نساء عربيات يُقتلن «بدم بارد»: أين يكمن الخلل؟
أسئلة كثيرة تطرحها ظاهرة تصاعد العنف ضد المرأة في المجتمعات العربية والأسباب التي تقف خلف ما يمكن وصفه بـ«توحش المجتمعات العربية» في السنوات الأخيرة.
ولعلها كظاهرة كانت موجودة سابقاً، لكن من فضائل «السوشيال ميديا» أنها كشفت للعيان قسوة الظروف التي تواجهها المرأة في مجتمعاتنا الأبوية.
في الكويت مثلاً، ما زالت تداعيات جريمة قتل الشابة فرح أكبر «32 عاما» حديث الشارع الكويتي، رغم أن الجريمة حصلت في أبريل/نيسان الماضي. وجاءت الأحكام هزلية بحق القاتل، الذي لم يتعد عمره 15 سنة فقط، على الرغم من أنه طعنها أمام أطفالها من دون أن يرف له جفن!
يستحضر الكثير من رواد «السوشيال ميديا» هذه الحادثة المؤلمة، وذلك على خلفية مقتل المصرية نيرة أشرف والأردنية إيمان إرشيد، بفارق بضعة أيام بين الجريمتين.
ونشرت قناة «فرانس 24» عبر موقعها الإلكتروني تقريراً حول مقاطع فيديو صادمة انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعكس غضب الرأي العام المصري. وذلك بعد إقدام شاب على ذبح فتاة وسط الشارع أمام كلية الآداب في جامعة المنصورة في مصر.
وأظهرت مقاطع فيديو إقدام زميل الطالبة المصرية نيرة أشرف على ذبحها – بكل وحشية – في شارع مزدحم صباح الإثنين 20 حزيران/ يونيو 2022. ضربها بكل قوة على رأسها وأسقطها أرضاً، ليخرج سكينا ويطعنها قبل أن يذبحها أمام الجميع. ونقلت مواقع الكترونية عن شهود عيان قولهم إن الشاب أراد الزواج بالفتاة، لكنها رفضته، فقرر الانتقام منها وهددها بالقتل حتى نفذ جريمته.
ويظهر الفيديو أن شبان قاموا بتوقيف المنفذ، وقد تعرض للضرب المبرح من قبلهم، لكنهم لم يتمكنوا من الوصول إليه إلا بعد تنفيذ جريمته وقاموا بتسليمه إلى الشرطة، كما حاول الأهالي نقل الفتاة للمستشفى إلا أنها لفظت أنفاسها قبل نقلها.
واعتبر المنفذ أنه «قرر أن ينهي حياتها ويتخلص من حياته بعدها، لأن الحياة بدونها ليست لها معنى، بعد أن ابتعدت عنه منذ ما يقرب من عام ونصف».
وأكد في التحقيقات أنه تعرف على الطالبة منذ فترة ونشأت بينهما علاقة عاطفية، إلا أنها بدأت تعمل «مودل» (عارضة أزياء)، وأصبحت مشهورة ولديها أعداد كبيرة من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، فابتعدت عنه وحذفته من جميع وسائل التواصل، بعد أن استغلته مادياً وعاطفياً، حسب تعبيره. إلا أنه لم يكن يرى حياته بدونها، ومر حوالي عام ونصف العام، وهو على هذا الحال ودخل في نوبة اكتئاب شديد لبعدها عنه، حسب وسائل الإعلام.
أما في عمان فقد ُفجع الشارع الأردني الأسبوع الماضي بجريمة قتل طالبة جامعية بالرصاص داخل حرم جامعتها، حيث لقيت إيمان رشيد مصرعها بعد تعرضها لإطلاق نار في جامعة العلوم التطبيقية الخاصة شمال العاصمة.
وكشفت مصادر أمنية أنّ مرتكب الجريمة «استطاع الدخول بسلاحه (إلى الحرم الجامعي)، وقام بملاحقتها بعد خروجها من الامتحان، وأطلق النار عليها، قبل أن يلوذ بالفرار، وهو يطلق الرصاص في الهواء لإفشال محاولة إلقاء القبض عليه».
وتداول ناشطون أردنيون رسالة تمّ إرسالها للطالبة المغدورة، من قِبل القاتل، يتعهد بقتلها بالطريقة ذاتها التي أقدم فيها القاتل المصري محمد عادل على قتل الطالبة نيرة أشرف!
إذا القاتل الأردني يقتدي بملهمه القاتل المصري وهكذا دواليك. ألسنا أمة عربية واحدة في القتل؟
جحيمية الوضع الذي تعيشه المرأة العربية اليوم، لا يبرره النازع الديني والأخلاقي. بل على العكس تماماً، لقد كفل الإسلام حق المرأة في الحياة، وجعله حقٌاً ظاهراً لا يمكن إنكاره ولا يجوز إلغاؤه، وأعطاها حق التعليم، والعمل والكسب. كما شرع للزّوجة أن تفسخ عقد زواجها من زوجها، إذا لم يستطع أداء حقوقها أو تسبّب في أضرارٍ لها، وأرادت الانفصال عنه. ضَمِن الإسلام للمرأة حقّها في اختيار الزوج، الذي ترتضيه لها، ولا يجوز لأحدٍ إجبارها على الزواج من رجلٍ لا ترغب بالارتباط به. وفي حال أجبر الوليّ الفتاة أن تتزوج من رجلٍ لا تريده، فلها أن تفسخ العقد ويتحمّل الوليّ تكاليف الفسخ.
لقد صان الإسلام كرامة المرأة وهيبتها في نفوس من حولها، فلماذا إذاً تعيش المرأة العربية طقوساً من العنف والخذلان في زمن ارتفاع المستوى العلمي الذي تعيشه البلاد العربية؟ لماذا يتم استسهال القتل إلى حد العلن؟ ألم يقل النبي «إنما النساء شقائق الرجال» فلماذا قتل الشقائق؟!
متى يتم نزع الغطاء الرسمي عن العنف الاجتماعي الممنهج ضد المرأة؟ متى يمكننا تجريم «القتل» بداعي «الشرف»؟ متى نسمع عن قوانين صارمة في مواجهة استفحال ظاهرة الذكورية التي تعتبر المرأة شيئاً يلبي رغبة الرجل الجنسية فقط، لا إنسانا له كيانه وحقوقه!؟
ومتى تتحرك أنظمتنا العربية الشمولية لمناصرة قضايا المرأة بدل اجترار وسائل إعلامها لمقولات مبتذلة من قبيل «المرأة نصف المجتمع». من يقرأ أخبار العنف اليومية يظن أننا ما زلنا في عصور الجاهلية، ناهيك عن ظاهرة الاغتصاب والتحرش والنكات الجنسية، وأشكال أخرى من التمييز بين الجنسين والاضطهاد الذي تعانيه النساء في المجتمعات الأبوية.
لقد آن الأوان لتشديد القوانين والأحكام ضد ظاهرة التحرش كي لا يتم امتهان المرأة، وكي لا نخسر إنسانيتنا التي هي كل ما نملك في هذا الزمان الحالك.
كاتبة لبنانيّة