علي حسين
إذا كنا جميعا مستعدين لتصديق أكذوبة أنّ أشخاصاً خدموا في بلاط الطائفية منذ عام 2003، يستطيعون أن يؤسسوا لدولة مدنية ، يكون شعارها الوطن للجميع، فهذا يعني أننا نتلذذ بأن نعيش دور المخدوع، الذي أدمن على خطب وشعارات منتهية الصلاحية وفاسدة.
تسعة عشر عاماً لم نسمع خلالها سوى بيانات ومؤتمرات تندد بالطائفية وتشتم الطائفيين، وكلما أمعنوا في الكلام عن دولة العدالة الاجتماعية والمساواة التي سيعيشها الناس على أيديهم، كانت المصائب والمآسي تصب على رؤوس العراقيين، لنصحو جميعاً على دولة يعيث فيها فساداً أمراء الطوائف.
من ينسى صراخ أسامة النجيفي وهو يحذرنا من النزاعات الطائفية الضيقة؟، ولعل كلمات نوري المالكي لايزال صداها يتردد في الفضاء حين طالبنا، جميعاً، بأن لا نصغي إلى الحكومات التي تنفث في نار الطائفية.. اليوم تثبت الوقائع أن النجيفي كان يضحك علينا، وأن المالكي كان يشحذ الهمم للدفاع عن مصالح دولة القانون..
لقد ظل سياسيونا مصرين على اعتقال إرادة العراقيين داخل أسوار الطائفية والإحساس بالخطر من الآخر، وافتعلوا أزمات سياسية محبوكة، بالتوازي مع إشاعة أفلام الرعب من الخطر الخارجي الذي يحيق بأبناء الطائفة، مراهنين على أن المواطن سيلغي عقله، وينصرف تماماً إلى البحث عن غطاء طائفي يحميه من غدر الآخرين.
في انتخابات 2005 وبعدها انتخابات 2010 وإلى انتخابات 2021، اكتشف الناس، ولو متأخرين، أن سياسيي الطوائف لم يقدموا خلال هذه السنوات الماضية سوى أداء كاريكاتيري مضحك، وأن مرشحيهم كانوا يُخبّئون دول الجوار تحت ثيابهم، وظلوا حتى هذه اللحظة شركاء في تدمير الشخصية العراقية.
الفساد في العراق يوحّد الطائفيين، ينشر اليأس ويزيد أعداد المستضعفين.. حيث الطائفة هنا ليست أكثر من لافتة يتجمع عندها الانتهازيون والمنتفعون، الذين يتوهمون حرباً بين أبناء البلد الواحد، ليغطّوا عجزهم في الحرب الأساسية لبناء البلاد وإشاعة مفاهيم الدولة المدنية، والسير بالعراقيين، جميعاً، نحو المستقبل.
ولأن منطق الوطنية غائبٌ والعدالة مقتولة، صار كل شيء معكوساً، الطائفة أولاً ثم الوطن، فيما السياسي يُمعن في إساءة استخدام مواقع السلطة، لكي يبيع الوطن في بورصة المناصب.
في بلاد معركة المناصب ، لا أحد يريد أن يطمئن ابناء هذا الوطن على حياتهم ومستقبل أبنائهم.. فالبلاد تمضي في بحر متلاطم متصارع الأمواج ، لا شاطئ أمان ولا ضوء من بعيد تهتدي إليه، فيما حيتان الفساد والطائفية يتربصون بالجميع.
سيقول البعض إننا نعيش مع ساستنا عصر الكوميديا “المبتذلة” بامتياز، ، نستمع كل يوم الى خطب وشعارات فقدت صلاحيتها للتأثير أو حتى لاستدراج الضحك. سياسيون ويعتقدون أن خلاص العراق يكمن في العودة إلى الوراء.