ضد العنف في الحقول كلها
قرأت عن القرار القضائي «بتعليق مصارعة الثيران في مكسيكو مؤقتاً»، وعسى أن تكون خطوة نحو التخلص من هذا العنف الذميم. يأتون بالثور المسكين إلى ساحة المصارعة (وهي في المكسيك تضم حلبات هي الأكبر في العالم تتسع لخمسين ألف متفرج!).
أتساءل: لماذا حضروا؟ من المعروف أن الثور الذي تتم مصارعته يدخل إلى الحلبة مثخناً بالجروح وبالسيوف (المغروزة) في جسده، لكنه بكل نبل غريزي يدافع عن نفسه.
همنغواي كان من عشاق حضور حلبات مصارعة الثيران حين يزور إسبانيا.. ويدهشني أنه في بعض القرى الإسبانية يطلقون سراح الثيران لتركض خلف شبان القرية الذين ينجون بأنفسهم منها راكضين. هذا العنف المجاني كله أضحى عملاً سخيفاً في عالم لا ينقصه العنف، كإطلاق نار في مدارس أمريكية وقتل بعض الفتيات والفتية بسبب السماح للأمريكي في بعض الولايات باقتناء سلاح ناري في (عيد ميلاده!) رقم 18. ومؤخراً أطلق أحدهم النار على المارة في مدينة فيلادلفيا الأمريكية.
وأعتقد أن عالمنا لا ينقصه العنف كصراع أبطال الملاكمة مثلاً.
من يجعل خصمه يسقط أولاً؟
أمقت المصارعة والملاكمة، حيث (البطولة) لمن يجعل خصمه في الحلبة يسقط على الأرض شبه مغمى عليه بعد الملاكمة مع (خصمه)، وإذا لم يستطع الوقوف على قدميه ثانية بعد أن يقوم أحدهم بالعد حتى العشرة، يعتبر مهزوماً والآخر بطلاً! أي بطولة هزلية هي تلك التي تمجد من الأكثر عنفاً وتوجيهاً للضربات على رأس خصمه حتى يغمى عليه؟
أظن أن الوقت قد حان للتملص من تلك (الرياضات) والبطولية الهزلية اللا إنسانية وحان للبشرية أن تتجاوز تلك المرحلة وتكف عن احترام من يستطيع إلحاق الأذى بالآخر ويدعى «بطلاً في الملاكمة».
سبعون عاماً وهي ملكة!
لا، لا أعتقد أن فرنسا تحن إلى الملكية لأنها تابعت كل يوم منذ أسابيع الاحتفالات بحكم إليزابيت الثانية لبريطانيا سبعين عاماً وهي حية. ومن النادر أن يبلغ أي ملك أو ملكة الحكم طويلاً هكذا وهو ما زال حياً.
الملكة البريطانية إليزابيت رفضت تنقلها في كرسي متحرك، ورضيت مؤخراً بالاتكاء على عكاز وعمرها 96 سنة!!
والسؤال هو: هل ستظل بريطانيا بعد موتها تخضع للحكم الملكي، وهل سيرثها ابنها الأكبر الأمير شارلز ملكاً، أم أن المطالبين بالخلاص من الحكم الملكي والانتقال إلى الجمهوري سينجحون في مسعاهم؟ ولكن الاحتفالات التي دامت أربعة أيام بوصول الملكة إليزابيت إلى الحكم حققت الكثير من المال لبلدها وصدرت عنها عشرات الكتب المصورة حتى عن قبعاتها! ناهيك عن قصة حياتها منذ شبابها والفضائح العائلية التي استطاعت تجاوزها، ومنها طلاق الأمير (الخائن) ولي عهدها من ديانا والدة الأميرين وليم وهاري. وغرامه بعشيقته كاميلا ستصير ملكة! ومن التذكارات التي درت ملايين الدولارات حوانيت باعة الصور الملكية، وأكواب المياه التذكارية (أو البيرة!) التي تحمل صورة الملكة في شبابها أو اليوم، وغير ذلك مما تضمه حوانيت التذكارات.
الملكة إليزابيت 2 التي فقدت زوجها الذي لم تحب سواه، الأمير فيليب وعمره 99 سنة، حين رحل كانت ذات وجه إنساني في الكنيسة حيث تم وداع جثمان زوجها.. وقفت وحيدة كأنه في لحظات حزنها الصادقة النادرة ما من أحد يستطيع مواساتها.. وتلك حقيقة تنطبق على كل إنسان حتى ولو كان متسولاً أو (لا أحد).
في تلك اللحظة بالذات تعاطفت معها بعيداً عن وقفتها على شرفة قصرها لتحية الذين قضوا أربعة أيام وهم يقدمون لها ما يبهج القلب من استعراضات جميلة راقصة. ترى، هل سيظل الحكم ملكياً في بريطانيا بعد غيابها عما قريب وعمرها الآن 96 سنة؟
التاريخ سيجيب على ذلك. والجميل أنه لم تُطلق رصاصة احتفالية بمناسبة اليوبيل البلاتيني لملكة بريطانيا لا كما تحدث عندنا في أي عرس أو انتصار سياسي.
همومنا العربية اللبنانية
لن نقلق لمصير بريطانيا أو أي بلد آخر أوروبي. فلدينا نحن العرب واللبنانيين، ما يدعو إلى القلق.. من ينجح في الانتخابات؟ ذلك لا يهم الناس حقاً بقدر التساؤل: من سيعيد الكهرباء إلى لبنان والأدوية إلى الصيدليات والماء إلى الصنابير والمال إلى الذين أودعوها في البنوك، والقائمة تطول؟
لذا، لن نقلق أيضاً على مصير الثيران وعلى بريطانيا بعد رحيل الملكة إليزابيت، وليس في قلوبنا متسع لأكثر من القلق على لبنان والكثير من أقطار بلادنا العربية والعربدة الإسرائيلية في فلسطين المحتلة.. وأترك كل قارئ يضيف المزيد من همومنا كعرب.
قتلوا العريس بالرصاص الاحتفالي بعرسه!
احتفلوا بعرس صديقهم في بلد عربي، وأطلقوا الرصاص الاحتفالي، فقتلت العريس رصاصة طائشة!
وإطلاق الرصاص الاحتفالي عادة ذميمة لا يخلو منها لبنان، وفوز أحد جيراني في الانتخابات اللبنانية يعني (إذا كنت في بيروت) الاختفاء في الممر خوفاً من رصاصة احتفالية طائشة. ثمة بلد عربي لعله (الأردن) حسناً فعل حين منع إطلاق الرصاص الاحتفالي، وأتمنى أن تحذو حذوه الكثير من البلدان، وأولها لبنان.
في لبنان قد يطلق البعض الرصاص الاحتفالي بمناسبة فوز زعيمهم، وليت الزعماء هناك يمنعون أنصارهم من ممارسة هذه العادة الذميمة، ففي وطن عبر حرباً أهلية و(شبع) من العنف، أظن أنه سيمقت الرصاص الاحتفالي، وقد يصب نقمته على الذي يحتفلون بفوزه، أما إذا منع أنصاره من إطلاق الرصاص الاحتفالي فسيحتفل بفوزه جيرانه وغيرهم من الذين سيصيرون من أنصاره. العنف حتى الاحتفالي منه ذميم.