية والأقليات القومية والدينية العراقية حتى الاحتلال الأميركي سنة 2003، حيث بدأت غالبية تلك الأقليات الصغيرة بالفرار والهجرة من بلادها.
ثم أن الوجود العربي المجاور والمستقل والمتمايز عن وجود الشعوب الجزيرية “السامية” الشقيقة في بلاد الرافدين وبلاد الشام لم يبدأ مع الفتوحات العربية الإسلامية بل تؤكده الأدلة الآثارية – منها نصب شلمنصر الثالث – في القرن التاسع ق.م كما سنوضح بعد قليل.
وبغض النظر عن نظرية “الأمة الجزيرية السامية الأولى أو الأم” والتي لم تتأكد علميا حتى الآن، فثمة تشابه وتداخل إلى درجة الامتزاج بين العرب وبعض الشعوب الجزيرية الشقيقة كالأنباط؛ فهؤلاء أقرب الجزيريين إليهم، لا بل أن بعض المؤرخين اعتبروهم عربا ولقبوا بعض ملوكهم بملك العرب. وقد وصف “سفر المكابيين -التوراة”، الحارث الأول ملك الأنباط في القرن الثاني ق. م، بـ “طاغية العرب”. ووصف المؤرخ اليهودي الشهير يوسيفوس فلافيوس ملك الأنباط الحارث الثاني بملك العرب، وبهذا الوصف وصف الملك النبطي مالك الأول. وذكر المؤرخ الروماني أوروسيوس (375م – 418م) أن القائد بومبيوس “غزا المشرق وأخضع الإيطوريين (وعاصمتهم بعلبك. ع.ل)، ثم غزا “العرب واستولى على مدينتهم التي يسمونها البتراء”، كما وثَّقَ هذه المعطيات المُؤرِّخ المتخصص بحضارة الأنباط د. زياد السَّلامين في بحثه المتقن “الأنباط عرب بالأدلة التاريخية”، وفيه حشد العديد من المقتبسات التاريخية بلغتها الأصلية مقابل ترجماتها إلى العربية حول الموضوع.
عرب ما قبل الإسلام
أما الأدلة الآثارية على الوجود العربي في العراق والشام قبل الإسلام فكثيرة، ومنها مشاركتهم في معركة قرقرة “كركرا” سنة 853 ق.م، وتفاصيلها موَّثقة على نصب شلمنصر الثالث “مسلة كورخ”، ضمن تحالف دويلات المدن في بلاد آرام التي تصدت للغزو الآشوري. وقد شارك العرب فيها بجيش مستقل من الفرسان على الجِمال، يقوده جندب العربي “جنديبو آرابي”. وهناك آثار دولة الرها “أسروينا” أو “عربايا” كما سماها المؤرخ الروماني بلينيوس، وورد اسمها هذا في نقوش “أثار سوماتار” باللغة الآرامية “السريانية”. وقد نشأت هذه المملكة سنة 132 ق.م في شمال بلاد الرافدين – قرب أورفة في تركيا الحالية، وحكمتها سلالة الأباجرة العربية، وكانت أول دولة مسيحية في التاريخ، وهناك أيضا دولة المناذرة بجنوب العراق، ودولة الغساسنة في الشام قبل الفتح العربي بقرنين تقريبا.
إنَّ تجربة “الاندماج الأقوامي” ليست جديدة في تاريخ بلاد الرافدين، فقد اندمج السومريون وذابوا في الأكديين، والأكديون بالأموريين، والأموريون والكلدانيون بالآشوريين، والانباط الآراميون وغيرهم بالعرب الفاتحين أو الموجودين قبل الفتح، في سلسلة من الاندماجات الإناسية واللغوية بين هذه الشعوب الشقيقة إثنيا، وأصبح العربُ هم الورثة الحقيقيون – بالمعنى الإناسي – والمكملون لإنجازات وحضارات الماضي، التي بنتها شعوب نشأت واتسعت ثم انقرضت أو كادت، واندمجت بقاياها بغيرها وانتهت أسطورة “الدماء النقية” إلى الأبد. أما اعتبار كل هذه الشعوب شعباً حياً واحداً مرَّ بعهود ذات تسميات مختلفة مثلما مرَّ العرب بالعهدين الأموي والعباسي، فهو اعتبار خاطئ تماما لأنه يساوي بين أُسَرٍ مالكة من الشعب ذاته -أمويون وعباسيون وفاطميون- وقد صارت أسماؤها اسماءً لدول وعهود تاريخية معينة، وبين شعوب متقاربة أنثروبولوجياً وإثنياً ولغوياً حلَّت دولُها ومجتمعاتُها محل أخرى بعد حروب وغزوات وهجرات وحالات استيطان واسعة.
الانقطاع الحضاري الألفي
عامل مهم آخر له كلمته الحاسمة في هذا الميدان، هو ما يمكن أن ندعوه بالانقطاع الجيوسياسي والسكاني “الديموغرافي” الجذري، والذي دام لأكثر من ألف عام، كما قلنا، بين الحضارات الرافدانية والشامية القديمة والحاضر العراقي والشامي؛ فبسبب الأوبئة والفيضانات والحروب والثورات والفتن الداخلية المستمرة، انخفض عديد سكان العراق حتى بلغ درجة حرجة على حافة الانقراض في عدة مراحل تاريخية بعضها قريب جدا. فقد بلغ عدد سكانه في القرن التاسع عشر الميلادي أقل من مليون نسمه، وربما تجاوز المليون وربع وفق دراسة للباحث محمد سلمان حسن نشرها معهد الإحصاء بجامعة أكسفورد سنة 1958، وفيها شكلت نسبة القبائل البدوية والريفية وهي عربية قطعاً -باستثناء المحافظات الثلاث ذات الأغلبية الكردية -أكثر من 75 بالمائة منهم، وما تبقى هم سكان المدن وغالبيتهم من العرب أيضا.
وكان عدد سكان بغداد بما فيها الكاظمية والأعظمية 63 ألف و272 نسمة فقط في سنة 1870! أما حين دخل العراق القرن العشرين، فقد كان عدد سكانه في سنة 1920 مليونين و849 ألف نسمة لا غير! فعن أية شعوب سومرية وأكدية وآشورية حيَّة كوَّنت “أمة عراقية ناطقة بالعربية” يتحدث البعض؟ ثمَّ، هل خلت مقولة ومصطلح “الأمة” من الغموض والتداخل الذي رافقه منذ ولادته بأوروبا في العصر الحديث؟ ألم يخضع هذا المصطلح لتفسيرات شتى ويصبح موضوعا للخلاف والاختلاف، ولم يتم الاتفاق علميا على محتواه حتى الآن؟
إن الحديث عن الحالة الديموغرافية الفريدة لبلاد الرافدين القديمة والعراق الحديث يمكن تفسيرها بحالة انقطاع جيوسياسي وحضاري شبه كاملة كما قلنا بين سقوط بابل سنة 539 ق.م، والفتح العربي الإسلامي سنة 636 م. إن هذا الانقطاع بين الحضارات الرافدانية القديمة وشعب العراق المعاصر ذي الأربعين مليون نسمة يفرِّغ مقولات الاستمرارية الديموغرافية والإناسية بين العراق القديم والحالي من أية قيمة علمية، ولكننا لا نجد مثيلا لهذا الانقطاع في الحضارة الصينية التي استمرت تتطور وتتفاعل وتتجدد في دائرتها دون انقطاع منذ آلاف السنوات وحتى اليوم إناسياً وحضاريا.
ثم لماذا يوضع مفهوم “الأمة العراقية” – إذا افترضنا جدلاً صحته النسبية وأن هناك أمة عراقية قيد التَّشَكُّل – لماذا يوضع في تضاد وتعارض عدائي مع مفهوم “الأمة العربية” الذي يقول به القوميون العرب؟ أليس من المشروع القول إن مفهوم “الأمة العراقية” هو الوجه الآخر لمفهوم “الأمة العربية” متكاملة الشروط ومنسجمة المحتوى من المحيط إلى الخليج الذي يأخذ به القوميون العرب القائلون بوحدة الدم؟ ألا يتكئ الطرفان على أسس أيديولوجية وتوليفات سياسية قسرية متماثلة من حيث الجوهر المستند على العِرْق والعنصر لا على العامل الإناسي الثقافي؟
ماضي إيران ليس فراغا حضاريا
لنلقِ الآن نظرة فاحصة على تأريخية العلاقة بين الحضارات القديمة في بلاد الرافدين وإيران، لكشف ملابسات ومحتوى المزاعم الانعزالية الشاطبة على الحضارة الإيرانية أو تلك المبالِغة في إنجازاتها والمنكرة لتأثيرات الحضارات المجاورة ومنها الرافدينية عليها:
لنبدأ باسم إيران بالفارسية القديمة، فهو “آريان” المكون من لفظ آري واللاحقة “ان” صيغة النسبة إلى أسماء العَلَم بالفارسية. كانت هذه اللفظة تعني الآريين أي سكان الهضبة، ثم اكتسبت دلالة جغرافية ضمن تشكُّل الكيانية الجغراسياسية الفارسية، وصارت تعني “أرض الآريين” كما تقول دورية (Encyclopedia Iranica) باللغة الإنكليزية. وقد استُخدِمت الكلمة محلياً – وليس عالميا – منذ أواسط العهد الساساني. وفي العصر الحديث، بعثت السلطات القومية الإيرانية هذا الاسم حياً سنة 1935، أما قبل ذلك، فكان هذا البلد يعرف عالميا ببلاد فارس، وعُرِف لدى العرب قبل وبعد الإسلام ببلاد العجم. (من طريف ما يذكر هنا، أن العرب بالأندلس كانوا يطلقون على النصوص اللاتينية المكتوبة بالخط العربي النصوص العجمية (اَلخَمِيَدُ – aljamiado)، أما في غرب أفريقيا فكان الناس يطلقون كلمة عجمي (أجمي) على نصوص اللغات الأفريقية المكتوبة بالحرف العربي).
وعن أصل الميديين، يقول المؤرخ ول دورانت في موسوعته “قصة الحضارة/ الفصول الخاصة بتاريخ الفرس التي نشرت في كتاب مستقل، تُرجم إلى العربية سنة 1947، ص3 وما بعدها”، إنهم شعب هندو آري، ورد ذكره للمرة الأولى في إحدى اللوحات التي تخلد حملة عسكرية قام بها شلمانصر الثالث سنة 837 ق.م على بلادهم التي سماها “بارسو” بالباء المثلثة القريبة لفظاً من الفاء، وليس من المؤكَد إنْ كانت هذه الكلمة هي التي اشتق منها اسم الفرس وبلاد فارس أم أنها تحيل إلى الفرثيين الذين ورد ذكرهم في الآثار باسم “بارثاوا”. وكِلا الشعبين من الهندوآريين. وكان يقطن مقاطعة بارسو شعب يسمى أماديا أو ميديا ومنه نسبة “الميديين”، قَدِمَ من سواحل بحر قزوين إلى الهضبة في الألف الثالث ق.م، وبنى أول ملوكهم ديوسيس العاصمة “إكباتان – بالفارسية القديمة: هانقماتانا” على سفح جبل “العاصي” وآثارها في ضواحي همدان اليوم.
ثم وحَّدَ ملكهم سياكزارس (625 -585 ق.م) مناطق ميديا وفارس، مع أجزاء من آشور، ولكن دولته لم تستمر طويلا فانهارت بعد جيل واحد، وقامت على أنقاضها الدولة الفارسية الأخمينية. تحالف الملك الأخميني قورش مع ملك بابل الكلداني نبوخذ نصر وأسقطا الدولة الآشورية واقتسما أراضيها وثرواتها بينهما قبل أن يهاجم قورش الكلدانيين في عهد ملكهم نابونئيد ويدمر دولتهم سنة 539 ق.م ومنذ ذلك الحين لم تقم للحضارة الرافدانية دولة جديدة حتى الفتح العربي الإسلامي وتدمير الإمبراطورية الساسانية.
تحقيب التاريخ الإيراني القديم
ولكي تتوضح لنا صورة الماضي، أدرج أدناه تحقيباً زمنياً “كرونولوجيا” مختصرا يبدأ بحالة الهضبة الإيرانية في العصر الحجري القديم؛ فبين 23 ألف عام ق.م، و12 ألف عام ق.م، سُجلت أولى الشواهد على وجود نشاط بشري على حفريات في جبال زاكروس غرب إيران. يلي هذا العصر الحجري الحديث الممتد بين 9000 و4500 ق.م، وفيه شهدت المنطقة نمواً في نمط الحياة الزراعية الريفية المستقرة.
ووفق التحقيب التاريخي الكرونولوجي الأولي المتعارف عليه لعهود ما قبل قيام الدولة الفارسية الأخمينية سجل الباحثون المعطيات الرئيسة التالية:
1-شهدت مرحلة الألف الثامن ق.م، الثورة الزراعية وإقامة مستعمرات دائمة وتكوين مجتمعات بشرية منظمة، أصبحت الهضبة الإيرانية مهداً لواحدة منها.
2- تلتها مرحلة الألف الخامس قبل الميلاد، وتشير بعض آثارها الى وجود نمط حياة بشري زراعي بدائي، عثر ضمن آثار هذه الحقبة على أدلة تؤكد وجود صناعة النبيذ.
3- تبدأ المرحلة الثالثة من 3900 ق م، وقد شهد صعود مدينة “سيالك” قرب مدينة كاشان في النصف الشمالي من إيران، وهي أول مدينة بُنيت على الهضبة الإيرانية قبل وصول الميديين إلى المنطقة ولا يعرف الكثير عن سكانها الأوائل.
4 المرحلة الرابعة وتمتد بين سنة 1500 و800 ق. م. وخلال هذه الفترة استوطنت مجموعات بشرية من الميديين والفرس وكانوا خاضعين، لسيادة الدولة الآشورية، ولكنهم سرعان ما اندمجوا واستقلوا في منطقتهم واستولوا على بعض الأجزاء من الدولة الآشورية ثم ساهموا بالتحالف مع الكلدانيين بالقضاء عليها.
وستكون مرحلة الاحتلال الفارسي الأخميني لبلاد الرافدين في القرن السادس ق.م، وصعود الحضارة الفارسية وتلاشي الرافدانية ودور العيلاميين جنوبا وتأثرهم بالحضارة الرافدانية موضوع الجزء الثاني من هذه المقالة.
*كاتب عراقي