مضامين كتاب المفكر عبدالحسين شعبان
دين العقل وفقه الواقع.. مشروع لم يُنجز بعد
شيرزاد احمد آمين النجار
يحق لنا أن نعتبر كتاب الأخ المفكر د. عبد الحسين شعبان الموسوم ” دين العقل وفهم الواقع” الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام 2021 من الكتب ذات قيمة فلسفية إجتماعية – سياسية ومن ضمن حقل ” علم الإجتماع السياسي” حسب تصنيف بروفيسور جروج جبور.
في هذا الكتاب يحاول د .شعبان أن يقدم صورة جديدة للدين كظاهرة إنسانية، إجتماعية – سياسية، حيث بدأ كتابه بحديث ” مقلق” عن الدين والتدين والعلم والقانون بالقول: ” ما زالت الحقبة المُظلمة تسكن الكثير من عقولنا… تتحكم في سلوكنا وتهيمن على عاداتنا وتقاليدنا لتفرض الركود والرتابة… لتجرّنا إلى الماضي بدلاً من التطلع إلى المستقبل.”
إذن، الكتاب يبدأ على إشارة محددة: نحن نعيش في الحقبة المُظلمة، وهذه الحقبة هي عصر من عصور التأريخ بسقفٍ كئيب يعكس أوضاع الإذلال الديني والسياسي والأخلاقي.
هذا الوضع يسميه د. شعبان بـ ” الوضع الإغترابي” يواجه المجتمع وبالذات الوسط الديني، ويواجه العالم الذي يتعرض إلى تغييرات هائلة نقف أمامها ” مذهولين” لا حيلة لنا تجاهها سوى الخضوع.
أمام هذه الصورة القاتمة، فإننا بحاجة إلى الإنفتاح والإستعداد الفكري لتفهم وإستيعاب وتقبّل ما يجري الآن بعد عقدين ونيّف من القرن الحادي والعشرين. وهذا يعني أنه علينا أن نفهم ” روح العصر” وإختيار الطريق الصحيح للتفكير والمتمثل بالعقلانية والتحليل.
ومن هنا، إذن، يتناول د. شعبان ككاتب ناقد ومُنظّر ومُحلل في كتابه بالدرس والتحليل مفاهيم الدين والعقل والواقع، أي أنه يبحث عن دين العقل لكي يفهم الواقع، فهل للعقل دين؟
دين العقل…!!!
لا يُصنع الدين تبعاً لإرادة الإنسان، أو بعمل عقلي محض. فالدين في شكله التقليدي ينتج عن ظواهر خارجة عن تلك الإرادة، اللحظات التأريخية هي التي تعمل على ظهوره. الدين ينطلق من تجربة عميقة فيها معاناة إنسانية وجدانية و عاطفية، إذن، ينطلق من أرضية بحث الإنسان عن معنى لوجوده.
في تاريخ الفلاسفة الكبار في نهاية العصر الوسيط، إندلعت تجربة اجتاحت أوروبا في وقتها، وهي تجربة النقاش الجدلي بين أصحاب المعتقدات الفلسفية. أصحاب المدارس الفلسفية المختلفة لم يتركوا أي جانب في الحياة دون مناقشة أو جدل وسِجال يتحوّل في أحيان كثيرة إلى صراع حاد بين المفكرين، من أصحاب الإجتهادات المختلفة، ومن جراء ذلك ظهرت دراسات ومعلومات أثرت وبِعُمق في حياة المجتمعات وتطورها.
من الممكن الإدعاء، بأن د. شعبان من خلال كتابه ( دين العقل… وفقه الواقع) يحاول إعادة تلك التجربة ويخوض جدالاً فلسفياً-دينياً بين الدين والعقل، وقد يكون في ذهنه ما طرحه الفيلسوف أمانويل كانت (1724 – 1804) حول الدين في حدود العقل.
وفي الربط ما بين الدين والعقل، فإنه إبتدأً من القرن السابع عشر تحرر العقل الحديث من مؤثرات خارجية، رغماً عن أن الدين (سواء المسيحية أم الإسلام) أذِن للعقل في العمل على كشف أسرار الطبيعة ولكن دون أن يتعارض ذلك مع العقيدة الدينية. فالعقل والعقيدة هما من أشكال المعرفة يتكاملان تدريجياً للوصول إلى الوحدة.
وطيلة القرون الوسطى (أو الحقبة المُظلمة كما يسميها د. شعبان) كانت العقيدة تتقدم على العقل، ولإجل تغيير هذا الترتيب، أعلن ديكارت (1596 –1650) الخطوة الأولى عندما أكد أنه من الممكن تفسير كل ما يحدث تفسيراً ميكانيكياً، وهذا يعني أن العقل بدأ يفسر كل ما يحدث واقعاً تفسيراً محضاً.
وطرح فيورباخ (1804-1872) فكرته الثلاثية: الله، العقل والإنسان. وهكذا رجع العقل إلى وجدان الإنسان، وقد لاحظ ماكس شيلر ( 1874-1928) وجود قانون عام يؤمن كل عقل بموجبه بإله. وكما كتب باكونين (1814 – 1876) مرة حول الدين بأنه ” يجب ألا تعمل سياسياً فقط، بل دينياً في السياسة، دينياً بمعنى الحرية.”
وبالعودة إلى د. شعبان: في هذا الكتاب يقدم مشروعاً فكرياً ولكنه مشروع غير مكتمل ويحتاج إلى إستمرارية متفاعلة مع الزمن والمكان لإنجازه، وإنّ عدم اكتماله لا يعني أنّه ناقص كما قد يتصوّر البعض. د. شعبان لم يُشير إلى عدم الاكتمال لمشروعه، بل عمل على الدفاع عنه لفتح أبواب حوارات وسجالات جديدة بشأنه. إن عدم الاكتمال ليس عيباً، وإنّما يعني أنّ مشروعه ما زال محافظاً على حيويته وطاقته، ولم يتوقف ويستنفذ، لذا يكتب د. شعبان ” وعلى الرغم من أهمية المشاريع الفردية في نقد الفكر الديني، فإنني أعتقد أن مشروعاً كبيراً كهذا يحتاج إلى جهد جماعي ومثابرة حثيثة وتراكم طويل الأمد وشجاعة إستثنائية لتحقيقه، مثلما يتطلب فتح قنوات متعددة ومتنوعة تصب فيه وتصل إلى جوهره.”
وفي هذا المشروع يتكلم د. شعبان عن دين العقل وهدفه هو إصلاح المجال الديني بإضفاء صفة العقل والعقلانية عليه، وخصوصاً لا يوجد فهم واحد موحد للدين، فإننا إذن بحاجة للعقلانية لكي يصبح الدين دين المعرفة والعقل لا دين الجهل والخرافة.
ويعتبر د. شعبان هذا التحديد ردًّا على أي فهم خاطئ للدين. إذن، ما يقدمه د. شعبان في كتابه ” دين العقل وفقه الواقع” هو مشروع نقدي جديد متنوع بإختصاصات مختلفة، ويحاول فيه أن يجد مخرجاً للأزمة وتفكيكها. هذه الأزمة المواجهة للأمة هي أزمة عميقة ومرّكبة وطويلة في ظل قناعات لا تتزعزع رغماً من كل التغييرات التي طرأت على العالم.
هذا المشروع التنويري يُطرح في وقت تم فيه إفراغ الدين من إبداعه الدلالي وواقعيته السياسية والإجتماعية. وقد إتخذ د. شعبان من إحكام العقل إنسجاماً مع فقه الواقع عبر الوعي بالتأريخ كمدخل عام لمشروعه، الذي فيه يُفَرِق د. شعبان ما بين الدين والتديّن، فالدين هو منظومة قيمية إنسانية، بينما التدين هو عبارة عن ممارسات وشعائر وعادات.
وفي مشروعه يؤكد د. شعبان على العدل الذي سيكون ضامناً للدفاع عن الوطن والإنسان، حيث أن هذا العدل يمثل محتوى المواطنة وجوهرها في الدولة الدستورية والقانونية الحديثة التي هي دولة المواطنة والحق.
ولكن يظهر أنه لحد اليوم لم يقف أحد ناقداً وفاحصاً ومناقشاً، وذلك لأنّ العقل، كما يقول هابرماس في مشروعه الذي لم يكتمل أيضّا،” له معين لا ينضب لا من الطاقة ولا من الخيال ولا من الطموح، ولأنّ حركة العلم التراكمية لا تتوقف، وهكذا حركة الزمن لا تتوقف كذلك، هذه هي العناصر الأساسية المكونة لبنية الحداثة، وما دامت هذه العناصر لا تكتمل فإنّ الحداثة لا تكتمل كذلك، فالحداثة يمكن أن تنتكس لكنها لا تكتمل”.
إن مشروع د. شعبان يمكن تصنيفه كمشروع فكري تنويري ضمن حركة الحداثة التي هي مشروع لم يُنجز بَعدُ، حسب رؤية هابرماس.
في هذا المشروع التنويري إستخدم د. شعبان منهجاً نقدياً (يماثل منهج ديكارت) هدفه هو بيان القواعد والإرشادات التي ينبغي أن نتبعها، وكيفية استخدام مَلكاتنا العقلية على الوجه الأشمل، ويؤسس على دعائم الشك الذي سيصل إلى اليقين.
المنهج النقدي العقلاني قاد إلى اكتشافات علمية، ولأجل تحرير السياسة من الدين وتخليص المجتمع من الخرافات، ينبغي اعتماد العقلانية، ونقد كل القضايا بما فيها القضية الدينية. لكن هذا الشرط يحتاج إلى ترسيخ الحرية الفكرية. إذن، المشروع التنويري لـ د. شعبان هو دعوة لتجديد الفكر الديني، وتقديم تفسير جديد للنصوص الدينية المقدسة وفق أساس عقلاني. وفي هذا المنهج العقلاني يهدف د. شعبان إلى إقامة مجتمع إنساني وحر.
من المفيد أن نجري مقارنة هذه الأفكار للمفكر شعبان مع ما طرحه ماكس فيبر (1860-1920 ) قبل أكثر من قرن أفكار حول الدين في كتابه الشهير ( الإقتصاد والمجتمع). ويترتب على ذلك أن التفسير الاجتماعي للظواهر الدينية والمعتقدات الدينية كأية ظاهرة اجتماعية، يأتي من الطريقة التفسيرية المستندة على الميثولوجي، حيث أن سبب معتقدات الفرد يتطابق مع المعنى الذي تحمله هذه المعتقدات بالنسبة له أو لها. وفقًا لـ فيبر، فإن فئة معينة من الناس تلتزم بمعتقد معين هو إظهار أن هذه المعتقدات منطقية بالنسبة لهؤلاء الأشخاص. لذا تظل كتابات فيبر حول علم اجتماع الدين ذات صلة بسبب إطارها المنهجي والنظري.
على الرغم من أن فيبر يطبق نظرية الفهم لتحليل المعتقدات الدينية بطريقة واعية ومنهجية:
التمسك بأي معتقد، ديني أو علمي وكذلك قانوني، يفسر من خلال حقيقة أن الموضوع لديه أسباب قوية للاعتقاد به. لم يكن فيبر وحده من يتبنى هذا الإطار النظري.دى توكفيل (1805 – 1859) قبله يشترك في نفس المبادئ النظرية والمنهجية. ويوضح أن الاختلافات العيانية التي لوحظت بين الولايات المتحدة وفرنسا في محتوى وتوزيع المعتقدات الدينية “مفهومة.
يقول فيبر، إن الدين يشبه حالة السحر، الذي تجنب دائمًا النقاش غير المجدي إلى حد ما – والذي يزخر به الأدب الأنثروبولوجي الكلاسيكي – حول العلاقات بين الدين والسحر: هل أحدهما سابق على الآخر؟ إذا كان كذلك؛ أيهما؟ وهل يكمّل أحدهما الآخر أم يتناقض معه؟ لأنه، بالنسبة إلى فيبر، يحتوي الدين حتماً على جرعات أكبر أو أقل من السحر. علاوة على ذلك، يسعى كل من الدين والسحر إلى أهداف محددة جيداً ويحاولان تحقيقها بالوسائل القائمة على النظريات التي يجدها المؤمن مقبولة.
بهذا الصدد يكتب د. شعبان ان هناك ” ثمة فوارق كبيرة بين الدين، الذي هو منظومة قيمية إنسانية، وبين التدين الذي هو ممارسات وشعائر وعادات بعضها أقرب إلى ميثولوجيات وخرافات يشترك فيها الكثير من الأديان” ويضيف: ” وإذا كان الأمر قد إقتصر في كثير من الأحيان على تفسير العقائد الدينية، التي يتعلق بعضها بالظواهر الغيبية وتعطّش البشر الروحي للشعور بالطمأنينة الداخلية، ولا سيما في ظل عجز الإنسان عن تفسير وحلّ الكثير من الأسئلة التي تواجهه…”.إذن لجوء الإنسان المتدين للغيبية (وفي السحر الكثير من المفارقات الغيبية) هو لكي يطمئن على وضعه ويرتاح.
في السطور الأولى من الفصل الخاص بعلم اجتماع الدين في الاقتصاد والمجتمع، يستشهد فيبر بـ التثنية: نحن نتبع تعاليم الدين “حتى إذا كان الأمر جيداً معك. .. ولكي تطيل أيامك على الأرض “. وفي الفصل الافتتاحي للاقتصاد والمجتمع حول الدين ، يشير فيبر إلى أن المعتقدات التي تبدو غريبة بالنسبة لنا والتي نسميها “غير عقلانية” تبدو كذلك بسبب ما أطلق عليه السايكولوجي السويسري بياجيه ( 1896- 1980) “مركزية المجتمع”.
في رأي فيبر تظهر عقلانية الفكر الديني أولاً وقبل كل شيء في حقيقة أن المؤمن “مزيف”. ويختفي الإله الذي لا يؤدي الخدمات المتوقعة منه. إن الفلاح متردد في قبول التوحيد، لأن وحدة الإلهام التي نتوقعها من إرادة إلهية فريدة لا تكاد تتوافق مع تقلبات الطبيعة التي يواجهها. تبدو إحدى النظريات، التي وفقًا لها أن الظواهر هي في الواقع إرادة في منافسة مع بعضها البعض، أكثر اتساقاً مع ما يراه كل يوم. هذا هو السبب في أن كلمة “وثني” تأتي من تبادل الإهانة: أولئك الذين ظهروا متمردون تجاه التوحيد كانوا يطلق عليهم اسم الوثنية. أصبح القديسون جزءَا أساسياً من الكاثوليكية لأنهم سمحوا للنظرية الدينية بالتوافق مع الواقع في نظر الفلاحين. يؤكد فيبر أن تفسير النبوءات يبدو أنه يتكيف باستمرار مع الواقع.
إذن، تترجم عقلانية الفكر الديني إلى حقيقة أن المؤمن يتبين أنه “تَحقَق”. منذ بوبر، كان للتحقق من سمعة سيئة في فلسفة العلم: لا يمكننا التحقق من صحة نظرية، يمكننا فقط “تزويرها”. لكن هذا ينطبق فقط على النظريات التي تتخذ شكل افتراضات عالمية. وبصدد العلم يستشهد د. شعبان بـ الفيلسوف برتراند رسل ( 1872- 1970) الذي يقول أن العلم لا يستهدف إنشاء حقائق ثابتة وعقائد أبدية، بل هدفه الإقتراب من الحقيقة وهذه الأخيرة ليست نهائية. وعند المحاولة في كشف العلاقة بين العلم والدين، فإن المعرفة بهما تختلف، حيث أن العلم تتحدد بمقدمات وتجارب ونتائج، بينما الإيمان مرتبط بالقلب وبالعلاقة باسماء أو الغيب أو الما وراء.
لماذا المناظرات؟
أول ما يتبادر إلى الذهن: ما ذا يريد د. شعبان أن يحققه من خلال هذه المناظرات؟ وهل أنها تُكّون جزءًا من مشروعه؟ نعم إنها تمثل جوهر مشروعه، لأن هذه المناظرات تتعلق بمستوى الإدراك والمعرفة.د. شعبان يكتب بأن ما يجمعه مع الفقيه السيد أحمد الحسني البغدادي ” مشتركات كثيرة و مختلفات غير قليلة” وهذه على مستويات متنوعة شخصية، فكرية، ثقافية وإجتماعية. ومن هنا يؤكد د. شعبان على “علاقة عضوية سوسيوثقافية بين الدين والتدين أساسها جهل الإنسان بذاته وبالآخر، إضافة إلى جهله بالطبيعة وغموض المستقبل”.
هذه القضايا تشغِل بال الإنسان وتزيد من قلقه والمسألة هذه غير محصورة بالفرد أو الأفراد، بل أنها تشمل كذلك الجماعات والمجتمعات خالقة قضايا معقدة منها قضية الهوية إلى جانب قضايا مهمة مثل السلام والعدالة والمساواة.
هذا الوضع يفسح المجال للصراع والجدل الذي سيتحول نحو صراع كوني، حيث تراكمت عبر السنين أفكار ومعتقدات وقناعات إتخذت بعضها صفة ” العلوية المقدسة”.
ولذلك يدعو د. شعبان إلى تعاون ومشاركة ونقد متبادل بين مدنيين حداثيين ودينين مؤمنين حيث يجب على الجميع الإيمان بحق الإختلاف والحق في النقد وإحترام الخصوصيات.وفي كل هذا وفي إطار المناظرات يحاول د. شعبان أن يلجأ إلى النقد كوسيلة من وسائل التواصل.
ما هو محتوى هذه المناظرات؟
يُركز د. شعبان على ثلاث قضايا مهمة هي:
•العلاقة المركبة بين الديني والعلماني
•العلاقة بين الدين والدولة، وكيف يمكن حل التناقض، وهل يصلح الدين لكل زمان ومكان، وهل الاسلام فعلاً دين ودولة وما هي ملامح الدولة الدينية، وكيف نفرقها عن الدولة المدنية، وما موقعها من الحداثة؟
•العلاقة بين الاجتهاد ولغة الفكر او الاجتهاد وفكر اللغة.
هذه القضايا الجوهرية في مناظرات د. شعبان أثارت جدلاً واسعاً، وخصوصاً عند تناوله مسألة الدين- العقل، مشيراً إلى حوارات مهمة لفلاسفة كبار ومنهم (هيغل 1770- 1831) الذي يفسر الدين بوصفه الرغبة في السمو الانساني، نحو الاعلى والاكمل، ومن خلالها يتجسد الاله. وعلى العكس قام (فيورباخ) بنقد ذلك، ومنه استمد (كارل ماركس) رؤيته في شأن الدين. لقد إستند د. شعبان على حقائق مهمة في مشروعه التنويري، والتي (الحقائق) تدور حول سلبيات رجال الدين وخشيتهم في محاولة توعية الناس واستبدال المفاهيم القديمة البالية بمفاهيم وسلوكيات واقعية تنسجم مع التحولات الكبرى في العالم والقائمة على الحق والعطاء والحرية، وهذا يخلق بيئة مضادة وكارهة للأفكار التنويرية.
لذلك يكتب د. شعبان ” من أجل أن يكون عنصر تحرر وتغيير لا عنصر سكون وخضوع، وعليه لا يمكن قراءة النص الديني والقرآني تحديداً قراءة ماضوية محددة وتأويلاً واحداً، ففي ذلك إساءة إلى حرية الفكر والتفكير، وهو ما فعلناه مع الفارابي وابن سينا وابن رشد الذين قرأناهم بطريقة دوغمائية، وحتى القراءات المتأخرة لهؤلاء ولنصوص دينية تحاول حبسها في فهم خاص وضيق، مثلما تحاول حبس ادراكنا وقراءتنا لها، الى درجة ان القرآن اصبح للتلاوة والترتيل والاعادة والحفظ، في حين أنه اهم كتاب اسلامي جامع ومفتوح وقابل للتأويل والقراءة المفتوحة وهو ليس ملك لاحد، لفقيه او عالم دين او شيخ او قارئ او مرتل، بقدر ما هو ملك الانسان الذي يستطيع قراءته وفهم معانيه وتمثل قيمه الانسانية)
.في كل هذه المناظرات والنقاشات مع السيد الحسني البغدادي يؤكد د. شعبان على النقد كوسيلة من وسائل التواصل والتجاذب، وهو، كما يؤكد كانت أفضل أداة تنموية وتطويرية إكتشفها الإنسان، وهو نقد يقوم على التمايز والخصوصية من جهة والقيم الإنسانية من جهة أخرى.