ج1/مذكرات دبلوماسية بين العراق وتركيا وسوريا في سنة 1996 حول مياه الرافدين
علاء اللامي
نشرت في كتابي “القيامة العراقية الآن … كي لا تكون بلاد الرافدين بلا رافدين” وعلى شكل ملحق مجموعة من المذكرات الرسمية المتبادلة بين وزارتي الخارجية العراقية والسورية والسفارتين التركيتين في بغداد ودمشق، أعيد هنا نشر فقرات منها لأخذ فكرة عن لغة الخطاب الدبلوماسية حول هذا الموضوع الخطر ودرجة العنجهية والغطرسة الحكومية التركية واستهتارها بالقانون الدولي ومبادئ حسن الجوار والرابطة الإسلامية بين شعبي البلدين في ردها على المذكرات العراقية والسورية. ترقيم الفقرات من وضعي وتعليقاتي عليها تبدأ بنجمة:
أولا/ فقرات من مذكرة الخارجية العراقية إلى السفارة التركية في بغداد بتاريخ 4 كانون الثاني 1996 م:
1- تهدي وزارة خارجية وزارة جمهورية العراق أطيب تحياتها إلى وزارة الخارجية في الجمهورية التركية، وإذْ تشير إلى ما تناقلته وكالات الأنباء بتاريخ 20 تشرين الثاني – نوفمبر 1995 حول توقيع السيدة تانصو شيللر رئيسة الوزراء التركية على اتفاق مع مجموعة شركات أوروبية و (44) مصرفا لتمويل إنشاء سد (بيرجك) على نهر الفرات، وإلى ما ذكرته الصحف التركية يوم 10/12/1995، من الإعلان عن مناقصة لإنشاء سد (قره قامش) على النهر المذكور، تود أنْ تؤكد مذكرتها السابقة حول القضايا المتعلقة بمياه النهرين الدوليين المشتركين (دجلة والفرات) وخاصة ما يتعلق بإنشاء السدود عليهما، ومن تلك المذكرات مذكرتها ذات العدد 7/3/66870 والمؤرخة في 1/11/1993، التي أعادت فيها الوزارة اعتراضها على نية الحكومة التركية إنشاء سد (بيرجك) على نهر الفرات.
2- أنَّ الجانب التركي، كان يرفض دوماً تلك الاقتراحات ويؤكد من خلال استمراره بإنشاء المشاريع، عدم اكتراثه بالأضرار التي تصيب حقوقهما، مخالفاً بذلك قواعد القانون الدولي التي تنظم استخدام المجاري المائية بين الدول المتشاطئة عليها، وخاصة ما يتعلق منها بوجوب التشاور عند نية أحد الأطراف إقامة مشاريع جديدة على المجرى المائي المشترك.
3- ولذلك فإنَّ حكومة جمهورية العراق، إذْ تؤكد هنا اعتراضها على نية الحكومة التركية المباشرة بتنفيذ مشروع الفرات الحدودي بجزأيه، ( سد بيرجك ) و ( سد قره قامش)، فإنها إنما تجدد اعتراضها على المشاريع التي يتضمنها (مشروع جنوب شرقي الأناضول – غاب) لما لها من تأثيرات خطيرة على حقوق العراق في مياه نهري دجلة والفرات، ما يتطلب إعادة توضيح بعض الجوانب الأساسية ذات الصلة بموضوع المياه المشتركة ومنها:
4-إنَّ معدل الوارد المائي لنهر الفرات قد انخفض انخفاضاً كبيراً بعد مباشرة تركيا بإنشاء المشاريع عليه، وعند الاعتراض على ذلك، كان الجانب التركي يتذرع بأنه سيتمسك بإطلاق (500) متر مكعب في الثانية في فترة إملاء السدود، كما كان يعلن في كل مرة أنه بصدد التوصل إلى اتفاق مع كل من العراق وسوريا لتحديد حصص البلدان الثلاثة من مياه الأنهار المشتركة، ولكن ما يؤسف له أنَّ الجانب التركي صار يتمسك بهذه الكمية وكأنها القاعدة التي تحدد بموجبها التزامه تجاه البلدين، وهو ما لا يمكن قبوله، لقد كان مجموع الإيرادات المائية السنوية لنهر الفرات عند الحدود التركية – السورية وفق القاعدة أعلاه تقدر بحدود (15,7)مليار متر كعب، في حين كان معدل تلك الإيرادات في الفترة التي سبقت إنشاء المشاريع التركية يقدر بحدود (30,2 ) مليار متر مكعب أي بفارق (14,5 ) مليار متر مكعب تقريبا. إنّ هذا الفارق يشكل نقصاً خطيراً في الإيرادات المائية. إذْ لا يمكن أنْ تؤمن الكمية التي تطلقها تركيا وفق قاعدة (500 م 3/ ثانية) الاحتياجات المائية لكل من العراق وسوريا، الأمر الذي يلحق أفدح الأضرار بمشاريعهما القائمة، بل ويوقف خططهما المستقبلية.
*تعليقي: حتى كمية 500 متر مكعب في الثانية أنقصتها تركيا حاليا إلى النصف وهذه هي نتيجة السياسات العراقية البائسة والاستسلامية التي انتهجتها الحكومات العراقية المتوالية ورفضها لتدويل المشكلة.
5- إنَّ النقص في كمية المياه صاحَبَهُ تردٍّ خطير في نوعيتها بسبب زيادة نسبة الملوحة ونِسب التراكيب الكيمياوية الأخرى، وأنَّ الأمر يزداد سوءاً مع كل مشروع تركي جديد، ومع استمرار تركيا باستخدام المواد الكيمياوية في زراعة الأراضي ضمن مشروع جنوب شرقي الأناضول، وإعادة تصريف نسبة كبيرة من المياه التي تستخدم في ري تلك الأراضي باتجاه المجرى الرئيس للنهر. فلقد بات ذلك ينذر بكارثة بيئية خطيرة تهدد الحياة البشرية في حوض نهر الفرات في العراق.
6- قبل البدء بإنشاء أول سد على نهر الفرات في تركيا- هو سد كيبان- دعا العراق إلى مفاوضات بين الدول الثلاث المستفيدة من النهر المذكور لغرض تحديد حصة كل دولة من مياهه بموجب قواعد القانون الدولي والأعراف الدولية التي تحدد أسس الاستفادة من مياه الأنهار الدولية المشتركة. وبالفعل بدأت المفاوضات بين العراق وسوريا وتركيا لاقتسام مياه نهر الفرات منذ 1962 إلا أنها لم تؤد إلى التوصل إلى اتفاق نهائي وذلك بسبب رفض الجانب التركي لهذا المبدأ أصلا وعدم اعتبار نهر الفرات، وكذلك نهر دجلة ( نهران دوليان)، إذْ يصفهما بأنهما مياه عابرة للحدود.
7- من المفيد هنا التذكير أيضاً، بالمعاهدات التي عقدت بين تركيا ودول أخرى، مثل الاتحاد السوفيتي السابق واليونان وبلغاريا، في مجال تنظيم استخدامات الأنهار الدولية المشتركة بينها والمشابهة لوضع نهري دجلة والفرات، كنهرين دوليين، وقد أشير في تلك المعاهدات إلى استلهامها لقواعد القانون الدولي ذات الصلة ومبادئ حسن الجوار.
8- نؤكد أنَّ استمرار تركيا بإنشاء السدود وغير ذلك من المشاريع عليهما دون التشاور مع شريكيها في استخدام مياههما، تشكل مخالفة للنظام القانوني المذكور، كما أنَّ الوزارة تؤكد حرص العراق على التعاون التام مع كل من سوريا وتركيا للتوصل إلى اتفاق عادل لقسمة وتحديد حصص كلِّ دولة.
ثانيا/مذكرة الرد من السفارة التركية إلى الخارجية العراقية/ الرقم 6600/17/96:
1-تهدي سفارة الجمهورية التركية في بغداد تحياتها إلى وزارة خارجية جمهورية العراق. وبالإشارة إلى مذكرة الوزارة المؤرخة في 8/1/1996 المتعلقة بوجهة نظر العراق بشأن إنشاء السدود على نهر الفرات من قبل تركيا، وبشأن التلوث الذي زعم أنه من جراء الأنشطة الإروائية من الأراضي المتاخمة، تتشرف أنْ تسترعي انتباه الوزارة إلى ما يلي:
2- تطور قانون استخدامات المياه العابرة للحدود في الأغراض غير الملاحية، يجري باتجاه صياغة اتفاقية إطارية. ولكن هذا القانون لم يكتمل بعد ، كما أنه لا يوجد عرف دولي موحد، والسبب الرئيس لذلك، وليس الوحيد، هو التنوع واختلاف خصائص المجاري المائية العابرة للحدود، والحاجات الإنسانية التي تلبيها. ومع ذلك فإن قاعدة الاستخدام المنصف والمعقول للمياه، هي المبدأ الموجه بالنسبة إلى مصالح الدول المتشاطئة لتحقيق أمثل استخدام ومنافع من تلك المياه بما ينسجم مع توفير الحماية الكافية والمحافظة عليها.
*تعليقي: بعد عدة أشهر على هذه المذكرة التركية اكتمل القانون الدولي المذكور وأقرَّ من قبل الأمم المتحدة بتاريخ 21 مايو 1997ولكن تركيا رفضت التوقيع عليها والاعتراف بها. وماتزال ترفض لأنها لا تعتبر الرافدين نهرين دوليين بل هما من وجهة النظر التركية نهاران تركيان عابران للحدود، وما تتركه يعبر الحدود من مياه بمثابة صدقة!
3-إن الفكرة القائلة بأنَّ المجاري المائية العابرة للحدود هي مورد طبيعي يمكن “تقاسمه”، قد رفضت بشكل قاطع منذ بداية العمل الهادف إلى صياغة اتفاقية دولية إطارية بشأن الموضوع. كما أنَّ مصطلحي “الحصص” و “التوزيع” غير مقبولين أيضاً.
*تعليقي: تركيا ترفض أي تقاسم للمياه كحصص محددة بالمتار المكعبة لكل بلد بل تقول إن الاتفاقية الدولية التي لم تعترف بها تقول بتقاسم استخدامات مياه المجرى المائي وليس تقاسم مياه المجرى المائي بعدل وإنصاف وشكل معقول، رغم أنهاوقعت اتفاقية 500 متر مكعب على ثانية مع سوريا كما ذكرنا!
4- لقد مارست تركيا العناية المطلوبة في ما يتعلق باستخدام المجاري المائية موضوع البحث. ولهذا فإنَّ الإدعاء بأن الأنشطة الإروائية الحالية في تركيا تسبب التلوث في العراق، هو ادعاء غير معقول. وعلى أية حال، فإنَّ هذا الادعاء يبين بوضوح بأنَّ المسألة معقدة جدا، ولا يمكن التقليل من شأنها وجعلها مسألة “تخصيص مياه” كما يدعي العراق. واستنادا إلى مصادر مستقلة، فإن هناك أدلة واضحة على تلوث مياه نهر الفرات بكثرة بسبب طرق الري غير الصحيحة التي تستخدمها سوريا. ومن الواضح أيضا، أنَّ أي شكاوي عراقية حول التلوث، يجب أنْ توجه إلى سوريا، باعتبارها دولة أعلى المجرى المائي مباشرة بالنسبة إلى العراق.
*تعليقي: تركيا تلقي باللوم في موضوع تلويث مياه الفرات على سوريا، وسنرى في مذكرة سوريا / في منشور لاحق، حقائق بالأرقام تؤكد أن التلوث مصدره تركيا. ثم أن تركيا تصر على اعتبار دجلة والفرات حوضا هايدروليكيا واحدا، وهذا غير صحيح علميا وقد فنده المتخصصون بالهايدروليكا العراقيون وأصروا على اعتبارهما حوضين مستقلين جيولوجيا وطوبوغرافيا وفي موسمي فيضانات مختلفين، وقد ارتكب وزير الموارد المائية السابق حسن الجنابي / سفير العراق الحالي لدى تركيا، خطأ كبيرا حين تبنى الموقف التركي في مقابلة صحافية له، وقد كتبت عن ذلك مقالة، وأرسلت له مقالتي التصحيحية قبل نشرها –احتراما لعلاقة مراسلة كانت له مع رفيقي الراحل هادي العلوي، في رسالة على بريده الخاص في صفحته على الفيسبوك 13/1/2018، منبها الى هذا الخطأ، فلم يرد على رسالتي بحرف، فنشرتها في الصحافة العربية والعراقية، فلم يعد لتكرار هذا الموقف التركي بل ذكر في لقاء آخر عبارة “حوضي دجلة والفرات”، وحسنا فعل وصحح خطأه، فالمهم عندي هو تراجعه عن هذا الخطأ وليس الرد على رسالتي فأنا لا أهتم في قليل أو كثير مخاطبة الوزراء ولولا المصلحة الوطنية لما كنت قد كتبت إليه.
*في المنشور القادم سأنشر وأناقش مذكرة سورية والرد التركي عليها.
*رابط مقالتي ” تركيا ستقطع نصف دجلة، فماذا قال الوزير العراقي للمياه؟