المالكي ومجزرة سبايكر: ما الجديد والمريب.. لماذا الآن؟
علاء اللامي
الرد على الجريمة الطائفية والعشائرية لا يكون بطائفية وعشائرية مضادة بل بالقضاء العادل في دولة ديموقراطية مستقلة ذات سيادة! إنَّ كلام المالكي في المقابلة التي نشرتها جريدة “الزمان” يوم أمس خَطِرٌ ومريب شكلا ومضمونا، ليس فقط بسبب ما احتواه من معلومات مثيرة ظل المتحدث ساكتا عليها لثماني سنين، وكان في وقت حدوثها المسؤول التنفيذي الأول في الدولة والقائد العام للقوات المسلحة، بل أيضا لأنه ركز فيه على إدانة أطراف عشائرية “سُنية” وبرأ مسلحي داعش من دماء شهداء مجزرة “قصور صدام/ سبايكر” مثلما حاول أن يبرئ نفسه من المسؤولية أيضا. وقد سبقه إلى نشر تلك المعلومات النائب الفاسد السابق مشعان الجبوري قبل سنوات قليلة، وأدلى بها على شاشات التلفزيون، وعلل ما حدث من قتل هستيري وحشي بهيمي – على طريقته الساذجة الخاصة – بـ “جرثومة القتل” التي تكمن في نفوس أفراد عشيرة صدام حسين! تزامن كلام المالكي مع مسارعة شخص آخر مساء أمس هو صاحب الحكيم إلى إعادة نشر بيان له سبق أن نشره سنة 2017 يصف فيه الشهداء بهويتهم الطائفية حصرا وإنهم قتلوا لأنهم شيعة تحديدا، ويكرر الحكيم بعض معلومات المالكي وكأنه يتباهي بأنه سبق المالكي إلى قول “الحقيقة”! وفي اليوم ذاته كرر شخص آخر يدعى حبيب عبد ويصف نفسه بأنه مراقب لمنظمة هويمن رايتس ووتش وقد حضر محاكمة المتهمين بارتكاب مجزرة “سبايكر” بهذه الصفة، كرر نشر هذه الملعلومات ومعها أدلى بمعلومات وأرقام مثيرة أخرى، منها أن عدد الذين صدر بحقهم حكم الإعدام من مجرمي سبايكر وهم مائة وثمانون شخصا نفذ الحكم بسبعين منهم يبدو أن بعضهم لا يزال هاربا في دول عربية وأجنبية إضافة إلى معلومات أخرى!
السؤال هو: لماذا كل هذه الإفاضات والإباحات الإعلامية اليوم، واليوم حصرا؟ وبهذا الأسلوب الاتهامي الذي لا يخلو من رائحة عشائرية وطائفية حصرا؟
إنَّ الريبة تتأكد، والشكوك تتفاقم بأن هناك من يريد اليوم شرا إضافيا بالمجتمع العراقي، وإعادته إلى مثلث الموت والاقتتال الطائفي والتفجيرات المرعبة، حين نضع كل هذا الكلام والإباحات الإعلامية في سياق الأزمة السياسية والاجتماعية التي تعيشها المنظومة الحاكمة التي فشلت في كسر ما تسميه حالة “الانسداد السياسي” والذي سميناه منذ سنوات عديدة “الدخول في المتاهة الأميركية” التي لا خروج منها إلا بكسرها وتغيير دستورها جذريا، فبعد ما يقرب من العام لم تتشكل الحكومة ولم يتوصل الفرقاء المتصارعون على الحكم إلى حل وسط لتقاسم الغنائم والمال العام بعد أن قرر الطرف الأقوى “انتخابيا” إقصاء الطرف الأضعف.
ورغم أن الطرفين منخوران بالفساد والتبعية والخنوع لمنظومة ودستور الحكم الطائفي العرقي، فإنهما بلغا سقف الحالة وذروة الصراع، خصوصا بعد أن أمر مقتدى الصدر كتلة نوابه بتقديم استقالاتهم من البرلمان ففعلوا دون تردد، ولا يعرف أحد إلى أين تتجه الأمور غدا، ولكن كثيرين يشيرون الى احتمالات الاقتتال الداخلي والفوضى الشاملة. وعلى كل حال فلا أحد سيتحرش بأسس وركائز النظام الحاكم خوفا على ما يسمونه “حكم الشيعة”، وهو في حقيقته حكم “قتل وحرمان الشيعة” كما تبين على الأرض مع شهداء تشرين المقتولين بالرصاص الحكومي وشبه الحكومي وقبلهم شهداء سبايكر الذين فشلت “حكومة الشيعة” بحمايتهم وإنقاذهم من القتلة بل قدمتهم لقمة سائغة لهم. أما سكوت المالكي طيلة هذه السنوات عن وجود الزعيم البعثي عزة الدوري ونشاطاته وتنسيقه مع الأميركيين والبارزانيين فهو جريمة متكاملة أخرى لا تقل فظاعة عن جريمة التسبب بسقوط الموصل وتداعيته والجرائم التي ارتكبت خلاله وبعده!
إن نوري المالكي، وكأي شخص يجهل بديهيات الحكم والسياسة، وقد أوصلته المقادير والمصادفات التعسة الى المنصب الأول في الدولة، دأب في أحاديثه وخاصة هذا الحديث على الآتي:
*لم يحمل نفسه أية مسؤولية عما حدث سواء في خصوص كارثة سقوط الموصل أو تداعياتها كمجزرة سبايكر وغيرها من مجازر حتى لجهة المسؤولية الاعتبارية بصفة القائد العام للقوات المسلحة!
*لم يعتذر المالكي عما حدث لذكرى الشهداء أو لذويهم بل هو لامَ الشهداء وحملهم مسؤولية ما حدث وقال حرفيا “نلوم الشباب ونقول ما كان عليهم ترك القاعدة العسكرية هناك”، وعاد وكرر هذا المضمون بقوله “وإنْ كنتُ أسجل عليهم خطأ (رحمة الله عليهم) إذْ ما كان من المفروض أن يخرجوا كون المدينة كانت تائهة وقائد الفرقة انسحب“.
*لقد سكت المالكي طوال ثماني سنوات على حقائق وأسرار كبرى، كان السكوت عنها يهدد المجتمع والدولة التي مسخها هو وحلفاؤه، وأصبح كلُّ همِّهِ اليوم هو ان يبرئ نفسه.
إن كون جريمة مجزرة سبايكر قد حدثت لأسباب ودوافع ثأرية عشائرية أو طائفية في حال ثبوته في عملية قضائية نزيهة، لا يجوز التعامل معه بهذه الطريقة، وهذا الأسلوب الطائفي المضاد أمر خطر ومدمر، فالعشائرية والطائفية لا تواجه بعشائرية وطائفية مضادة، بل بنظام ديموقراطي وقضاء عادل ومحايد في دولة مستقلة ذات سيادة، وإن بداية العلاج الحقيقي لهذه الجراح التي أدمت الجسد والذاكرة العراقيتين لن تكون إلا بأسلوب سلمي وعميق يبدأ بتفكيك نظام الحكم الطائفي المحاصصاتي وإعادة كتابة دستوره المكوناتي جذريا، فهو السبب والعلة الأولى في كل ما حدث وما سيحدث. وأعود وأكرر السؤال الأهم: لماذا كل هذه الإفاضات والإباحات الإعلامية اليوم، واليوم حصرا؟ وبهذا الأسلوب الاتهامي حصرا؟ هل قرر اللاعبون أن يكسروا المتاهة ولكن على رؤوس العراقيين ككل هذه المرة وبعد أن فشلوا في أن يحلوا مشاكل منظومتهم الحاكمة الفاشلة أصلا؟
لن تكون هناك نهاية لهذه المجازر وتداعيات المجازر إلا بنهاية منظومة حكم المحاصصة الطائفية والعرقية ودستورها المكوناتي وتفكيكها سلميا، وأن كلَّ من يدافع عنه أو يسكت على جرائمه وتداعياته من فساد وقتل وتخريب إنما يعتبر مشاركا فيه!
و #لاحل_إلابحلها