علي حسين
باتت مواعيد الخطابات الحماسية تتكرر في بيانات بعض القوى السياسية التي لا تزال تجلس على كراسي المسؤولية، لكنها في الوقت نفسه تندب وتنوح على الخراب الذي وصلنا إليه، وكأن ما جرى بعيد كل البعد عن الاحزاب التي تقاسمت كعكة البلاد منذ ما يقارب العشرين عاماً، وكأنّ هذه الأحزاب مصرّة على أنّ العراقيين خذلوها في مرحلة حرجة يمرّ بها العراق، ولم يصفقوا لها وهي تحقق خططها الستراتيجية في النهب والانتهازية .
وأنا أتابع نشيد بناء العراق الجديد الذي يردده معظم نوابنا هذه الأيام، توقفت عند بيان نشرته اللجنة الأمنية لمحافظة ذي قارعن الناشط المغيّب سجاد العراقي، حيث طلبت اللجنة منا أن نرفع أيدينا بالدعاء لكي يعود سجاد إلى أهله سالماً.
في كل مرة يجد المواطن نفسه على موعد مع أسوأ الخطابات التي تبرر الفشل ، وفي مجتمع يراد له أن يعيش البؤس والحرمان، وأحزاب تغذّي نفسها من أموال السحت الحرام، نجد المواطن وحيداً في الشارع ينتظر من يؤمّن له حياته وحاجياته وينشر الأمل والتسامح.. الاحزاب التي تتحدث عن الديمقراطية وتنكر احتكارها للسلطة ، تتأسى لان هذا الشعب الناكر للجميل ينسى انه عاش خلال الأعوام الماضية سعيداً مرفّهاً ينام على مصطلح “الفقاعات” ويصحو على عبارة الانبطاح، وبين هذا وذاك يمضي عمره مع الديمقراطية التوافقية وأشقائها الكرام في معارك منفعية، ليست بينها معركة واحدة من أجل إنقاذ هذا الوطن .
إن المشهد يبدو مثيراً للأسى حين تستنجد اجهزة امنية بالدعاء لانقاذ مخطوف ، في الوقت الذي لا تزال أم الشاب سجاد العراقي تريد معرفة مصير ولدها حياً كان أم ميتاً. والسيدة لا تطلب شيئاً خارج القانون، وليست طالبة سلطة ولا تزاحم ساستنا الأشاوس على الكعكة العراقية.
ربما يسخر مني البعض ويقول: يارجل عشرات عمليات الاغتيال والخطف تمت خلال السنوات الماضية، والنتيجة أن الدولة تضع الملفات في أحد الأدراج، مثلما وضعت من قبل ملفّات جسر الأئمة وتفجيرات بغداد الجديدة وجريمة سبايكر وملف قتل المتظاهرين، ولهذا علينا أن نعرف جيداً أن كل أعضاء اللجنة التي حققت في اختطاف سجاد العراقي، ذهبوا مطمئنين إلى النوم العميق، بعد أن أوهموا العراقيين بأن الحكومة اقتصّت من المجرمين. لا شيء تغيّر، إلا مأساة أهالي الضحايا التي ازدادت هولاً وضخامة وفجيعة،.
وإذا كانت عوائل المخطوفين لاتزال تأمل أن تجد جواباً لسؤالها عن أبنائها المغيبين، ولم يشفِ القضاء غليل أهاليهم، فإن المواطن المغلوب على أمره، مثل “جنابي”، يحق له أن يسأل، متى يطمئن جميع العراقيين على مستقبلهم، في وقت يصرّ فيه ساستنا على أن يمضوا بنا فى بحر هائج تتصارع فيه المصالح والمنافع ؟، بينما لا شاطئ هناك ولا ضوء بعيد نهتدي به وإليه، باستثناء خطابات عالية نصيف الثورية .