الموت يغيّب وفاة شيخ الملحنين العراقيين محسن فرحان
عامر مؤيد
غيّب الموت مساء أمس الأول الاثنين الملحن الكبير محسن فرحان في أحدى مستشفيات بغداد بعد صراع مع المرض، عن عمر 75 عاماً. وعانى فرحان أخيراً من أزمة صحية خطرة، أجبرته على البقاء في المستشفى.
ونعت نقابة الفنانين العراقيين فرحان، ووصفته بـ”الملحن الكبير”. . كما أقامت النقابة في مقرها صباح أمس الثلاثاء مراسيم التشييع الرسمي والوداع الأخير للفنان الراحل الملحن محسن فرحان بحضور شخصيات فنيّة، ونشر مجلس النواب العراقي، بياناً عبر تويتر، جاء فيه:” لجنة الثقافة والسياحة تعزي أبناء الشعب العراقي ونقابة الفنانين برحيل الملحن الكبير محسن فرحان في إحدى مستشفيات بغداد مساء أمس بعد تدهور حالته الصحية”. وأعربت اللجنة عن أسفها لفقدان شخصية فنية أثرت المكتبة الغنائية بأعذب الألحان منذ سبعينيات القرن الماضي”.
وُلد الراحل في مدينة الكوت بمحافظ واسط وانتقلت عائلته إلى كربلاء، وهناك شدّته طقوس العزاء التي تتضمّن عزفاً على الطبل وآلات نفخية، وكذلك صوت والده الذي كان صديقاً للموسيقي لطيف رؤوف المعملجي، فالتحق محسن بفرقة الأخير منشداً في فرقته عام 1961.
في تلك الفترة، تعلّم محسن العزف على آلتي العود والأكورديون بنفسه فأتقنهما في غضون ثلاثة أشهر وأصبح عازفاً ثم ملحناً في فرقة المعملجي، وأتت المرحلة الثانية بدخوله قسم الموسيقى في “معهد الفنون الجميلة” ببغداد لكنه لم يكمل دراسته آنذاك.
استمر عزفه ضمن الشناط المدرسي في كربلاء من خلال عمله في “فرقة المدينة” التي كانت تقدّم عروضها في مدارس المنطقة حتى عام 1970، حين تم قبوله ملحناً في الإذاعة والتلفزيون بعد اجتيازه اختبار لجنة فحص الألحان، عن تأليفه لحن “يا دمع” من كلمات كريم راضي العماري وغناء فخري عمري.
تأثّر محسن بالعديد من رموز الغناء في الجنوب العراقي من أمثال داخل حسن وحضيري بوعزيز وناصر حكيم، وأدخل أطوار هذا الغناء كالمحمداوي في مؤلّفاته وهو لم يكن معروفاً في بقية مناطق العراق، إلى جانب تأثيرات من البادية العراقية وأشكال أخرى من الغناء الشعبي كالأبوذيات، كما ظهر في تلحينه أغنية “ما بي أعوفن هلي” التي أداها المطرب حسين نعمة. ارتحل عام 1976 إلى مصر ودرَس في قسم الدراسات الحرّة في “معهد الموسيقى العربيّة” في القاهرة بإشراف عازف القانون سامي نصير لثلاث سنوات، وهناك تأثّر على مستوى التقنية والسرد الموسيقي بتجارب عديدة، في مقدّمتها فريد الأطرش، وساهم ذلك في تطوير أدواته وأسلوبه الذي ترك بصمة واضحة على الأغنية العراقية خلال عقد السبعينيات مع أسماء أخرى منها محمد جواد أموري وكوكب حمزة وطالب القراغولي وآخرين.
لحَّن فرحان لأبرز الأصوات التي صعدت خلال ذلك العقد، مثل حسين نعمة في أغاني “غريب الروح”، و”قوم انتر الهيل”، وسعدون جابر في أغاني “عيني عيني” و”المطار” و”يا نجوى” و”انت العزيز تغيّرت”، بالإضافة إلى تقديمه ألحاناً لمطربين آخرين منهم فؤاد سالم وقحطان العطّار ورضا الخيّاط وحميد منصور وأنوار عبد الوهاب وكريم حسين وأمل خضير وغيرهم.
وكانت له جهود في تلحين القصائد المنظومة بالفصحى والأوبريتات، كما ساهم في تأسيس “جمعيّة الملحنين والمؤلِّفين العراقيين” وترأسها في فترة لاحقة، وفي مراحل أخرى من حياته شغل عضوية اللجنة الوطنية للموسيقى.
ونعى كثيرون رحيل فرحان باستذكار ما قدمه حيث ذكر الملحن سامي نسيم أن محسن فرحان.. قد رحل الأسم ، وترك إرثاَ لا ينطفأ برحلة لضفة كان على موعد معها يسابق زمنه برغبة وحب للناس بكل مكان يجد فيه موضع لجمال ، ويميط اللثام عن غربة الروح، هو المحسن بشدوه اشبه بعراق يذرف دمعاَ ، ومن ألحان ستبقى أناشيد لغربة الفقراء بمنفى أو وطن مستحيل”. وقال الفنان رائد محسن “شكول عليك وأنت الجميل والعذب والرقيق والموهوب الكبير غريبة هي الروح بعدك صديقي المدهش لأنك كنت تستقبلنا هلا عيني وكانت عيونك ترصد كل شيء في وطنك الذي تحب فحذرتنا من معاشرة البذات لأنه بلا تالي ويغدرك في منتصف الطريق، شكراً محسن فرحان لأنك مررت بحياة العراقيين وكنت أيقونة يقتدى بها أخلاقياً وأبداعياً، شكراً لك لأنك مررت بحياتي وكنت صديقي العذب الذي أحب مجالسته”.
الصحفي والمخرج علي السومري يستذكر ذكريات الأيام الأخيرة مع فرحان محسن، حيث كان قريباً منه، إذ يقول “قبل ثلاثة أيام كنت أقف أمام باب قسم التمريض الخاص مستشفى الكندي، منتظراً الصديق إبراهيم هو الذي كان قرب باب الإنعاش الذي يرقد فيه محسن فرحان، علّه يستطيع الدخول إليك لأتبعه، لكننا فشلنا، لم نستطع رؤيتك أيها الحبيب”.