علي حسين
الإنسان أولاً.. قالها عظيم الفرنسيين فولتير، وأعتذر للقرّاء الأعزاء، عن كثرة الاقتباسات من الكتب، وكان غريمه جان جاك روسو يجد أن الدولة العادلة هي التي تحترم قيمة الحياة، عاش فولتير مطارداً، ومثله روسو، لكن بعد سنوات حمل رجال الثورة توابيت روسو وفولتير على الأعناق ليُدفنوا في مقبرة العظماء .
تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة والعشرون لرحيل شاعر العراق الأكبر محمد مهدي الجواهري الرمز الوطني الذي أرّخ للبلاد وأحداثها فكان هو العراق لساناً ودماً وكياناً، صاحب أخي جعفر، وآمنت بالحسين، وقلبي لكردستان، تمر ذكراه ونحن نعيش عصر أمراء الطوائف والمحاصصة البغيضة والبحث عن الغنائم، عصر المحسوبية والانتهازية، والنواب الذين يتهالكون على الامتيازات أكثر من تهالكهم على حضور جلسات البرلمان، عصر وُزّعت فيه رواتب تقاعدية لسياسيين أمضوا تسعة أشهر في الخدمة قضوها بين مصايف لبنان وأبراج دبي. أيها الشاعر المكافح في سبيل عراق حر وديمقراطي، دعاة الديمقراطية اليوم منشغلون بمعركة كسر العظم .
هناك أشخاص يحفرون أسماءهم في ذاكرة شعوبهم، وقد نختلف أنا وأنت في تقييمنا لشخص ما، لأن الأمر يتعلق مرة بالعواطف، ومرات أخرى بالمصلحة، ومرّات كثيرة بالتعصب، لكن لا يمكن أن نختلف على أنّ الجواهري ولد ومات وهو يمثّل جوهر الوطنية العراقية، حيث تجمعت في شعره وحياته ومواقفه كلّ أفراح العراقيين وأحزانهم ونضالهم من أجل الحرية والخير والعدالة الاجتماعية.. ولا أعتقد أن الجواهري بحاجة إلى شهادة تثبت وطنيته، ولهذا سأعود للحديث عن معركة النشيد الوطني، سيقول قارئ عزيز: لماذا يارجل تستغرب ونحن نعيش في بلاد لا تزال حتى هذه اللحظة لا تحتفل بعيد وطني؟، وأنا وأنتم نعرف أنّه في كل دول العالم هناك يوم وطني يمثل الحدث الأبرز في تاريخ هذه الدولة، إلا في هذه البلاد التي يستكثر عليها البعض أن يكون لها يوم وطني.
منذ عقود وبرلماننا “الرشيد” سخّف موضوعة الوطنية، فلم تعد لها قيمة، ووجدنا من يسخر من العلَم والنشيد الوطني، وعشنا الموقف الدرامي الذي قدّمه لنا المواطن البرازيلي ماجد النصراوي أيام كان محافظاً البصرة، عندما رفض سماع النشيد الوطني العراقي بسبب استخدام الآلات الموسيقية، اعتقاداً منه أنها تسبب الضرر لعقيدته الدينية !.
وفى النهاية إسمح لي بأن أقول لك أيها الجواهري الكبير، عفواً.. هذا ليس زمانك وبالتالي لا تحزن ، فنحن ما زلنا نعيش عصر الطرطرا الذي وصفته أبلغ وصف،”أي طرطرا تطرطري تقدمي تأخري تشيعي، تسنني، تهودي، تنصري، أي طرطرا إن كان شعب جاع أو خلق عري، أو صاح نهباً بالبلاد بائع ومشتري”.