علي حسين
تنقل لنا الأخبار، بين الحين والآخر، عدداً من البشارات أبرزها وأهمها بالنسبة لهذا الشعب الذي يخوض معارك داحس والغبراء كلما حلت ذكرى 14 تموز، أن اختيار رئيس وزراء جديد سيتم خلال الأيام القليلة القادمة.
وأن على هذا الشعب أن يصبر، فالخير قادم وستتحول بغداد إلى طوكيو جديدة. وفي الوقت نفسه يسخر ساستنا من الإمبريالية ويضحكون على صاحب الشعر “المنكوش” جونسون لأنه قدم استقالته. قبل أيام قرر رئيس وزراء يريطانيا ان يستقيل من الحزب الحاكم، وبدأت إجراءات اختيار رئيس وزراء جديد لبلاد الملكة إليزابيث. وخرج علينا جونسون ليخبرنا أن مصلحة بريطانيا تقتضي وجود رئيس جديد للحزب. لكن رغم إعلانه لاستقالته إلا أن الصحافة لم تكن مرتاحة للقرار وطالبت بطرده ، وخرجت الصحف بعنوان واحد “لا للجونسونية”، فليس المهم استقالة جونسون وإنما القضاء على “الجونسونية”، وعلى الظروف التي مكنت جونسون من الجلوس على كرسي رئاسة الوزراء.
تخيلوا رئيس وزراء يقدم استقالته ويعتذر، ويرفض أن يمسك الكرسي بيديه وقدميه.. ماذا نسمي هذا في بلاد الرافدين؟ إنها ياسادة “قِلّة” خبرة، وضعف في “الإيمان” بأن الشعب لايُطاع له أمرُ، وغياب لمبدأ “ما ننطيها”.
خاض زعماؤنا “الملهمون” حروبهم الطائفية من كلّ نوع ولون، وفي كلّ اتجاه، احتلوا المؤسسات الحكوميّة، أبادوا مدنيّة الدولة، طاردوا الكفاءات، وضعونا على سلّم البؤس، أدخلونا موسوعة غينيس في عدد الشهداء والمهجّرين. وبعد كل موجة خراب نجدهم يجلسون ويتضاحكون ويقررون التقاط صور فوتوغرافية، لكي يطمئن الشعب أنْ لا سبيل أمامه سوى الإذعان لصوت ساسته ، وفي كلّ مرة كانت الناس تبتسم بسعادة وتذهب إلى صناديق الاقتراع لتنتخب “جماعتها.”
في بريطانيا هبت العاصفة، إذ كيف يمكن الوثوق برئيس وزراء لا يحترم قوانين الحجر الصحي؟، وكيف تجرأ واقام حفلة لعشرة أشخاص ، بينما المواطنين ينفذون قرار الحجر الذي أعلنته الحكومة؟، لم يخرج جونسون على الناس ويقول لهم إن استقالته تُعد انقلاباً على الديمقراطية، ولم يهدد الناس بتظاهرات ترفع شعار “ما ننطيها “، ولم يتهم المنددين به بأنهم من أذناب روسيا، ولم تخرج نائبة تطالب باستمراره بالحكم لأنه “أبو الخبزة”، فقط اكتفى الرجل بأن وضع استقالته تحت تصرف الحزب.
ولأن هذه البلاد لا تزال تنتظر الفرج من دول الجوار، تعلمنا تجارب الشعوب أن المواطن هو الملك المتوّج في الديمقراطيات الحقيقية، وهاهي بريطانيا بجميع أحزابها ما تزال تطالب بطرد جونسون لأنه أساء لشعبه . أتمنى عليكم أن تتذكروا الشباب الذين قُتِلوا في تظاهرات تشرين لأنهم تظاهروا، وأن تصدقوا مثلي أن رئيس وزراء بريطانيا مصاب بالجنون لأنه قَدم استقالته.