مغتصب لأكثر من ثلاثين طفلا خارج قبضة القانون: أي جهة مكنته من الفرار من العقاب؟
الاغتصاب من أبشع الجرائم، التي يتعرض لها الأفراد. جرائم كثيرة وقعت في السنوات الأخيرة في عالمنا العربي. سمعنا عن جرائم اغتصاب النساء والرجال في السجون أو على الطرقات أو في ساحات المظاهرات أو حتى داخل البيوت. شهادات كثيرة مصورة وصادمة لنساء اغتصبن بشكل جماعي في المعتقلات!
شهادات لا يمكن لإنسان طبيعي الاستماع إليها من دون أن يفقد اتزانه.
تروي سناء الحسين، وهي شابة فلسطينية من مخيم اليرموك في سوريا، رحلتها مع العذاب من لحظة اعتقالها ظلماً حتى خروجها منهارة من السجن، وهي واحدة من نساء كثيرات شجاعات خرجن من المعتقل ليفضحن كل الممارسات الشاذة والحيوانية، التي لطالما حرصت السلطة على دفنها بحرص من خلال تهديد المعتقلات لحظة خروجهن باعتقالهن مجدداً إن تكلمن عنها!
حكت الشابة عن الحصار، الذي عاشته في المخيم من جوع وعطش واعتقالات عشوائية إلى لحظة تكبيلها ودخولها المعتقل، لتشهد ما يسمى باليوم الأسود، الذي يتم فيه التحرش بالمعتقلات واغتصابهن، حسب مزاج العناصر ورغباتهم المريضة المتوحشة.
مع كل البشاعة التي تتعرض لها النساء في السجون هناك بشاعة أكبر. هناك اغتصاب أشرس إن صح التعبير، هناك وحشية تضعف اللغة أمامها وتمارس في حق الأطفال.
وللأسف الشديد قد ينجو من فعلته المغتصب، بسبب دعم سياسي معين. اغتصابات رعتها الحروب وزادت من حدة وقوعها وانتشارها.
إن الإنسان السوي يشعر – ولمجرد ذكر كلمة «مغتصب أطفال» – بالغضب العارم والغثيان والقرف. كيف يمكن لإنسان طبيعي القيام بمثل هذا الفعل الحيواني؟ إنه غياب الضمير الأخلاقي والرادع الديني، وقلة التربية والنضوج النفسي والعقلي.
ولكن من أسوأ ما يمكن قوله في مثل تلك الجرائم وصف الفاعل بأنه يعاني من اضطرابات نفسية والتعامل معه على أنه مريض!
تلك الحجة استخدمها كثيرون فقط لتبرير أفعالهم والفرار من العقاب.
لقد قام موقع «درج» الإخباري مؤخراً بإجراء تحقيق صحافي عن سفاح البقاع اللبناني، ذلك الكائن الذي اغتصب أكثر من ثلاثين طفلا وزودهم بالمخدرات. ولم يتجرأ أحد من الأهالي على تقديم شكوى خوفاً من الفضيحة.
ولكن هل هناك فضيحة أكبر من أن تتستر على جريمة اغتصاب طفلك؟ هل هناك جريمة أكبر من السكوت عن ذلك الفعل الوحشي، الذي يطال فلذة كبدك؟
يقول أحد المسؤولين، حسب ما ورد في موقع «درج»: صراحة لقد حاولوا «ضبضبة الموضوع لحماية الضحايا».
أهكذا نحمي الضحايا؟ وإلى متى سنتكتم على أبشع وأشنع الجرائم، خوفاً من المجتمع ومن المغتصب وحاشيته؟
من سيهتم بهؤلاء الأطفال، بعد تعرضهم لكل هذا الكم من العنف النفسي والجسدي، ويعالج أي خلل في نموهم النفسي والاجتماعي والجسدي؟
إن الاغتصاب يترك آثاره الشنيعة الكثيرة، التي يصعب اختصارها، منها الاكتئاب والشعور بالذنب والعار والاضطرابات النفسية والقلق الدائم الصحي والشعور بالكآبة والميل إلى الانتحار، واللوم المستمر للذات، والرغبة المستمرة بالانزواء. وقد يعاني الطفل المغتصب من الصداع ويشعر بآلام في الحوض ومشاكل في الجهاز الهضمي والبلع وغيرها من المشاكل الصحية.
إن جريمة الاغتصاب لا تؤثر على الضحية لحظة ارتكابها فقط، بل تلازمه بكل الأوجاع الناتجة عنها مدى الحياة.
ثلاثون طفلا هم ضحايا لسفاح واحد دمر حياتهم بالكامل. لا أحد يدعمهم أو يدافع عن حقوقهم المهدورة.
لن نختلف على كون المغتصب مجرماً من الدرجة الأولى، ولكن الأهالي المتسترين عن تلك الجرائم، التي تعرض لها أطفالهم لا يقلون إجراماً وجبنا، وإن كانوا غير مدركين لمدى خطورة سكوتهم، وإن حاولوا تبرير مواقفهم بالخوف.
لا يمكن أن يطلق على الرجل لقب أب، وعلى المرأة لقب أم، إن لم يقوما بأولى واجباتهما تجاه أبنائهم، وهي حمايتهم حتى النفس الأخير.
فن التمسك بالحياة
ومن الألم إلى الإبداع. قصة حداد فلسطيني مبدع يدعى فاخر حمد، يبلغ من العمر 35 سنة، استطاع تحويل الخردة المعدنية إلى قطع فنية فريدة، مثل منمنمات على شكل درجات نارية وأشجار وحيوانات وزينة للمنازل يمكن عرضها كتحف فنية.
يسعى فاخر لشراء وجمع الخردة من المنازل المهدمة، جراء القصف الإسرائيلي لينفخ فيها روحه الجميلة فتنبض بين يديه من جديد.
هكذا يستعيد من الموت حياة، ويستخرج من الظلمة نورا.
لقد ذكرني هذا المبدع الفلسطيني بفنان تشكيلي صيني انتشرت أعماله الفنية على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة كبيرة، وذلك لأنه سعى لتجميل القطع الصغيرة المكسورة، مثل الكاسات والصحون وغيرها. يرسم ويلون الأماكن المكسورة فتعود القطعة أجمل مما كانت عليه سابقاً. إنه فن التمسك بالحياة. وهو الأمل الذي يعيد للحياة بهجتها ورونقها.
لم تكتمل فرحة فاخر، بلؤم معهود ووحشية ليست جديدة عليه، دمرت السلطات المحتلة ورشته، التي أخذت منه مجهوداً كبيراً وهي تقصف مركزاً مجاوراً. لكنه لم يضعف ولم يستسلم، بل عمل من جديد ليل نهار وتمكن، وبمساعدة عدد من المحبين لفنه من فتح ورشة جديدة، تخرج البهجة من الدمار وتشيع الجمال والفن، رغم أنف الموت.
٭ *كاتبة لبنانيّة