اد د ارب
اوء ا وا
الدخالة عند العرب .. قضايا اللجوء السياسي والانساني .
الدكتور/ضرغام الدباغ
حین قرأت عن الدخالة عند العرب، وھو ما تمارسھ الیوم الدول تحت بند ” اللجوء السیاسي ” بند غالبا
ما یكون موجود في دساتیر الدول، وھو حق من حقوق الإنسان على المجتمع الدولي، ولكن الدول تطبقھ
بتفاوت شدید، وكثیرا ما تتجاھلھ، وقد حدث وأن سلمت دول أشخاصا مطلوبین بقضایا سیاسیة، أعدموا
في دولھم،، أو عوقبوا بشدة، أو تعرضوا لاضطھاد سیاسي.
في التعمق في التاریخ السیاسي العربي، وجدنا أن موضوعة اللجوء السیاسي والإنساني، تصلح أن تكون
/ سیاسیة، وإنسانیة / اجتماعیة عمیقة في التاریخ السیاسي العربي في شتى ً مدخلا لدراسات قانونیة
العصور، قدیما وفي العصر الوسیط والحدیث.
وبادئ ذي بدء، أول ما یسجل على ھذه الممارسة السیاسیة (الدخالة / اللجوء) العربیة أنھا لم تكن نتیجة
/ ً اجتماعیا والأكثر من ھذا أنھا كانت ملزمة بدرجة كبیرة، ً ً لتشریع قانوني، بل ھي كانت عرفا سیاسیا
بحیث أن من یخالف قواعد قبول الدخالة ولا یحترمھا، یلصق العار بأسمھ حتى بعد مئات السنوات، بل
وحتى على أسم عائلتھ إلى الأحفاد. ً وقد تكون أحیانا العقوبة الأخلاقیة أقسى وأمضى من العقوبة الجزائیة،
كعقوبة مخالفة قواعد الدخالة (اللجوء).
في الأزمنة العربیة القدیمة (قبل الإسلام)، تواجدت مجتمعات لم تكن تعرف أنظمة الحكم المتطورة،
وخاصة في منطقة وسط شبھ الجزیرة العربیة، أو بالاحرى كانت ھناك أنظمة حكم بسیطة، تتمثل بمجلس
القبیلة، ثم بمجلس أتحاد القبائل المتواجدة في منطقة یتوفر فیھا الماء وامكانیة الرعي، بقیادة القبیلة
الأقوى، والأقوى كان یعني مباشرة بعدد الرجال القادرین على حمل السلاح، وبأعداد الأیل والمواشي،
وتوفر أسباب العیش (ماء وكلأ) في المنطقة التي تھیمن علیھا. واتحاد القبائل كان یعني بالدرجة الأولى
بعدم السماح لأفراد أو كیانات أخرى بممارسة الرعي والسقي، وأیضا الدفاع عن المنطقة، ومعالجة
المشكلات الكبیرة حیث یكون ذلك ضروریا ویحتاج لقرارات جماعیة.
والدخالة كان بعبر عن نظام دقیق، من حیث قبول دخالة الأفراد، والمدة التي سیمكثھا الدخیل (اللاجئ)،
وشروط قبول الدخالة، وحقوق الدخیل. وربما فقرات أخرى یجري تحدیھا بدقة. والسبب ھو أن بعض
3
طالبي الدخالة ربما مطلوبین من قوى مھمة ذات سلطان وسطوة، قد یصعب على الجھة التي قبلت الدخالة
. وفي ً تقدیم الحمایة لطالبھا، ولكن في جمیع الأحوال لا یعتبر الشأن المادي سببا في رفض قبول الدخالة
حالة رفض الدخالة، لا یبعد طالب الدخالة على الفور بل یمھل فترة معقولة، یھیأ فیھ طالب الدخلة للسفر
وطلب اللجوء من جھة أخرى، وتسلیم طالب الدخالة لا یجوز مطلقا بقوة القواعد الأخلاقیة / الاجتماعیة،
ولا تجرؤ جھة على تسلیم الدخیل ففي ھذا عار كبیر یلحق بتلك الجھة یلاحقھا حتى بعد أجیال. أو بالعكس
. ً یمثل قبول الدخالة الصعبة، فخرا لصاحبھا یحق لھ أن یفتخر بھا جیلا بعد جیل بالفخر والكرم والشجاعة
ومن تلك على سبیل المثال، قبول الملك عبد العزیز بن سعود ملك المملكة العربیة السعودیة لدخالة الزعیم
العراقي رشید عالي الكیلاني المطلوب من الحكومة البریطانیة المنتصرة في الحرب العالمیة الأولى،
ورفض بشدة طلبات تسلیمھ، وقاوم الضغوط السیاسیة والتھدیدات من الحكومتین البریطانیة والعراقیة.
ومن فقھ الدخالة نتوصل إلى القواعد التي تحكم ممارسة ھذا التقلید الاجتماعي المھم :
وتصنف الدخالة من حیث :
التقالید وأشكال التعبیر الشفھي بما في ذلك اللغة، صیغة طلب الدخالةن، وصیغة قبولھا.
التقالید وأحكام القضاء العشائري
الدخالة :
الدخالة أو الدخل:
الدخالة أو الدخل أو الدخلة: ھي اللجوء والاستجارة والدخیل ھو المستجیر وكانت العرب تفتخر بحمایة
المستجیر ویعتبرون ذلك من القیم والمكارم بل أن عدم الوفاء بذلك من الخزي والعار حتى أنھم إذا غدر
رجل بجاره أو من لجأ إلیھ أوقدوا النار في أیام الحج على أحد الأخشبین ثم صاحوا ھذه غدرة فلان
لیحذره الناس.. ولقد جاء عند ابن ھشام في السیرة أن الرسول استجار بالمطعم بن عدي فأجاره وحماه.
أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة في السنة الثامنة للھجرة قواعد محددة للاستجارة والحمایة حیث وضح أن من
دخل بیت أبى سفیان فھو آمن ومن دخل داره فھو آمن ومن دخل تحت لواء ابن رویحة فھو آمن ومن دخل
المسجد فھو آمن ومن ھذه القواعد نجد عمل بادیة الجزیرة العربیة في ھذا الشأن في العصور المتأخرة
ً: فمن یدخل بیت الشیخ فھو آمن ومن استجار بأي بیت فھو آمن أیضا
فمعنى الدخیل في اللغة من دخل في قوم وانتسب إلیھم ولیس منھم ولكنھ عند البادیة بمعنى المستجیر أو
طالب الحمایة بأي طریقة أو زمان أو مكان أو صیغة ومھما كانت الدوافع والأسباب.
وھي قیام شخص او جماعة بطلب الحمایة من شخص معروف (شیخ، وجھ، أمیر) أو أي شخص قادر
على الحمایة حتى لو كانت امرأة، نتیجة لمشكلة حصلت وفعلھا ھؤلاء الأشخاص أو شخص فاعل
المشكلة مثلا قاتل تعرض للضرب لأحد الأشخاص أو أكل حقا أو خطف فتاه ودخل بھا عند احد ھؤلاء
القادرین على الحمایة وأحیانا یدخل احدھم لطلب حق أو دین من شخص منقو أو مماطل فیدخل لتحصیل
حقھ أو دینھ.
ویتعھد قابل الدخالة بحمایة دخیلھ والدافاع عنھ بكافة قدراتھ المادیة والمعنویة، وبعكسھ سیتعرض لكسة
في موقفھ الاجتماعي، بما یقارب العار یلحق بھ وبأسرتھ وقبیلتھ. والدخالة ھي دخالة على البیت،
(الاسرة، العشیرة) ً وتجوز الدخالة حتى لو كان رأس البیت غائبا، ویتعھد قابل الدخالة بأخذ حق الدخیل
وحمایتھ حتى قضاء الغرض (القضوة) والاعتراف بالذنب أو تحصیل الحقوق واعطاء كل ذي حق حقھ.
وھذه المعطیات قد تتسبب بمتاعب ومشاكل لقابل الدخالة، ومن ذلك توفي الحمایة الشخصیة لھ وملازمة
مقر السكن خوفا على الدخیل من التھدیدات بسبب ما قام بھ الدخیل، وقد یكون مطلوبا بقتل، وقابل الدخالة
4
یتحمل حمایتھ ومعھ أسرتھ، ویتعھد بدعمھ في تفاعلات قضیتھ، ذلك أن أصحاب الحق لا یتخلون عن
حقوقھم وسیبقون یسعون في أثر الدخیل منتھزین فرصة لاسترداد حقھم.
أما قابل الدخالة فیعلم أن قبولھ الدخالة تعني الدفاع عمن التجأ إلیھ، مھما كلفھ ذلك من تضحیات. وتكون
صیغة تقدیم طلب الدخالة بقول الداخل ” أنا داخل على الله وعلیك” ویضع عقالھ في رقبة من قبل الدخالة
(راعي الوجھ) أو بعقد طرف شماغھ والدخیل، ویبقى الدخیل عند المدخول بھ ” راعي الوجھ ” إلى أن
تحل المشكلة . لحل المشكلة .
والدخیل نوعان:
1 .دخیل ساعة وقوع حادث یستدعي الدخالة :
وھو الدخیل التي تكون جنایتھ ولیدة الصدفة. حیث یلوذ الذي فعل الجنایة خلف احد الشیوخ أو الرجال
المعروفین ویقول أنا دخیل الله ثم دخیلتك فیدخل عند الشیخ مدة بسیطة وھنا یكون الدخیل في مأمن فلا
یتعدى علیھ ولا یھان ما دام داخل عند احد الشیوخ.
2 .دخیل بناء على تسلسل حادثة تلزم الدخالة :
ھو الشخص الجالي المطلوب منھ الدم فیدخل ھذا الشخص ھو واھلھ عند الشیخ حتى تنتھي قضیتھ ویحكم
بھا أو تنتھي بالصلح ویكون الشخص وأھلھ في مأمن من الثأر لأنھ في وجھ احد الشیوخ.
الدخیل عند حدوث مشكلھ كقضیة قتل، أو العرض یقوم شخص بالذھاب إلى شیخ القبیلة أو رجل معروف
ویقوم بالدجالة عنده لحمایتھ حتى یتم الصلح ولھ حقوق وواجبات ویقوم الرجل بإخبار عشیرتھ لحمایة
دخیلھم حتى یتم طلبھ من احد قضاة العشائر لمحاكمتھ علنا.
وكان الدخیل أحیانا یأتي مسرعا فیمسك بطرف شماغ الرجل الداخل علیھ ویعقده ویقول لھ ” داخل على
الله وعلیك تلبي طلبي ” فیقول لھ الرجل ” وصلت وابشر باللي اقدر علیھ ” وبذلك یكون قد أعطاه عھد
الأمان حتى لو كان قاتل اقرب الناس علیھ .
وتھدف الدخالة إلى إزالة حدة التوتر بین سكان البادیة وإلى إعادة سیطرة قواعد الحیاة البدویة وتطبیقھا
لحل الخلافات والمنازعات الفردیة والجماعیة كما أنھا تھدف إلى إعادة توازن المجتمع عن طریق إرغام
الخصم القوي على إتباع الأعراف والتقالید كما یفعل الخصم الضعیف سواء بسواء أي أنھا ترمي إلى
إحقاق العدالة بین أفراد البادیة وعشائرھا بغض النظر عن مدى قوة كل طرف.
” أنا دخیلك أو داخل على الله ثم علیك ” بل أنھ قد یدخل ً وقد یكون الدخل أو الدخالة قولا أو فعلا كأن یقول
محل النساء والأطفال إذا كانت القضیة خطیرة مما یثیر النخوة والحمیة لمساعدتھ وھناك ً مستجیرا على
” نحن دخلائك من كذا ” أو ” ً من یأخذ عقال من یختاره مجیرا لھ من فوق رأسھ ویضعھ في رقبتھ ویقول
نحن في وجھك “، وفي العادة یرد الشخص المقصود بعبارات تبشره بقبول الدخالة وبالحمایة وطیب
الإقامة .
ً ً ً والدخالة تعتبر طلبا ضروریا للحمایة فعندما یرتكب البدوي فعلا ما ویخشى من اعتداء عشیرة المعتدى
علیھ فانھ یدخل بوجھ “دخالة ” شیخ أو عشیرة معروفة من أجل الحیلولة دون الاعتداء علیھ أو على
أقاربھ وممتلكاتھم حتى یتمكن الجمیع من التعاون في إنھاء القضیة وكذلك یلجأ البدوي للدخالة عندما یتھم
بارتكاب جریمة ما وینكر ارتكابھا فإنھ یخشى الاعتداء علیھ وعلى أقاربھ وأموالھم ولذلك یلجأ إلى طلب
الحمایة بأن یدخل بوجھ (دخالة / حمایة ) أحد الشیوخ إلى أن یبت بأمر الاتھام سواء كانت النتیجة البراءة
أم الإدانة، وقد تكون الدخالة لیس لھدف طلب الحمایة وإنما لھدف طلب الحق سواء كانت القضیة حقوقیة
5
ً ً أو جزائیة أو غیر ذلك ویلجأ إلى استعمال ھذه الدخالة غالبا من یكون مركزه ضعیفا تجاه الطرف الآخر
وفي القضایا المالیة قد تكون الدخالة مدفوعة القیمة كما تدل علیھ الوثائق.
والغریب أن الدخالة قد تجري دون حاجة إلى موافقة المدخول علیھ فلا یستطیع رد الدخالة سواء كان
) أي أنھا مصیبة لابد من قبولھا ولذلك یدعون الله أن ً ً حاضرا أم غائبا لأن الدخالة كما یقول البدو (بلوى
) بل أن البدوي یمكن لھ أن یدخل على أي طفل ً (الدخل إلزام یعین المقصود على بلواه وذلك تطبیقا للقاعدة
. ً أو امرأة من عائلة الرجل الذي یرید أن (یدخل بوجھھ) فیعتبر دخیلا على ذلك الرجل
وھناك من یدخل على الأموات فقد یلجأ بعض البدو إلى قبور بعض الشیوخ أو الفرسان فیمنعون أنفسھم
من اعتداء الآخرین حیث إن البدو یقدرون الأموات كما یقدرونھم ً أحیاء فكأن من لجأ إلى قبره میتا قد دخل
ً علیھ وھو حي ولأھل صاحب القبر المطالبة بحقوق الدخیل على میتھم وھذا وإن كان نادرا إلا أنھ سبق
حدوثھ
بل وحدث إن من العرب من أجار الحیوان أو الطیر حین یلجأ إلى بیتھ فیمنع الآخرین من الاعتداء علیھ
ویعمل على حمایتھ على طریقة (دخل الدخیل وسلم) كما حدث للشاعر محمد العوني وھو في الكویت سنة
1317 ً ه عندما دخل بیتھ أحد الخرفان ھاربا من الجزار الذي أراد ذبحھ فسلم لصاحبھ قیمتھ وتركھ عنده
اخذ ً ً لأنھ اعتبره دخیلا علیھ مستجیرا بھ تجب حمایتھ حتى وإن كان حیوانا بل أنھ أودعھ عند أحد البدو و
علیھ عھدا بأن لا یمسھ بسوء حتى توافیھ منیتھ.. كما أن ابن عریعر منع الاستیلاء على بیض طیور
الحبارى بمعنى أنھ أجارھا في أراضیھ ومنع الاعتداء علیھا وصیدھا. وكان كلیب وائل یجیر الطیر .
ویستدل من ھذه المعطیات أن نظام الدخالة العرفي (الغیر مكتوب)كان یوفر للدخیل الأمن والكرامة،
ولكنھ بنفس الوقت یسعى لحل الإشكالیات بطریقة الحوار والتراضي، ھو نظام توارثتھ الاجیال، ویطبقونھ
بغیر إرغام أو لجوء للقوة والعنف. والتحكیم في قضایا الدخالة كان یمر عبر قنوات الحوار والتفاھم،
وتجنب الردود والاحكام العنیفة. ولكن لابد من الاقرار أن نظام الدخالة أصبح یعتریھ الضعف مع اتساع
نفوذ الدولة وسلطانھا وبسط سیطرتھا على كامل أرجاء البلاد.
دخالة الزعیم العراقي رشید عالي الكیلاني على الملك عبد العزیز السعود.
من أھم حوادث الدخالة في تاریخ العرب : یعتز المرء بالحدیث عن خصال ومواقف الملك عبدالعزیز ”
رحمھ الله “. وقد أفاض الشعراء في مدحھ والكتاب في ذكر أفضالھ ومآثره والمؤرخون في تسجیل
مواقفھ على أنصع صفحات التاریخ، ولكن حادثة قبولھ دخالة الزعیم العراقي رشید عالي الكیلاني تمثل
دون ریب واحدة من أنصع الصفحات في إجارة المطارد، وحمایتھ.
كان رشید علي الكیلاني قد تمكن بعد فشل ثورتھ على البریطانیین في العراق تمكن من الوصول إلى
ألمانیا، وحل ضیفا علیھا، ولكن بعد أن انتھت الحرب العالمیة الثانیة بھزیمة ألمانیا ومصرع ھتلر،
تمكن الزعیم العراقي من مغادرة ألمانیا إلى فرنسا، بمساعدة مواطنون عرب سوریون، وغادرھا بحرا
بأوراق سفر مزورة إلى لبنان، ثم إلى سوریة، ومنھا إلى المملكة العربیة السعودیة عن طریق (قریات
الملح) وكان أمیرھا عبدالعزیز السدیري.
كان مع الكیلاني رجلان سوریان ھما جمیل الجابي وشخص آخر وكان الكیلاني متنكرا ویتحدث بلھجة
تقارب لھجة أھالي دیر الزور موطن رفیقیھ الآخرین وكان الجمیع ینتحلون شخصیة تجار قادمین إلى
المملكة وأبرق السدیري إلى الملك عبد العزیز مستأذنا في السماح لھم بدخولھم كتجار فأذن لھم ودخلوا
البلاد وكان وصولھم إلى الریاض في یوم كان فیھ عبد العزیز على وشك السفر إلى مكة المكرمة لأداء
فریضة الحج واستقبلھم الملك في مجلسھ وبعد أن سلموا علیھ وتناولوا القھوة دار حدیث حول التجارة ثم
ً: الآن انتھت مھمتنا وبقي الأمر بینك وبین ھذا الرجل وانصرف ھو استأذن الجابي من الملك قائلا
6
ورفیقھ السوري تاركین عبد العزیز والكیلاني وحدھما قال الكیلاني: ھل عرفتني یا عبدالعزیز؟ أنا رشید
عالي الكیلاني ورقبتي دخیلة رقبتك.
وأجابھ عبدالعزیز بكلمتھ المعروفة (حسبي الله وحسبك یارشید) ثم أضاف: إذا تكون التاجر السوري ولا
تفلت كلمة واحدة منك خلاف ذلك. واستدعى الملك ابنھ الأمیر سعود وأوصاه أن ینزلھم في قصر
الریاض ثم أن یقوم بتعریف تجار الریاض علیھم كتجار سوریین وحذره من أن یتسرب الخبر بأي شكل
من الأشكال.
وأبرق الملك إلى ابنھ الأمیر فیصل (نائبھ في مكة المكرمة آنذاك) بأن یحضر وبصحبتھ السفیر
البریطاني للقائھ في (عفیف) وھي محطة في منتصف الطریق بین مكة المكرمة والریاض. وعندما
اجتمعوا في (عفیف) قال الملك عبد العزیز للسفیر البریطاني: (بصفتك ممثل الحكومة البریطانیة عندنا
وقد رضینا بك أن تكون وسیط خیر في شوؤنكم أقول لك الآن إن رشید عالي الكیلاني في الریاض في
ضیافتي وحماي وعلیك أن تتصل بحكومتك باللاسلكي وتطلب منھا ألا تسلك مسلكا لا یجب سلوكھ وفیك
البركة.
وقام السفیر بالاتصال بحكومتھ لإبلاغھا النبأ وبعد فترة وجیزة عاد بالجواب إن الحكومة البریطانیة
تحذر من التدخل في أمر الكیلاني وأنھا تطلب تسلیمھ في الحال كمجرم حرب وبدون قید أو شرط ولا
ذا الموقف من البریطانیین وتناول سیفھ في ّ تقبل بغیر ذلك. َ ْ ُ وانتفض الملك غضبا وتملكتھ ثورة جارفة لھ
جواره وصاح وھو یلوح بھ أمام السفیر الكیلاني في بیتي وبین أسرتي وكل من یطلب الكیلاني كمن
یطلب برأسي وأنا دون رأسي ورأس الكیلاني ھذا السیف ارجع من حیث أتیت وانھارت أعصاب السفیر
البریطاني أمام ھذا الموقف البالغ الصلابة.
فأخذه الأمیر فیصل إلى صیوانھ الخاص ملاطفا ومھدئا ومبسطا لھ الأمر وواعدا بحل المشكلة بنفسھ ثم
طلب الفیصل من السفیر أن یخابر حكومتھ وأن یقول لھا (إن الكیلاني شخص واحد بمفرده لا حول لھ
ولا قوة ولا أنصار ولا مال ولا رجال وأن المملكة مستعدة لأن تسلم الحكومة العراقیة خمسة أشخاص
ذوي مال ورجال و مراكز مرموقة كبدیل عن الكیلاني بل وإن المملكة مستعدة لقبول كل ما تحكم بھ
الحكومة العراقیة بل وإن لكم الخیار التام في كل ما تتصرفون بھ حیال ھؤلاء الخمسة. وتساءل السفیر
من ھم ھؤلاء الرجال وأجابھ الفیصل اختاروا أربعة من إخواني وأنا الخامس.
وبینما السفیر في ذھول لموقف الفیصل بعد موقف عبدالعزیز أضاف فیصل: أما غیر ذلك فوالله لن یسلم
الكیلاني وفي الأسرة السعودیة امرأة واحدة بقیت على قید الحیاة.
وأسرع السفیر یتصل بحكومتھ مبلغا لھم ھذا الموقف المذھل ورأیھ في الموقف وبعد ساعات كانت إذاعة
لندن تذیع على الملأ أن رشید الكیلاني لا تعتبره الحكومة البریطانیة مجرم حرب وأن الأمر یتعلق
بالحكومة العراقیة التي حكمت إحدى محاكمھا علیھ وأن بریطانیا لا دخل لھا بالأمر، وانتھى الأمر
وعاش الكیلاني معززا مكرما بین الأسر السعودیة كواحد منھا
بعد لجوء رشید عالي الكیلاني إلى الملك عبدالعزیز عام 1945 ،أصر الإنجلیز على تسلیمھ إلیھم بدون
شرط فأجابھم: ” والله، ثم والله، ثم والله، إن رشید عالي سیظل عندي آمنا مطمئنا ما بقیت وما بقي أحد من
آل سعود، والله لو جاء الإنجلیز بأساطیلھم وصفوا بوارجھم من لندن إلى جدة، فلن یأخذوه ما دمت حیا”.
واش
7
عدة مواقع في الانترنیت منھا :
1 .عھد صلیبي، الدخیل.. ما لھ وما علیھ4 / أبریل / 2020 .
2 .متعب بن صالح الفرزان: من شواھد التمیز لدى الملك عبد العزیز.