أمهاتنا .. لا يحببن السيلفي
عن الأمهات المتشحات بخجلهن المهيب . . أتحدث , لا عن أمهات السليكون . . عن أمهات الحنان العظيم الذي أحنى ظهورهن بقلق السنوات العجاف التي لم تمطر الا القلق ، والوجع المستديم . . أولئك اللواتي لم يمنّ عليهن زمن الأبيض والأسود باتيكيت المربيّات المعلبات ، و الحنان المجمّد، وصالونات الثرثرة، وشبكات التقاطع لا التواصل الاجتماعي.
عن ملكات القلق اللواتي أفنين زمنهن المقدّس بالقلق و الخوف , عن الّلوعة في اصواتهن وهنّ يقتفين أجسادنا بما تيسر من ادعية موشومة في ذاكرتهن المأهولة بالمواويل لا الاغنيات . .
عن أمهاتنا الحزينات بالوراثة أكتب . . عن أرواحهن التي تقتفي ظلالنا ، ونحن في جغرافيا المنافي . . قلقهن الذي يعبر المحيطات و البحار , عبرحزن المسافات ، وهن يسألن عن أحوالنا . . وصحتنا . . وأكلنا، ونومنا، وقهرنا، وخوفنا . . وكل ماتجود به قلوبهن المعتّقة بالحنين , فتنفض الذاكرة وهم النسيان، ليعلو صوت جدتي التي لاتزال تظلّلني بحنانها، وأدعيتها من ملكوتها السماوي . . فينهمر صوتها بِلوعة السؤال ( كيف حالك ) ؟ و تصرّ بانحناءة ظهرها أن تحضر الطعام . . نحن أحفادها وأبناءها العاجزين عن اقناعها بأننا لم نعد صغارا . . وبأننا قادرين على مواجهة الحياة، والجوع، والخيبات لوحدنا . .كما نزعم .
عنهن . . أولئك الأمهات المتربعات على عرش الذاكرة اكتب . . عن اللواتي يرفضن أن ينادين بأسمائهن خجلا دون أن يكنّ أمهات لطفل لن يبلغ سن الرشد حتى لو أصبح كهلا . . هن اللواتي نذرن أسماءهن، وقلوبهن للأمومة، وارتدين أسماء أبنائهن هوية، وولاء، وانتماء، وقلقا مستديما . .
أمهاتنا اللواتي لايصلحن ( لسيلفياتنا ) و زيفنا المنشور على الصفحات الزرقاء . .
وجوههن التي تجانب الملائكة تخجل من أن يصبحن (فرجة) للآخرين . . هنّ اللواتي ماتعودن اظهار وجوههن للغرباء . . لا يصلحن لشاشات ( الفيس بوك ) التي لا تليق بعزلتهن المقدسّة . . و لا للتهاني والدموع المستوردة . . فهن سيدات الحقيقة، والحياة بأقسى صدقها وحماقاتها المترامية على سنواتهن العجاف .
أولئك الأمهات صانعات الحياة، والرغيف، وقناديل السماء لايصلحن للمجاملات، والمناقصات، ولايتقنّ إحصاء عدد (اللايكات) و لا تعنيهن جدران أوهامنا الزرقاء المشيّدة في الهواء بعد أن ضاقت بنا الأرض . . جدراننا الواهمه الموهومة التي نرسم عليها كل يوم صورا لاتشبهنا، و نقول كلاما عار من حبرنا و عاجز عن رسم شعث أرواحنا التي تزداد انزواء واغترابا كلما مرّ عليها رفاق الشاشات، والشتات.
عن وجوهنا التي لاتشبهنا , اكتب . .
عن الطفل المختبيء فينا المتشبث بدفء العباءات ورائحة الرغيف وصوت الحنان الذي عبثا يبحث عنه في صفحات الزيف . .
فأمهاتنا . . لا يحببن السيلفي
بقلم الكاتبة
رشا فاضل