حوار غريب مع شخص مجهول
أ.د. ضياء نافع
التقينا صدفة في موسكو , وسألني عن مدينتي , وتعجّب كثيرا عندما علم اني من بغداد , وطرح عليّ سؤالا توضيحيا رأسا – من (بكداد) العراق ام من (بكدادي) جورجيا ؟ , فضحكت أنا , وكررت – (من بكداد الاصلية) , التي كانت ولازالت وستبقى عاصمة العراق , فقال رأسا , أما أنا , فتركي من أذربيجان , فتعجبت أنا بدوري , وقلت له , اني أعرف الكثيرين من الاذربيجانيين , وكلهم يقولون انهم أذربيجانيون من أذربيجان , أما انت فتقول – تركي من اذربيجان , فقال , نعم , هذا صحيح , أنا أذربيجاني من أذربيجان طبعا , وأذربيجان جزء من ( العالم التركي الواسع) , لكني قلت لك , اني تركي من أذربيجان , لأني أردت ان اذكّرك , ان الامبراطورية العثمانية كانت تضمّنا معا طوال قرون عديدة من الزمان في الماضي (رغم ان أذربيجان القوقازية ذات خصوصية) , الا انكم – العرب – قررتم الانفصال عنها والذهاب حتى للتعاون مع اعداء تلك الامبراطورية الاسلامية العظمى , الاعداء الذين كانوا يحاولون اسقاطها وتقاسم املاكها واقاليمها , ولهذا أصابكم ما أصابكم من ويلات و مصائب , وانكم تدفعون – ولحد الان – ثمن تلك المواقف الانفصالية الرهيبة التي اتخذتموها ضد الامبراطورية المذكورة , وهو ثمن غال جدا جدا , ولا نعرف الى اين ستصل بكم لاحقا كل خطواتكم الانفصالية تلك , فالمستقبل المنظور غير واضح امامكم .
كان جوابه استفزازيا جدا بالنسبة لي وغير متوقع بتاتا , مما اضطرني ان أقول له رأسا وبشكل مباشر وحاد ايضا , اننا نسمّي تلك المرحلة التي تتحدث عنها بالفترة المظلمة , ونطلق عليها – ( السّبات العثماني) في تاريخنا العراقي الحديث , وانت تتهمنا ( بالانفصال عن الامبراطورية العثمانية العظمى والتعاون مع اعدائها !) . وقد لاحظ ( التركي من أذربيجان !) طبعا رد فعلي الغاضب و الحاد هذا على كلماته, وابتسم , في محاولة لتخفيف التوتر بيننا , وقال ضاحكا – سّبات بين الاهل والاقارب افضل من يقظة بين الغرباء , ولا اريد ان اقول الاعداء , والتجربة تبين الان بوضوح , ان هذه الطريقة , التي اخترتوها لليقظة من ذلك السّبات , لم تكن صحيحة ابدا , وانكم الان – نتيجة لعملكم المذكور – امام مفترق طرق , وكلها ليست جيدة , وأحلاها مرّ.
حاولت تجاهله ليس الا , وحاولت عدم الاستمرار بالنقاش مع هذا ( التركي من أذربيجان !) حول هذه القضايا التاريخية ( الساخنة لحد الآن من وجهة نظره ونظر المؤيدين له !) , وقد لاحظ هو ذلك طبعا , و قال لي ( في محاولة لاستفزازي على ما يبدو !) – من الواضح تماما انك لا تريد ان تستمر معي في هذا الحوار , وهو موقف ضعيف جدا من جانبك , اذ انكم لا ترغبون ولا تحبون – بشكل عام – الاستماع الى آراء لا تتوافق مع افكاركم , ولا تعترفون بالرأي الآخر بتاتا , فقلت له موضّحا ( وانا احاول ان ابتسم) – ليس لهذا السبب الذي تذكره , وانما لاننا ( شبعّنا !!!) من آراء ( المحللّين السياسيين الفطاحل !!!) , الذين ( يعرفون كل شئ حول الماضي السحيق والحاضر المرير وعلم المستقبليات ايضا !!!) . لم تعجبه جملتي طبعا , وقال متحديا – ان الامبراطوريات لا تموت ببساطة , واحداث الحرب الروسية – الاوكرانية ونحن في اواسط عام 2022 خير دليل على صحة ما أقول . تذكرت القول العربي المشهور – (آخر الدواء الكيّ ) وقلت بيني وبين نفسي , يجب عليّ فعلا ان استخدمه للتخلص من هذا الكابوس الذي فرض نفسه فرضا , وهكذا قلت له ساخرا كي انهي هذا الحوار العبثي – لا تخلط الاوراق بهذا الشكل كما يفعل المحللّون السياسيون وهم يتخبطون ب (غزارة علومهم !!!), والا , فاننا – نحن العرب – سنطالب ( انطلاقا من نفس تلك المفاهيم التي تؤكّد عليها ) باذربيجان نفسها , لانها كانت ضمن (امبراطوريتنا !) في تلك الايام الخوالي. لم يتوقع طبعا جوابي هذا ابدا , وانزعج أشد الانزعاج , وتركني غاضبا ……