ترجمة: سعيد العليمى
فلاديمير لينين .
كتب لينين هذا المقال قبل ان يتبنى فكرة استمرارية الثورة بسنوات طويلة ( 25 فبراير ، 1905 ) وتناول فيه مسألة تنظيم الثورة ، وتنظيم الانتفاضة ، والموقف من قيادات الحركة العفوية ، واهمية منظمة محترفة من القادة والمحرضين ، غير انه دافع دائما وفى كل الاحوال عن استقلال وقيادية الطبقة العاملة ، ولم يقبل بفكرة تذيل البورجوازية فى كل الاحوال . وفى الوقت الذى كان يرى فيه ان الثورة تندلع عفويا ولايمكن تأقيتها الا انه شدد على الدور القيادى التنظيمى المسبق لطليعة الثورة فى الاعداد السياسي والفنى للانتفاضة . وقد عبر دائما عن الفكرة القائلة بأن الطبقة الكادحة التى لاتتعلم استخدام السلاح دفاعا عن نفسها هى طبقة تستحق ان تعامل معاملة العبيد . والحال ربما باستثناء الحزبين الشيوعيين العراقى والسودانى لم تطرح الانتفاضة على جداول الاحزاب الشيوعية العربية التى قادتها ذيلية اغلبها الى الدوران فى فلك البورجوازيات فى انتظار ” استكمال دورها التاريخى ” القومى او ” الوطنى ” . بل وتباهى مثقفيها بانهم لم يحملوا فى حياتهم سوى الاقلام . يشدد لينين فى اللحظة الاعتيادية على الشعار الدعائي للانتفاضة وفى لحظة الثورة الفعلية على العملى الملموس اى السياسي- الفنى . ويدرك ان الاثارة والتحريض ( اسقطوا — ازحفوا – حاصروا – حرروا ) بغير منظور ثورى ومنظمة من القادة والمحرضين هى تبديد للطاقة الثورية
الشعبية .
هل ينبغى علينا ان ننظم الثورة ؟ ف . إ . لينين
لقد حدث ذلك منذ زمن طويل طويل ، ربما أكثر من عام مضى . حدث ان ظهرت “خلافات رئيسية ” فى حزبنا الروسي ، وفقا لشهادة الاشتراكى الديموقراطى الالمانى غير المجهول بارفوس . وقد باتت المهمة الاولية لحزب البروليتاريا ان يناضل ضد تطرفات النزعة المركزية ، وفكرة ” اصدار الاوامر ” للعمال من احد المواضع الغامضة فى جنيف ، والمغالاة فى تقدير فكرة منظمة من المحرضين ، منظمة من القادة . هكذا كان الاعتقاد العميق الثابت الذى لايتزعزع لدى المنشفى بارفوس ، وقد عبر عنه فى جريدته من عالم السياسة عدد 30 نوفمبر ، 1903 .
لقد اشير فى هذا الوقت الى للمبجل بارفوس ( انظر خطاب لينين لمحررى ايسكرا ، ديسمبر 1903 * ) انه كان ضحية لنتفة من تجارة الفضائح ، وان ماعده خلافات رئيسية كان فى اساسه مجرد شجارات ، وان التحول فى افكار الايسكرا الجديدة ، الذى بات ملحوظا ، كان تحولا نحو الانتهازية . صمت بارفوس صمتا مطبقا ، ولكن ” افكاره ” حول المغالاة فى اهمية تنظيم القادة قد التقطها وأيدها واشتغل عليها الايسكريون الجدد حتى الموت .
ومرت اربعة عشر شهرا . وبات العمل المعيق للمناشفة داخل الحزب والطبيعة الانتهازية لدعايتهم واضحا تماما . لقد اظهر 9 يناير ، 1905 تماما الاحتياطى الواسع للطاقة الثورية التى تملكها البروليتاريا وكذلك عدم تلاؤم التنظيم الاشتراكى كلية . استرد بارفوس وعيه . وكتب مقالة فى الايسكرا ، عدد 85 ، مثلت فى الحقيقة تغييرا كاملا فى الاتجاه من الافكار الجديدة الانتهازية للايسكرا الجديدة الى الافكار الثورية للايسكرا القديمة . ويتعجب بارفوس مشيرا الى الاب جابون ” كان هناك بطل ، وليس قائدا سياسيا ، حيث لابرنامج عمل ، ولاتنظيم … وقد ادى الافتقار للتنظيم الى نتائج درامية … الجماهير غير موحدة ، كل شئ بلا خطة ، مامن مركز للتلاحم والانصهار ، مامن برنامج مرشد للعمل ….. لقد تدهورت الحركة نظرا لافتقارها لتنظيم مرشد يصنع التلاحم ” ويطرح بارفوس الشعار الذى اقترحناه فى العدد رقم 6 من جريدة فبريود – ” نظموا الثورة ! ” ** . لقد اقنعت دروس الثورة بارفوس ” اننا لانستطيع فى ظل الاوضاع السياسية الراهنة ان ننظم مئات الألآف ” ( الاشارة للجماهير المستعدة للانتفاض ) . ويقول مكررا لسبب وجيه فكرة جرى التعبير عنها منذ زمن طويل فى كتاب ماالعمل ؟ ” ولكننا نستطيع ان ننشئ تنظيما يمكن ان يخدم كبوتقة للتفاعل والاختمار ، وفى لحظة الثورة ، يحشد مئات الالاف الى جانبه . يجب ان ننظم حلقات العمال التى سوف يكون لها مهمة محددة بوضوح ، وهى ، ان تعد الجماهير للانتفاض ، ان تحشدهم لجانبنا فى وقت الانتفاض ، وان تشن الانتفاضه حين يطلق الشعار ” .
اخيرا ! صحنا بارتياح ، حين جابهتنا تلك الحقائق القديمة التى دفنت وسط نفاية الايسكرا الجديدة . اخيرا تجاوزت الغريزة الثورية لاحد كوادر الحزب البروليتارى ، حتى ولو مؤقتا ، انتهازية جريدة رابوتشييه ديلو . اخيرا نسمع صوت اشتراكى ديموقراطى لاينكمش امام مؤخرة الثورة متصاغرا ، لكنه يشير بلا وجل الى الحاجة لدعم عربة الثورة .
لم يكن من الممكن للايسكريين الجدد بالطبع ان يوافقوا بارفوس . تقول ملاحظة المحرر ” نحن لانشاطر الرفيق بارفوس كل وجهات النظر التى عبر عنها هنا ” .
يجب ان نقول لا ! اقبض عليهم ” يشاركون ” وجهات النظر التى تنتقد بقسوة كل الهراء الانتهازى الذى كانوا يقيؤونه على مدى الثمانى عشر شهرا الاخيرة !
” نظموا الثورة ! ” ولكن اليس لدينا رفيقنا الحكيم مارتينوف ، الذى يعرف ان الثورة يسببها تغيير كامل فى العلاقات الاجتماعية ، ومن ثم فلايمكن توقيت الثورة ؟ سوف يبين مارتينوف لبارفوس خطأه وسوف يبرهن على انه اذا كان الاخير قد راودته فكرة تنظيم طليعة الثورة ، فانها ماتزال مع ذلك فكرة ” يعقوبية ” ” ضيقة ” ” هدامة ” . اضف الى ذلك ، فإن الحكيم مارتينوف لديه تريابيشكين **** عازف فى شكل مارتوف ، وهو قادر على جعل معلمه اكثر عمقا ويمكن له ان يستبدل بشكل جيد شعار ” اطلقوا الثورة ” محل شعار ” نظموا الثورة !” ( انظر عدد رقم 85 ، التشديد من المؤلف ) .
نعم عزيزى القارئ ، هذا هو الشعار الذى يقدم لنا فى افتتاحية الايسكرا . ومن الواضح ، فى هذه الايام ، انه يكفى ان ” نطلق ” لساننا فى عملية هذر بلا ضوابط ، او لعملية الهذر ، حتى يكون بمقدورنا ان نكتب مقالات افتتاحية . يتطلب الانتهازى بشكل دائم شعارات نكتشف عند الفحص المتمعن انها ليست شيئا سوى مظاهر عليا صوتية ، ليست شيئا سوى شعوذة كلامية منحطة.
” تنظموا ثم تنظموا ! ” يلح بارفوس ، على العالم كله وكأنه قد اصبح بلشفيا . وهو لايفهم ، رفيقنا المسكين ، ان التنظيم عملية ( الايسكرا عدد رقم 85 ، وكذلك الاعداد الاسبق من الايسكرا الجديدة ، وخاصة الحلقات الرائعة للرائعة روزا ) . وهو لايعلم ، هذا الشيطان البائس ، انه طبقا لكامل روح المادية الجدلية ، فإن التاكتيك هو عملية بقدر ماهو التنظيم . وهو يجول مثل ” متآمر ” بتنظيمه بوصفه خطة . وهو يتخيل مثل ” الطوباوى ” انه يمكن لنا ببساطة ان نوقف الشئ على قدميه وننظمه بشكل مرتجل فى احد المؤتمرين الثانى او الثالث ، لاسمح الله .
انها اعمدة هرقل ” اليعقوبية ” تلك التى يدافع عنها بارفوس .” ان تشن الانتفاضة حين يطرح الشعار ” – تخيل ذلك انها اسوأ حتى من فكرة ” توقيت ” الانتفاض ، التى نسفها مهيبنا مارتينوف . حقا ، كان على بارفوس ان يتلقى درسا او اثنين من مارتينوف . كان عليه ان يقرأ الايسكرا ، عدد رقم 62 ، سوف تنبئه المقالة الافتتاحية بضرر الافكار “الطوباوية ” حول اعداد الانتفاضة ، التى انتشرت قبل الاوان لحد بعيد فى حزبنا فى 1902 و 1904 . كان عليه ان يقرأ مقدمة اكسلرود لكراس ” العامل ” حتى يتعلم ماهو ” الداء الضار عميق الجذور ( هكذا) المدمر للحزب بكل مافى الكلمة من معنى ” . ان الاشتراكية الديموقراطية مهددة من جانب الذين ” يعلقون كل آمالهم على التمردات العفوية لاشد عناصر الجماهير تخلفا ، والاقل وعيا طبقيا ، وعدم تحضر ( ! ) على نحو مؤكد ” .
يقر بارفوس بأنه من المستحيل فى الوقت الحاضر ان ننظم مئات الالاف ، ويعتبر ان مهمتنا الاولى هى ” انشاء تنظيم يمكن ان يخدم كبوتقة للتفاعل والاختمار ” . والحال كيف يمكن للايسكريين الجدد ان يقاوموا ضيقهم حينما تظهر مثل هذه الاشياء فى اعمدة صحفهم ؟ من الواضح ، ان تنظيما يخدم كبوتقة للتفاعل والانصهار هو ببساطة تنظيم للمحترفين الثوريين ، وبمجرد ذكره يفقد الايسكريون الجدد وعيهم ويغمى عليهم .
اننا ممتنون بالفعل للايسكرا على مقالها الافتتاحى ، الذى نشرته بجانب مقال بارفوس . كم يبدو التعارض مميزا بين هذه الشعارات الفارغة ، تجارة الجمل المشوشة للمتذيلين والشعارات الثورية الواضحة ، المميزة ، المباشرة ، والشجاعة للايسكرا القديمة . ليس كلاما طنانا صرفا ان نقول ” سياسة الثقة التى تأفل لن تخدع ابدا روسيا او اوروبا ؟ ” الحقيقة ، يبين اى موضوع فى صحيفة بورجوازية اوروبية ان هذا الخداع مايزال يتواصل بنجاح . ” لقد نالت الليبرالية الروسية المعتدلة ضربة الموت ” . انها لسذاجة سياسية طفولية ان نعتقد ان الليبرالية ميتة حينما تحاول ان تكون ” حصيفة ” فحسب وان تجتنب الانظار . ان الليبرالية حية لاقصى حد ، لقد نالت فرصة جديدة للحياة .وبالفعل ، فهى الآن على عتبة السلطة . ويكمن سبب انها تجتنب الانظار فى انها تريد ان تقدم عرضها للسلطة فى اللحظة المناسبة مع اعظم قدر من التيقن من النجاح وبأقل قدر من المخاطرة . لهذا السبب تجمل نفسها بدأب امام الطبقة العاملة . لابد أن يكون المرء قصير النظر بشكل ميئوس منه ان قدر هذا العبث ( وهو اخطر حين يمارس فى هذا الوقت مائة مرة ) على نحو جدى واعلن بتباه ان ” البروليتاريا – محرر البلاد ، البروليتاريا- طليعة الامة بكاملها قد اعترف بدورها البطولى الآن الرأى العام للعناصر التقدمية للبورجوازية الليبرالية الديموقراطية .” ايها السادة فى الايسكرا الجديدة ، متى ستفهمون ان البورجوازية الليبرالية تعترف بالبروليتاريا كبطل بسبب ان هذه البروليتاريا ، رغم انها توجه ضربة للقيصرية ، ليست قوية بما يكفى ، ليست اشتراكية ديموقراطية بما يكفى لتكسب لنفسها نوع الحرية الذى تريده . متى ستفهمون ان ماينبغى ان نفعله ليس ان نتباهى بشأن انحناء وشجار الليبراليين الراهن ، وانما ان نحذر البروليتاريا منه وان نكشف مايكمن وراءه . الا ترون ذلك ؟ ثم انظروا الى مايقوله الصناعيون ، والتجار ، وسماسرة الاسهم ، حول ضرورة الدستور . كيف تتحدث هذه الاعلانات بوضوح عن موت الليبرالية المعتدلة ! يتبجح الثرثارون الليبراليون عن بطولة البروليتاريين ، بينما يطلب الصناعيون بوزنهم ومهابتهم دستورا هزيلا – هكذا تبدو الامور اعزائي القادة ***.
ولكن لاشئ يمكن ان يقارن بجدالات الايسكرا حول التسلح . ” ان مسألة تسليح البروليتاريا وبناء التنظيم بشكل منهجى وهو ما يضمن هجوم الشعب على الحكومة سوف يجرى فى آن معا فى كل مكان ” قد اعلن انه عملا ” تكنيكيا “(؟! ) . ونحن بالطبع ، فوق مثل هذه التفاهات بوصفها تكنيكا ، نحن نذهب الى جذور الاشياء . ” رغم اهميتها ( الاعمال “التكنيكية” ) ، فلا ينبغى ان نركز عليها جهودنا حال اعداد الجماهير للانتفاض … كل جهود المنظمات السرية لاقيمة لها ان اخفقت ان تسلح الشعب بالسلاح الذى لاغنى عنه – وهو الاحساس بالضرورة الملحة لمهاجمة الاوتوقراطية وان عليها ان تتسلح لهذا الغرض . ان ماينبغى ان نركز عليه جهودنا هو الدعاية وسط الجماهير لأن تسلح نفسها بهدف الانتفاض . ( التشديدعلى المقطعين الاخيرين من المؤلف . )
هذه طريقة عميقة بالفعل لطرح المسألة ، ليست مثل طريقة ضيق الافق بارفوس ، الذى بلغ تقريبا حد ” اليعقوبية ” . ان صلب المسألة ليس فى القيام بالتسليح او البناء المنهجى للتنظيم ، وانما تسليح الشعب بالاحساس بالضرورة الملحة للتسلح . اى شعور مؤلم بالعار للاشتراكية الديموقراطية يحسه المرء عند مرأى هذه التفاهات المبتذلة ، التى تسعى لجر حركتنا للخلف ! تسليح الشعب بالاحساس بالضرورة الملحة للتسلح هو واجب ثابت عام للاشتراكيين الديموقراطيين دائما وفى كل مكان ، ويمكن تطبيقه على قدم المساواة فى اليابان بنفس القدر الذى يمكن تطبيقه به فى انجلترا ، وفى المانيا بنفس القدر الذى يمكن تطبيقه به بالمثل فى ايطاليا . حيثما تكون هناك طبقات مضطهدة تناضل ضد الاستغلال ، فان مذهب الاشتراكيين ، منذ البدايات الاولى ، وفى المحل الاول ، هو تسليحها بالاحساس بالضرورة الملحة للتسلح ، وهذه ” الضرورة ” حاضرة عندما تبدأ الحركة العمالية . على الاشتراكية الديموقراطية ان تجعل هذه الضرورة الملحة مفعمة بالوعى ، ان تبين لهؤلاء الواعين بها الحاجة للتنظيم والعمل المخطط ، الحاجة لأن يوضع فى الاعتبار كامل الوضع السياسي . الاعزاء محرروا الايسكرا ! ارجوا ان تمروا على اى اجتماع للعمال الالمان وانظروا الى الكراهية التى تبدو على وجوههم ، فلنقل ، نحو الشرطة ، اى سخرية مرة سوف تسمعونها واى قبضات مطبقة سوف ترونها هناك ! ماهى القوة التى تكبح هذه الضرورة الملحة من ان توزع حصصا من العدالة الناجزة على البورجوازية وخدمها ممن يسيئون للشعب ؟ انها قوة التنظيم والانضباط ، قوة الوعى ، الوعى بأن اعمال الاغتيال الفردية هى امر عبثى ، وأن ساعة النضال الثورى الجاد للشعب لم تدق بعد ، وأن الوضع السياسي ليس ناضجا بعد . لذلك ، وفى ظل هذه الظروف لن يدع اى اشتراكى الشعب للسلاح ، ولكنه سيجعل واجبه دائما ( والا لن يكون اشتراكيا وانما مجرد شخص مهذار ) ان يسلحهم بالاحساس بالضرورة الملحة لأن يتسلحوا وان يهاجموا العدو . على اى حال ، تختلف الظروف فى روسيا اليوم عن اوضاع العمل الاعتيادية هذه ، وعلى ذلك ، فان الاشتراكيين الديموقراطيين الثوريين ، الذين لم يطلقوا ابدا نداء حتى الآن يدعو لحمل السلاح ولكن زودوا العمال دائما بالاحساس بالضرورة الملحة للتسلح – وعلى ذلك، فان الاشتراكيين الديموقراطيين الثوريين ، مقتفين مبادرة العمال الثوريين ، قد اطلقوا الآن شعار الى السلاح ! فى وقت كهذا ، حين يطلق اخيرا هذا الشعار تعلن الايسكرا بيانا مضمونه ان الشئ الاساسي ليس التسلح ، وانما الضرورة الملحة لأن نتسلح . وماهذا أليس مجرد نزعة مثقفين عقيمة تمزق اوصال المنطق وتريابيشكينية لا امل فيها ؟ الا يجر هؤلاء الناس الحزب الى الخلف بعيدا عن مهام الطليعة الثورية ويدعونه لتأمل ” مؤخرة “البروليتاريا ؟ ان هذا الابتذال الذى لايصدق لمهامنا لايعود الى خصائص فردية لهذا التريابيشكين او ذاك ، وانما لكامل موقعهم ، الذى تشكل على نحو لايضاهى بشعارات التنظيم كعملية والتاكتيك كعملية . ان موقعا كهذا فى حد ذاته يؤدى بالمرء الى ان يخشى كل الشعارات المحددة ، ان يجفل من كل ” الخطط” ان ينكص عن المبادرة الثورية الجريئة ، ان يفلسف ويتأمل ، ان يخشى التقدم بعيدا الى الامام – هذا فى الوقت الذى نراوح فيه نحن الاشتراكيين الديموقراطيين خلف البروليتاريا فى النشاط الثورى . حقا ،ان الموتى يمسكون بخناق الاحياء ، ان النظريات الميتة لجريدة رابوتشييه ديلو تجثم مثل يد ميتة على الايسكرا الجديدة ايضا .
دعونا نقيم حجج الايسكرا فيما يتعلق ب ” الدور السياسي للاشتراكية الديموقراطية بوصفها طليعة للطبقة المقدر لها ان تحرر الأمة “. يقال لنا ” اننا لانستطيع ان نقوم بهذا الدور ، ولاان نؤسس بحزم جدارتنا به حتى لو امتلكنا السيطرة الكاملة على التنظيم الفنى وقيادة الانتفاضة ” تفكروا فى ذلك ! نحن لانستطيع ان نقوم بدور الطليعة حتى لو نجحنا فى ان نتولى القيادة الكاملة للانتفاضة ! ويفترض ان هؤلاء الناس يتحدثون عن الطليعة .! انهم يخشون ان يفرض عليهم التاريخ ان يضطلعوا بالدور القيادى فى الثورة الديموقراطية ، وهم مرعوبون من فكرة ان يتعين عليهم ” قيادة الانتفاضة “. تتوارى الفكرة فى مؤخرة عقولهم – وهم لايجرؤون فقط على الافصاح عنها بصراحة فى اعمدة الايسكرا – ومفادها ان على التنظيم الاشتراكى الديموقراطى الا ” يقود الانتفاضة ” ، وان عليه الايسعى للسيطرة التامة على عملية التحويل الثورى باتجاه الجمهورية الديموقراطية . انهم ، جيروندييى الاشتراكية هؤلاء ممن لاسبيل لصلاحهم ، يستشعرون فى ذلك اليعقوبية المتوحشة ***** . انهم لايفهمون انه كلما جهدنا بشكل اشد لأن نحقق السيطرة التامة على قيادة الانتفاضة ، كلما كان نصيبنا اعظم فى الحصيلة ، وكلما كبرت حصيلتنا ، كلما قل نفوذ الديموقراطيين المناهضين للبروليتاريا او غير البروليتاريين . انهم مصممون على ان يكونوا فى الذيل ، بل انهم قد اخترعوا فلسفة خاصة بهم ليبرهنوا على ان موضع الذيل هو المكان المناسب لهم . وقد بدأ مارتينوف بالفعل فى عرض فلسفته ، وغدا ، بلاريب ، سوف يضع النقاط على الحروف فى اعمدة الايسكرا .
دعونا نتتبع الحجج خطوة خطوة :
” ان البروليتاريا الواعية طبقيا ، التى يحكمها منطق العملية العفوية للتطور التاريخى ، سوف توظف من اجل اغراضها الخاصة كل عناصر التنظيم ، وكل عناصر الاختمار التى تهيئها لها عشية الثورة ….. ”
لطيف ! ولكن ان نوظف كل العناصر يعنى ان نحقق القيادة التامة . تهزم الايسكرا غرضها الخاص ، واذ تدرك ذلك ، تسارع بأن تضيف :
” … ولايفزعها كلية حقيقة ان كل هذه العناصر تسلبها حصتها فى القيادة الفنية للثورة ذاتها وهكذا تساعد بشكل لاارادى فى ان تحمل مطالبنا الى اشد الاقسام تخلفا فى وسط الجماهير .”
هل يمكنك ان تستخلص شيئا مما قيل اعلاه عزيزى القارئ ؟ ان توظف كل العناصر ، ولايفزعها حقيقة انهم يسلبوننا حصتنا فى القيادة ؟ ولكن ، توقفوا ، ايها السادة ، اذا ماوظفنا حقيقة كل العناصر ، واذا كانت مطالبنا بالفعل هى التى تبناها هؤلاء الذين وظفناهم ، عندئذ فان معنى ذلك انهم لم يسلبوننا القيادة ، وانما معناه انهم قبلوا قيادتنا . من ناحية اخرى ، اذا سلبتنا كل هذه العناصر القيادة بالفعل ( وليس فقط القيادة ” الفنية ” ، لأن فصل الجانب ” الفنى ” للثورة عن جانبها السياسي هو هراء محض ) فلسنا نحن من يوظفهم وانما هم الذين يوظفوننا .
” سوف نكون غاية فى السرور اذا ، اتبعنا الكاهن الذى جعل مطلبنا عن فصل الكنيسة عن الدولة شعبيا بين الجماهير ، اذا ، اتبعنا جمعية العمال الملكية التى اعدت المسيرة الشعبية نحو قصر الشتاء ، سوف تجد الثورة الروسية نفسها الأغنى حين يلتحق بها جنرال يكون اول من يقود الجماهير فى قتالها الاخير ضد قوات القيصر ، او موظف حكومى يكون اول من يعلن الاطاحة رسميا بحكم القياصرة ”
نعم ، نحن ايضا ينبغى ان نكون مسرورين بذلك ، ولكن لاينبغى ان نريد ان يطغى شعورنا بالفرح حول الامكانات السعيدة على حسنا المنطقى . ماهو المقصود بأن تجد الثورة الروسية نفسها الاغنى بكاهن او جنرال ؟ المقصود هو ان الكاهن او الجنرال سوف يصبح من انصار اوقائد الثورة . هؤلاء ” المبتدئون ” قد يكونوا او لايكونوا انصارا واعين تماما بمقتضيات الثورة . فى الحالة الاخيرة ( وهى الاكثر احتمالا مع المبتدئين ) علينا ان نستهجن لاان نستحسن ، افتقارهم للوعى وان نبذل اقصى مافى وسعنا لعلاج وسد هذا النقص . بقدرمانترك ذلك ولانقوم به ، بقدر ماستتبع الجماهير قائدا يفتقر الى الوعى ، وعلينا ان نعترف ان ليس الاشتراكيين الديموقراطيين فى هذه الحالة هم من يوظفون هذه العناصر وانما العكس . ان كاهن او جنرال او موظف الامس الذى اصبح من انصار الثورة ، ربما يكون بورجوازيا ديموقراطيا متحيزا ، وللمدى الذى سيتبعه فيه العمال سيكون معنى ذلك ان البورجوازيين الديموقراطيين “يوظفون” العمال . هل هذا واضح لكم ، ايها السادة فى الايسكرا الجديدة ؟ اذا كان واضحا ، لم تخشون اذن افتراض القيادة من قبل انصار الثورة الواعين تماما ( اى ، الاشتراكيين الديموقراطيين ) لم تخشون اكثران يتخذ مسؤولا اشتراكيا ديموقراطيا ( اختار عمدا مثلا مشابها ) وعضوا فى المنظمة الاشتراكية الديموقراطية وضع ” السيطرة الكلية ” على وظائف ومهام جنرالكم الافتراضى بناء على مبادرة وتوجيهات هذه المنظمة ؟
ولنعد الى بارفوس . وهو يختتم مقالته الجيدة بالنصيحة الممتازة بأن نتخلص من غير المنظمين ب ” القاءهم فى البحر ” ، التخلص من غير المنظمين هو ، كما تظهر المواد فى عمود انباء حزبنا ****** الشعار الرائع المشبوب لاغلبية الاشتراكيين الديموقراطيين الروس .
وتحديدا ، ايها الرفيق بارفوس ، يجب ان ” يلقوا فى البحر” باشد الطرق قسوة ، ولابد ان يبدأ الالقاء بابطال الصحافة الاشتراكية الديموقراطية هؤلاء الذين كانوا يعززون التمزق بنظرياتهم عن التنظيم كعملية والتنظيم كاتجاه . ولاتتقوم المسألة فى ان نتحدث عن هذا الامر وانما ان نفعله . يجب ان نجتمع فى مؤتمر يضم كل عمال الحزب الذين يرغبون فى تنظيم الحزب على الفور. ولاينبغى ان نكتفى بالحث والنداء ، وانما ان نضع حدا صارما لكل من يترددون ، لكل من يتذبذبون ، ويراوغون ، ويشكون : ” قوموا بالاختيار! ” اعلنا من المقال الاول فى جريدتنا هذا الحد نيابة عن هيئة تحرير فبريود ، ونيابة عن كتلة عمال الحزب الروسي الذين دفعوا للغضب الشديد بسبب غير المنظمين . اسرعوا ، اذن ، والقوهم فى البحر ، ايها الرفاق ، ودعونا نستقر على عمل التنظيم بإرادة قلبية طيبة . من الافضل لنا ان يكون هناك مائة اشتراكى ديموقراطى ممن قبلوا التنظيم كخطة من ان يكون لدينا الف مثقف من طراز تريابشكين ممن يثرثرون عن التنظيم كعملية .
هوامش
*انظر الطبعة الحالية ، المجلد 7، ص ص 122 – 123 – المحرر.
**انظر ص ص 148 – 57 من هذا المجلد . – المحرر .
***كتبت السطور السابقة حينما تلقينا من المعسكر الليبرالى المعلومات التالية ، والتى ليست بلااهمية .نقل المراسل الخاص فى سانت بطرسبورج للجريدة البورجوازية الديموقراطية الالمانية فرنكفورتر تسيتونج ( 17 ، فبراير ، 1905 ) عن صحفي ليبرالي من سانت بطرسبورج حول الوضع السياسي : ” سيكون الليبراليون اغبياء اذا ماتركوا اللحظة الحاضرة تفلت من ايديهم . يمسك الليبراليون الآن بكل الاوراق ، لانهم نجحوا فى ربط العمال بعربتهم ، بينما لااحد لدى الحكومة ، مادامت البيروقراطية لاتعطى احدا الفرصة ليتقدم للامام “. اية سذاجة رفيعة تهيمن لدى الايسكرا الجديدة حتى يكتبوا عن موت الليبرالية فى لحظة كهذه ! – لينين .
****تريابشكين – نموذج للصحفى عديم الضمير مذكور فى رواية جوجول المفتش العام .
*****الجبل والجيروند – وصفان لمجموعتين سياسيتين للبورجوازية وقت الثورة البورجوازية الفرنسية حوالى نهاية القرن الثامن عشر . الجبل ، او اليعاقبة ، هو الاسم الذى اطلق على الممثلون الاشد تماسكا واتساقا للطبقة الثورية فى هذا الزمن ، البورجوازية التى دعت لتقويض الحكم المطلق والاقطاعية . بخلاف اليعاقبة ، تذبذب الجيروند بين الثورة والثورة المضادة ، ودخلوا فى صفقات مع الملكية .
اسمى لينين الاتجاه الانتهازى فى الاشتراكية الديموقراطية ” الجيروند الاشتراكى ” ، والاتجاه الاشتراكى الديموقراطى الثورى – اليعاقبة البروليتاريون ، ” الجبل” .بعد انقسام ح.ع.ا.د.ر الى بلاشفة ومناشفة ، ولطالما اكد لينين ان المناشفة مثلوا الاتجاه الجيروندى فى حركة الطبقة العاملة .
******كان فى اعتبار لينين موضوعة ” عدم تنظيم اللجان المحلية ” وقرار مجموعتى مينسك واوديسا الاشتراكيتين الديموقراطيتين المنشور فى فبريود عدد رقم 7 ، 21 فبراير (8 ) 1905 ، فى عمود انباء الحزب .
-المصدر : لينين ، الاعمال الكاملة ، المجلد 8 ، ص ص 167 – 176 ، دار النشر للغات الاجنبية موسكو ، 1962 . الانترنت