كارل راديك والمعارضة
قادة المعارضة اليسارية في عام 1927. الجالسون: سيريبرياكوف ، راديك ، تروتسكي ، بوغوسلافسكي ، بريوبرازينسكي. الواقفون: راكوفسكي ، دروبنيس ، بيلوبورودوف ، سوسنوفسكي.
شهدت الصحافة العالمية، خلال الأسابيع القليلة الماضية، نقاشات واسعة حول “تفكك” المعارضة الروسية، وغالبا ما كان يطلق على الرفيق راديك اسم زعيم المجموعة التي انضمت إلى ستالين. قد يستنتج غير المطلعين -وهم الأغلبية في الغرب- من هذا أن راديك قد تحول مؤخرا فقط من المعارضة إلى الوسطيين في الجهاز. في حين أن تذبذب الرفيق راديك قد استمر، في الواقع، منذ حوالي عام ونصف. وسيكون من الأصح أن نقول إن طريق الرفيق راديك، منذ عام 1923، لم يتقاطع مع خط المعارضة إلا لكي ينتقل منها إلى اليمين أو إلى اليسار -في غالب الأحيان إلى اليمين- ثم عاد مرة أخرى والتقى بالخط السياسي للمعارضة. لقد دافع راديك إلى حدود عام 1926 عن أنه سيكون من المستحيل تنفيذ أي سياسة اقتصادية بخلاف سياسة ستالين وبوخارين. واستمر حتى عام 1927 يتوهم أنه سيكون من الممكن التعاون مع براندلر ومجموعته. وقد كان راديك ضد مغادرة الحزب الشيوعي الصيني للكومينتانغ. وبعد الإضراب العام البريطاني، كان راديك ضد حل اللجنة الأنجلو-روسية. ثم بعد أن قام جناحا الكومينتانغ اليميني واليساري بخيانة الثورة، كان راديك ضد شعار دكتاتورية البروليتاريا ودافع عن شعار الديكتاتورية “الديمقراطية”، وفسر هذا الشعار بنفس الطريقة التي فسره بها ستالين وبوخارين ومارتينوف. في 1923-1924 كان راديك يؤكد بأن نظرية الثورة الدائمة هي في الأساس نفس خط لينين الاستراتيجي. لكن في عام 1928 حاول إقامة تناقض كامل بين لينين وتروتسكي حول هذه المسألة. وكان عليه أن يكرر، مع تحفظات طفيفة، حجج زينوفييف المبتذلة. وعلى الجانب الآخر، فيما يتعلق بمسألة الترميدور والحزبين، اتخذ راديك موقفا يساريا متطرفا في عام 1927. حاول عدة مرات أن يعلن أن الترميدور قد “تحقق” بالفعل. وقد رفض لبعض الوقت التوقيع على الأرضية[1] وذلك فقط لأنها دافعت بشكل قاطع عن وحدة الحزب. لا يوجد شيء غير طبيعي في هذا المزيج من الاستنتاجات اليسارية المتطرفة والاستنتاجات اليمينية. بل على العكس من ذلك، فإن تاريخ الكومنترن حافل بمثل هذه التوليفات. ولا يوجد أي شيء غير طبيعي في انتقال راديك بهذه السهولة من الاستنتاجات اليسارية المتطرفة بشأن مسألة التيرميدور والحزبين، إلى طريق المصالحة غير المبدئية مع التذبذب اليساري الوسطي. لقد رأينا في بلدان أخرى، لا سيما في ألمانيا، مدى سهولة انتقال الأشخاص الذين اتهموا المعارضة الروسية “بعدم الذهاب بعيدا بما فيه الكفاية” والذين أعلنوا في عشرات المرات أن الترميدور قد “تحقق” بالفعل، بأمتعتهم الخفيفة الى معسكر الاشتراكية الديمقراطية.
من المؤكد أن لا أحد منا يقصد وضع راديك في نفس السلة مع هؤلاء المتقلبين. يحمل راديك في رصيده ربع قرن من العمل الماركسي الثوري. وهو ليس فقط غير قادر على دعم الاشتراكيين الديمقراطيين، بل ومن المشكوك فيه أيضا أن يتمكن من الانضمام إلى الستالينيين. وعلى أي حال فإنه لن يكون قادرا على التعايش معهم. إنه ماركسي أكثر من أن يكون كذلك، وقبل كل شيء، هو أممي أكثر من أن يكون كذلك. يكمن سوء حظ راديك في مكان قوته: في اندفاعه المفرط.
راديك هو بلا شك أحد أفضل الصحفيين الماركسيين في العالم. وذلك ليست فقط لدقة وقوة أسلوبه، كلا، إنها، أولا وقبل كل شيء، قدرته على التفاعل بسرعة مذهلة مع الظواهر والميول الجديدة وحتى مع أعراضها الأولى. هذه هي نقطة قوة راديك. لكن قوة الصحفي تصبح مصدر ضعف عند السياسي. راديك يبالغ ويستبق كثيرا. إنه يستخدم مقياس المسافات الطويلة عندما يكون الأمر متعلقا بمجرد بوصات. ولذلك فإن غالبا ما يجد نفسه على يمين أو على يسار -غالبا على يمين- الخط الصحيح.
عندما كنا نعيش في موسكو، كان اندفاع راديك في كثير من الأحيان في خدمة المعارضة. كان، في كل جلسة تقريبا، يطرح اقتراحات لإحداث تغييرات حاسمة في سياسة المعارضة، سواء بشكل عام أو في هذه المسألة أو تلك. كان عادة ما يقابل بمقاومة ودية وسرعان ما يتراجع. لكنه في ابتكاراته المبالغ فيها والخطيرة تلك، كان يمكن للمرء، في كثير من الأحيان، أن يجد بعض الملاحظات القيمة أو انطباعا جديدا. هذا هو السبب في أن مشاركة راديك كانت دائما مفيدة للعمل الجماعي. ولم يفكر أحد منا في وضع قائمة بتعرجات راديك العديدة، إلى اليمين وكذلك إلى اليسار؛ على الرغم من أنه في كثير من الأحيان تكون التعرجات إلى اليمين أكثر من اليسار. لكن المشكلة تكمن في أنه منذ عام 1928 تم تفريق قيادة المعارضة. تم فصلنا جميعا عن بعضنا البعض بمسافات هائلة وتركنا بمفردنا. ومن الواضح أنه في ظل هذه الظروف سيكون اندفاع راديك مضرا به إلى حد كبير.
منذ فبراير 1928 قام الرفيق راديك بمنعطف مفاجئ للغاية في مسألة الترميدور ومسألة “الحزبين”. لم يتنبأ بإمكانية مقاومة الوسطيين لليمين، مثله تماما مثل أولئك الذين سمعوا عن الترميدور منا لأول مرة وبدأوا على الفور يزعمون أنه “تحقق” بالفعل. وبما أن راديك لا يكتفي فقط بتكرار العبارات الفارغة العامة، بل يحاول ملاحظة الحقائق وفهمها، فقد ذهب إلى النقيض المعاكس. بعد فبراير 1928، بدأ الستالينيون يبدون له على أهم ماركسيين، وبدا له أن الترميدور مجرد أسطورة تقريبا. لو كنا جميعا في موسكو، لكان راديك على الأرجح سيهدأ بعد مبالغاته الأولى، حتى يحصل على إلهام جديد. لكن راديك كان في سيبيريا. أرسل رسائل وأطروحات لعدد من الرفاق. وقد هاجمه الجميع. لقد تم اعتراض تلك المراسلات من قبل جهار الغيبيو (GPU) وتم تسليمها إلى اللجنة المركزية. أبلغ ياروسلافسكي عن وجهات نظر راديك في الاجتماعات، مما أدى إلى تشويش الوضع برمته بسبب عدم الفهم ومن خلال قول أكاذيب خبيثة. وهكذا أصبح راديك أسير طبعه المندفع. بدأ يغير الحقائق في جهوده لتعزيز موقفه. وأُجبر أكثر فأكثر على تلوين تعرجات ستالين من أجل تبرير تعرجاته هو.
لقد استمر هذا، كما ذكرنا من قبل، منذ حوالي عام ونصف. في يوليوز من العام الماضي، كتب راديك مسودة مناشدة إلى المؤتمر السادس. في ذلك الوقت كان ما يزال يُسمح للمنفيين بالتراسل بحرية إلى حد ما؛ كان الستالينيون يأملون في أن يظهر الانقسام بسرعة أكبر بهذه الطريقة. ومن خلال تبادل البرقيات بين المعارضين، تم إجراء نوع من التصويت على نصي المناشدة إلى المؤتمر السادس. حصل راديك على ستة أصوات. وحصلت مسودتي على عدة مئات من التوقيعات. وفي النهاية أرفق راديك اسمه أيضا بالإعلان الجماعي.
في 17 يوليوز 1928، قمت بإخضاع مسودة أطروحات راديك للتحليل في رسالة بعثتها إلى المنفيين وإلى موسكو. وأنا أعتبر أن الوقت مناسب لنشر ذلك التحليل الآن. سيقتنع القارئ من خلال ذلك، كما آمل، أن راديك قام في عام 1929 بإضافة القليل لأخطائه لعام 1928. لكن وعلى أي حال، فإنه لا يمكن لتلك التعرجات الفردية أو الجماعية، وحتى عندما ترتكب بأحسن النوايا، أن تحول المعارضة عن مسارها.
26 مارس 1929
(تمت الترجمة نقلا عن النص الانجليزي لموقع الماركسيين على الانترنت)
هوامش:
[1] الأرضية: المقصود بها الأرضية السياسية للمعارضة المتحدة. المترجم.