بين وحشية العدو الإسرائيلي وبكاء طفلين: رجل بليد يصور اللحظة!
انتشر منذ أيام فيديو صادم بحق طفلين فلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن لا أعرف إن كان استخدام كلمة صادم في محله؟
هل ما زلنا نُصدم ونحن شعوب تعايشت مع كل أنواع الترهيب والوجع؟ هل ما زلنا نهزم، وقد عاصرنا كل الحروب وبكافة أشكالها المريعة؟
في الحقيقة، رغم كل الممارسات الوحشية التي قام بها العدو الإسرائيلي عبر سنوات طويلة من الاحتلال لم يخفق يوماً في تجديد وسائل خبثه ولؤمه وفي تطوير تقنيات عنفه.
كان آخرها إلقاء الشرطة الإسرائيلية القبض على أم وأب وترك طفليهما بمفردهما في العتمة.
طفل رضيع يبكي وأخوه يصرخ من الخوف، يرتعشان داخل سيارة على طريق مقطوع والليل يشتد من حولهما. حتى جاء أحد الأشخاص وبدأ، وببلادة شديدة، في تصوير الواقعة، حتى قبل أن يفكر بإخراج الطفلين من السيارة. صحيح أنه كشف للعالم المزيد من اللا إنسانية، التي تتصف بها سلطات الاحتلال، عبر تحقيق الفيديو انتشاراً واسعاً على السوشيال ميديا، لكن كان هناك ما هو أهم من التصوير في تلك اللحظة وهذا الظرف. ما هو أهم من التقاط لحظة مفجعة بكاميرا الهاتف الذكي، كان هناك طفلان عالقان في الظلمة يصرخان من الخوف والجوع ويحتاجان بشدة يداً قويةً تنتشلهما وبسرعة من ذلك السجن الصغير وتؤمن لهما الدفء العاطفي والأمان. لا أعرف كيف أصبح التصوير هو أول ما نفكر به في المصائب ولحظات الألم المفرطة؟!
لو كان للرجل صديق يصور الحادث، فيما هو يهتم بتهدئة الطفلين وتلبية حاجتهما ومحاولة الاتصال بأفراد من عائلتهما، وتأمين الماء والشرب لهما، لكان الوضع مقبولاً. لكن كم من البلادة في ذهنية المنقذ الوحيد، وهو يهتم بتصوير بكائهما أولاً وهذا أقسى من البكاء نفسه.
للأسف الشديد، زمن الـ»سوشيل ميديا» قد شوهنا وشوه أولوياتنا الإنسانية.
هكذا أصبحت كل من تختلف مع زوجها تصور الخلاف والصراخ، وإخلاء المنزل، ودموعها. ومن يطلق زوجته يخرج ببيان، لا يهم أحد سواه، ليصرع رؤوسنا! ومن تجد قتيلاً في الشارع تصور القتيل، وبعد أن تتفتت الجثة تفكر بالاتصال بالشرطة. وإن سقطت لافتة في الشارع يتسابق الأفراد على تصويرها وهي «مغمى عليها» أرضاً وقد حصل هذا فعلاً في مصر منذ حوالي شهرين. ومن يحضر دفناً يصور الميت وهو يدخل قبره. إنه زمن التفاهة من دون منازع! زمن يتسابق فيه الأفراد على تحقيق الشهرة والوصول إلى «الترند» بأي ثمن، ولو على حساب الآخرين وعذاباتهم.
ويبقى السؤال: هل سيغيّر مشهد الطفلين الفلسطينيين ومشاهد كثيرة أخرى تضاهيه وجعاً سياسات عالمنا العربي بحق المعتدي الإسرائيلي، أم أننا سنسمع عن المزيد من الاتفاقات التجارية والسعي لبناء التحالفات وتدشين العلاقات الدبلوماسية بين قادة بلداننا العربية والمغتصبة اسرائيل؟!
الأب الديناصور
ومن ظلم السلطات الإسرائيلية لطفلين إلى ظلم والد لابنته، وهي ما زالت في أحشاء أمها. قصة تحمل الكثير من البشاعة والوحشية وقلة ضمير. وقد انتشرت بشكل لافت على مواقع التواصل الاجتماعي وتفاعل معها بكثرة رواد «السوشيال ميديا»، بعد أن نشر تفاصيلها موقع درج الالكتروني على صفحته في انستغرام.
إنها قصة طفلة رضيعة. عانت من كره والدها لها من قبل أن تولد وتتوفى بعد أربعة وعشرين يوما فقط من مجيئها إلى الحياة. لقد رفضها والدها لحظة معرفته وفي الشهور الأخيرة من حمل زوجته بأن الطفلة المنتظرة ستولد وهي تعاني من متلازمة داون. هكذا وبمنتهى القسوة رفع الزوج دعوى قضائية على زوجته يطالبها بتعويض مالي بسبب إنجاب طفلة مريضة مما سبب له خسارات مادية وضرر نفسي!
الحقيقة تُقال: إنه أب فريد من نوعه وأفكاره، ما شاء الله، تسبق عصره!
إلى أي صنف من البشر ينتمي مثل هؤلاء البشر؟ ألا يشعرون بالخجل في الامتثال أمام القضاء بشكوى لا تمت للإنسانية بصلة؟ ألا يوجد في قلبه القليل من الرحمة؟
صدق من قال «عيش كتير بتسمع كتير»!
الطفلة ماتت والوالد المتحجر الديناصور لم يخطر بباله أن يجثو أمام قبر طفلته ليترحم عليها، بل كان همه الوحيد جر أمها إلى المحكمة لكسب المال بدلا من احتضانها والطبطبة على أوجاعها.
تقول أمها: «أنا ما دفعتش شيء لها. أنا أخدت منها. هي ادتني كل حاجة وأدتني حياتها. لحد اليوم اللي دفنت فيه بنتي عشت أمومة عظيمة جداً. عمري ما شفت بنتي كائن مشوه. عمري ما حسيت بكدا. ربنا خصها في زيادة في الخلق».
لا أعرف كيف يمكن لأم تحمل كل هذا الجمال، وكل هذا الوعي والطيبة أن تجتمع ولو صدفة برجل يخلو من كل صفاتها. لا بد أنه القدر البشع. نعم لنرمي بلانا على القدر، كي لا نحمّل الإنسانية كل هذا البلاء. يا الله. ما بال الديناصورات البشرية تتكاثر هكذا؟
*كاتبة لبنانيّة