المركز العربي الألماني
برلين
غير صالح للحكم
ضرغام الدباغ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غير صالح للحكم
الكلمة الأولى باللغة الألمانية (Regierungsunfähigkeit)، غير صالح للحكم، والثانية باللغة الإنكليزية، (incompetent governmen) وفي اللغتين تعطي ذات المعنى الحرفي والسياسي، وفي اللغة العربية أفضل ترجمة كما أعتقد هي ” غير صالح للحكم ” أو ” فاقد أهلية الحكم ” .
وحين تطرح هذه الجملة القصيرة الصغيرة، بحق حكومة ما، أو شخصية سياسية سيادية (رئيس دولة، رئيس حكومة، وربما رئيس مجلس النواب)، فأنها تعني الكثير جداً، وربما من بين ما تعنيه، نهاية عهد الشخصية المعنية بالمرتبة السيادية، أو نهاية الحكومة رغم سريان مدة صلاحيتها .
والجهة التي تطلق هذا الوصف على الشخصية أو الجهة المقصودة، عليها أن تتيقن بدقة أبعاد هذا الوصف، وأن تمتلك من الأدلة والبراهين لتقدمها بهذا الطلب ..
ضرغام الدباغ
(صورة الغلاف : قد تكون قائدًا ولكنك لم تخترع الملاحة… إشارة إلى عدم صلاحية قبطان الباخرة تيتانيك وقلة أهليته أدت لغرقها في أول سفرة قامت بها)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غير صالح للحكم
ترجمة : ضرغام الدباغ
تعريف هذا المصطلح، وهو في الأدب السياسي لا يعتبر توصيفا أدبياً معنوياً، بل هو توصيف مادي لشخص، (أو حكومة عاجزة) عن القيام بمهام المنصب، بسبب عجز مؤقت أو دائمي، لأسباب ذاتية (بسبب أوضاعه الصحية أو عوامل أخرى تحول دون ممارسته لمهامه)، أو لأسباب موضوعية بسبب وضعه القانوني، (أو وقوعه تحت ظروف قاهرة تمنعه عن أداء مهامه / المترجم). ويستفاد من مؤشرات تاريخية، أن هذا المصطلح يقود غالبا إلى تغير في السلطة.
وفي رؤية متواصلة، فإن وصم الحكم أو شخصية مسؤولة بعدم الأهلية للحكم، غالبا له علاقة بأداء الحكومات. أو الأحزاب. والأسباب في هذه الحالة تكون قوية، وغالبا مما له علاقة بأصول عمل المؤسسة.حيث يجري البحث في الأسباب الموجبة (لوصم شخص أو جهة بعدم الأهلية والكفاية) وإيجاد سبب توجيه الوصف. وهنا أيضا احتمال بالادعاء على حكومة بعدم الكفاية والأهلية، مبعثه الصراعات السياسية ونتيجة له، ليخدم كهدف ضمن الصراع السياسي ليقود في النهاية إلى التبديل في السلطة.
تاريخياً كانت الأسباب الموجبة لاستخدام هذا المصطلح، بحق الأفراد نتيجة لوضع إعاقة جسدية أو عقلية، والعقلية كالإصابة بالاكتئاب، أو مرض عقلي، أو وضع صحي معيق لأداء المسؤول، كالإصابة بالسكتة الدماغية (وهي ما تقود غالبا إلى شلل تام أو جزئي معيق للحركة / المترجم) أو الإصابة بفقدان البصر (العمى). ومع في العصور الوسطى كان يصار اللجوء إلى إحداث إعاقة متعمدة بالشخصية السياسية المنافسة، من أجل إبعاده عن مسرح التنافس، كسمل العيون (فقأ العين لتعطيل النظر) أو لإرغامة بصورة ما على الابتعاد عن التنافس.
وإحدى المشكلات الشائعة في تحديد العجز، أو عدم القدرة والأهلية على الحكم في الأنظمة الملكية، هي تحديد الجهة التي لها الحق في تحديد عدم القدرة أو الأهلية بالحكم.وهذه المسألة المهمة التي لم تتم الإجابة عليها بطريقة صحيحة وقانونية إلا بعد ظهور الأنظمة البرلمانية، إذ تثار هذه القضية بمجرد اكتشاف حقيقة أن الشخص المعني(الملك) غير صالح للحكم. واستبداله، أو تعيين وصاية على العرش، إذا كان المرشح تحت السن القانونية / الدستورية.. وهناك أسباب أخرى أو بسبب غياب الملك لفترة طويلة (غالبا بسبب الحرب)، وهذه لا تعني أنه غير أهل للحكم.
وبمعنى أوسع، يقال عن مؤسسة معينة ” غير مؤهلة للحكم ” إذا أظهرت تلك المؤسسة (بلاط، رئاسة دولة، حكومة، قيادة حزب ..الخ )، إذا بلغت من العجز عدم الاقتدار للتوصل إلى قرارات، أو تنفيذ مقررات، أو بسبب عدم قدرتها الحصول على الأغلبية البرلمانية، وأيضا بسبب خلافات حادة (وربما انشقاقية / المترجم) داخل المؤسسة، ولا صيما في قرارات يكون الإجماع فيها شرطاً لاتخاذ القرار. ومثل هذا الوضع يقود للتغير عبر تغير الإطارات (القيادات).
ومن الحالات الخاصة للعجز عن الحكم، هو عدم قدرة حكومة البلاد على ممارسة الحكم في حالة حدوث هجوم مسلح، ولهذا الغرض في ألمانيا مثلاً هناك مادة في دستور البلاد : المادة رقم a) 115 ( الفقرة (4) التي تنص في حالة ظروف طارئة، تسمح بصورة تلقائية بالانتقال لحالة الدفاع.
شخصيات غير صالحة للحكم.
ـــ تعرض ملك القوط الغربيين وامبا (Wamba/ 672 ــ 680) لتسميم، ثم أصيب بمرض مميت، ووفقا لتقاليد ذلك العصر، ونتيجة لذلك أصبح غير أهل للحكم، فأنسحب من الحياة العامة ليعتكف في دير، حيث مكث لمدة سنتين، توفي بعدها.
ـــ من أجل تجنب التقاسم التقليدي للسلطة عند الفرانكيين، قام الملك تشارلز الأصلع بتسمية ولديه: الأصغر كارلمان، والآخر لوتار كرجال دين. ولكن فيما بعد ثبت أن هذا الإجراء لم يكن ضرورياً، ولم يعيش من أولاده السبعة سوى لودفيغ وهو أكبرهم سناً .
ـــ سمل العين (الحاق الاذى بالعين وإفقاده البصر).
ــ أصيب ملك إيطاليا برنارد بالعمى في عام 818 بعد ثورته ضد عمه الإمبراطور لودفيغ الورع، وبالتالي مما أفقده قدرته على الحكم. مات الملك بيرنارد بعد يومين من إصابته بالعمى.
ــ تم القبض على الدوق هوغو فون الألزاس في عام 885 ، وأُصيب بالعمى ثم نُقل إلى قصر Prüm Abbey كإقامة إجبارية، باعتباره غير قادر على الحكم.
ــ الإمبراطور لودفيغ الثالث بافاريا / ألمانيا : تعرض للسمل وإفقاد البصر، من قبل خصمه بيرينغار من فريولي في 905 وفقد نتيجة لذلك اللقب الإمبراطوري ؛ ولكنه مع ذلك، احتفظ بمملكته الموروثة في منطقة بورغوندي السفلى.
بعد السكتة الدماغية (السكتة الداغية إن لم تقتل صاحبها تصيبه بالشلل)
ــ أصيب الملك لويس السابع ملك فرنسا بجلطة دماغية عام 1179 نجم عنها أصابته بالشلل في جانب واحد. بعد أسابيع قليلة توج ابنه فيليب ملكًا. توفي لودفيغ السابع بعد عام تقريبًا.
ــ عانى دوق بافاريا فيلهلم الأول من سكتة دماغية عام 1357 ، ثم اعتُبر مريضًا عقليًا وغير قادر على الحكم وسُجن حتى وفاته عام 1389.
ــ أصيب دوق بوغيسلاف الرابع عشر من بوميرانيا (أمارة بشمال شرق بولونيا والمانيا) بجلطة دماغية عام 1633. نظرًا لأنه لم يكن لديه ورثة ، فقد وضع دستور عام 1634 ، والذي حاول من خلاله تأمين حكومة بوميرانيا أثناء مرضه وبعد وفاته. توفي عام 1637، وتم تقسيم بوميرانيا بعد ذلك بين السويد وبراندنبورغ ، خلافًا لنوايا الدوق.
ــ عانى الملك فريدريش فيلهلم الرابع ملك بروسيا (1840-1858) من عدة سكتات دماغية عام 1857 ثم سلم الحكم لأخيه فيلهلم عام 1858. يشار إلى هذا التغيير في العلم على أنه نهاية عصر رد الفعل وبداية العصر الجديد.
بسبب أمراض أخرى
ــ الملك جورج الثالث. من بريطانيا العظمى (1760-1820) لم يكن قادرًا على الحكم من عام 1811 بسبب مرض خطير (ربما البورفيريا)، يشار إلى السنوات حتى وفاته في التاريخ البريطاني (والأسلوب) باسم ريجنسي.
بسبب المرض العقلي
ــ الملك شارل السادس / فرنسا. (1380-1422) كان يعاني من نوبات جنون أحيانًا، منذ عام 1392، عانى من متاعب عصبية بسبب المؤامرات المحكمة التي نشأت نتيجة لمرض تشارلز بلغت ذروتها في الحرب الأهلية في أرماجناك وبورغينيون (1410-1419)
ــ الملك هنري السادس/ إنجلترا (1471) لم يكن قادرًا على الحكم اعتبارًا من مارس 1454 بسبب مرض عقلي، وتم خلعه عام 1461 ، لكنه أعيد ملكا في 1470-1471 وقتل أخيرًا في برج لندن. بعد فترة وجيزة من مرض هنري، اندلعت حروب الورود ، وشلت إنجلترا لمدة ثلاثين عامًا.
ــ الدوق الأكبر لودفيغ الثاني ملك بادن/ ألمانيا (1852-1856) أعتبر مريضًا عقليًا وترك الحكومة لأخيه فريدريش، الذي خلفه في عام 1856. توفي لودفيج بعد ذلك بعامين.
ــ الملك أوتو ملك بافاريا (1886-1916) أعتبر غير قادر على الحكم بسبب مرض عقلي، كان تحت وصاية الأمير ريجنت لويتبولد (1886-1912) ولودفيغ (1912-1913)، الذي أُعلن في النهاية ملكًا لبافاريا دون الإطاحة بأوتو.
بسبب الاكتئاب
ــ الدوق ألبريشت فريدريش / بروسيا : أصيب بأزمة كآبة بعد فترة وجيزة من توليه السلطة عام 1571، الأمر الذي أجبر سيده، الملك البولندي ستيفان باتوري، على تزويده بشخصية إدارية لإدارة أعماله عام 1577، والذي حل محل ألبريشت فريدريش بعد عام. توفي ألبريشت فريدريش نتيجة اضطرابات عقلية عام 1618. سقطت دوقية بروسيا في يد أمراء براندنبورغ، التي مثلت جزءاً من مملكة بروسيا .
ــ مع الملك تشارلز التاسع / فرنسا (1560-1574) ، الذي كان تحت تأثير والدته كاترينا دي ميديشي طوال حياته، أدت أحداث يوم القديس بارثولوميو 1572، الذي أمر به هو نفسه، إلى صدمة أدت إلى حالة الاكتئاب. توفي عن عمر يناهز 23 عامًا بسبب فقدان الوعي (دوران)، قبل أن يؤدي ذلك عجزه الفعلي عن الحكم.
لأسباب سياسية (على الأرجح)
ــ الملكة جوان ملكة قشتالة : (1504-1506)، والمعروفة باسم جوان المجنونة، اعتبرت غير مؤهلة للحكم كما قيل بسبب مرضها العقلي، لذلك تمكن والدها، الملك فرديناند ملك أراغون (1479-1516) من تولي زمام الحكم. الوصاية على كل أسبانيا، ومع ذلك ، يمكن الافتراض أن جوانا لم تكن مجنونة بأي حال من الأحوال ، ولكنها حُرمت من السلطة من قبل والدها ولاحقًا من قبل ابنها تشارلز الخامس – وقد سجنت جوان في دير سانتا كلارا في قلعة تورديسيلاس، حيث توفيت بعد 48 عامًا تقريبًا.
ــ السلطان العثماني مراد الخامس (ولد21 / أيلول 1840، وتوفي 29 / آب 1904) هو خليفة المسلمين الخامس بعد المائة، وسلطان العثمانيين الثالث والثلاثين والخامس والعشرين من آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة (30بويع عفي أيار/ 1876 وخلع بعد ثلاثة أشهر في 31 /آب / 1876). وخلفه أخوه السلطان عبد الحميد الثاني، ومكث في السلطة ثلاثة أشهر فقط بعد أن طرأ اختلال في قواه العقلية، وبويع أخوه الأصغر عبد الحميد الثاني بالخلافة، ونقل مراد الخامس إلى قصر جراغان حيث تابع حياته فيها كسلطان سابق حتى وفاته عام 1904
ــ تم إعلان ملك بافاريا لودفيغ الثاني، أعتبر، “مختل عقليًا” و “غير قابل للشفاء” في عام 1886 بتحريض من الحكومة دون تحقيق ، بناءً على إفادات الشهود. بعد أربعة أيام مات في بحيرة شتارنبرغ.
ــ تنازل ملك بلجيكا بودوان عن العرش عام 1990 على أساس “عدم الكفاءة” ليوم واحد من أجل أن يسمح للبرلمان بسن قانون الإجهاض كان يعرض تشريعه، وبعد يوم واحد ، أعاد البرلمان بودوين ملكًا.