التشابه ليس إبداعاً
أظن أن الكثير من العرب وبالذات الذين أقاموا في فرنسا، سمعوا بالمغني المشهور في بلده جوني هاليداي، لكنهم لم يسمعوا باسم جان بابتيست غوغان هذا على الرغم من تشابه صوته مع صوت جوني هاليداي حتى التطابق. عرفه الناس في برنامج خاص بالأغاني الاستثنائية كما الأصوات، وحين غنى جان بابتيست غوغان في المباراة أذهل الجميع، فصوته كمطرب نسخة عن صوت الشهير جوني هاليداي الذي خرج في جنازته قبل أعوام مليون مواطن فرنسي معجب وأغلقوا جادة الشانزيليزيه (التي يدعوها الفرنسيون أجمل جادة في العالم) لتتسع لمودعيه ومشت خلف السيارة التي تحمل تابوته زوجته الشابة لوتيسيا برفقة ابنتيهما (بالتبني)، وكان ينتظر التابوت أمام الكاتدرائية التأبينية ابن المغني الشاب ديفيد وابنته نورا (بعد ذلك غرقت زوجته الشابة الجميلة لوتيسيا في متاعب قضائية مع ابنه المغني ديفيد وابنته الممثلة لورا) وجاء العديد من رؤساء الجمهورية الفرنسية السابقين وزوجاتهم لحضور تأبين جوني هاليداي.
جريمة جان بابتيست: التشابه الفتاك!
وهكذا في إحدى المسابقات على مبلغ 100 ألف يورو ربح الجائزة جان بابتيست بصوته المشابه لصوت جوني هاليداي، حتى ليظن المستمع أن حنجرة جوني تقمصت بابتيست وبالذات حنجرة هذا الشاب الوسيم جان بابتيست، ثم ماذا؟
لا شيء. فالتشابه لا يؤدي إلى النجاح، بل إلى لحظة دهشة، وربما جائزة، ثم يختفي الشبيه وتظل أغاني الأصيل حتى ولو صارت قديمة بعد رحيله.
«الفوتوكوبي» الصوت
المستمع أو القارئ لا يبحث عن التشابه حتى ولو كان تطابقاً، بل يبحث عن النسخة الأصلية، ولذا أكرر: التشابه في الأسماء أو أسلوب الكتابة أدبياً والتشابه في الأصوات فنياً وغير ذلك لا يعني شيئاً. المطلوب دائماً نسخة أصلية واحدة، أما (فوتوكوبي) الصوت (كما جان بابتيست غوغان مثلاً) فلا قيمة فنية، كما (التشابه الأدبي). الإبداع هو نسخة واحدة دائماً في الحقول كلها من أدبية وغنائية وسواها. في حقل الإبداع، لا قيمة للتشابه والنسخ. لا بد من الأصل الذي يتكرر مهما تشابه مع سواه.
لا طاقة في بيروت لنهدرها!
صيف حار هذه السنة في فرنسا. أضرم حرائق الغابات. ولذا تقوم فرنسا بحملة ضد هدر الطاقة الكهربائية (ليس لدينا في بيروت كهرباء أصلاً لنقوم بهدرها!) ولنقوم بحملة مماثلة!
في باريس صدر قرار بتكليف أصحاب الحوانيت مكيفة الهواء دفع غرامة قد تبلغ 270 يورو إذا ترك باب حانوته مفتوحاً يتسرب منه الهواء البارد المكيف إلى الشارع (لاجتذاب الزبائن الذين يعانون من الحر).
وصرنا نقرأ على أبواب بعض الحوانيت عبارة: «من فضلك، أغلق الباب» ليقوم الزبون بإغلاقه بعد دخوله وخروجه.
هذه (المشكلة) غير موجودة في بيروت (لأنه لا كهرباء فيها إلا فيما ندر!).. أما منع هدر «الطاقة في فرنسا، فمن ضمنها خفض ضوء مصابيح الشارع، (نحن في بيروت نحلم بإضاءة دهليز بيتنا)!
الألعاب النارية وهدر المال
لأنه تصادف أنني أعيش في باريس قرب (برج إيفل) محور الألعاب النارية ليلة 14 تموز (يوليو) (يوم العيد الوطني الفرنسي الذي يحتفلون به كل عام بالموسيقى السمفونية أمام البرج ثم بالألعاب النارية حين يحل الظلام)، اشتكت لي إحدى جاراتي الفرنسيات، وهي من أسرة فرنسية عريقة شارك أحد أجدادها في الثورة الفرنسية على الحكم الملكي منذ قرون وشارك في هدم سجن الباستيل، لكنها تجد في الألعاب النارية السنوية هدراً للمال، تماماً كهدر الكهرباء حين لا يغلق الزبون في أحد الدكاكين (المكيفة) الباب خلفه. من طرفي، دون أن يحق لي قول ذلك كعربية تعيش منذ حوالي 35 سنة قرب برج إيفل (أعاني) من الألعاب النارية ليلة احتفال الفرنسيين بعيدهم الوطني (14 تموز)/ يوليو بل إن بعض جيراني يأتون إليّ لمشاهدة جمال الألعاب النارية من نوافذ بيتي في الطابق المرتفع من مبنى في حي يدعوه البعض مانهاتن باريس، فمبانيه كلها شاهقة الارتفاع كما في مانهاتن نيويورك.
لأنني خريجة حرب أهلية!
بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي نجوت منها وكتبت عنها في رواياتي، أعترف بأنني صرت أكره صوت الانفجارات حتى إذا ارتدت قالباً ضوئياً جميلاً هو الألعاب النارية. وصار أي انفجار يزلزلني ويعيدني إلى بيروت وكوابيسها وحربها الأهلية والقصف والانفجارات، وصرت أنفر منها حتى ولو كانت احتفالية، بل وجميلة كما الألعاب النارية الباريسية ليلة عيدها الوطني كل عام.
الألعاب النارية قاتلة أيضاً
أضافت صديقتي الفرنسية أن الاحتفال بالعيد الوطني بالألعاب النارية سبب هذا العام ضحيتين: شابة عمرها 24 سنة، وشقيقها وعمره 10 سنوات. فالألعاب النارية في لحظات نادرة تترك بعض مساراتها وتنفجر في أماكن أخرى مزدحمة بالناس وعلى الأرض. وأضافت صديقتي (الفرنسية جداً): أعتقد أن اللعب بالنار مؤذ حتى ولو كان احتفالياً وفي بلد متحضر كفرنسا بلدي. لم أقل شيئاً، إذ لا يحق لي الاعتراض على ما لا يخصني، وقررت التركيز على الموسيقى البديعة التي يحتضنها برج إيفل ويقدمها مقدم البرامج المعروف ستيفان برن، ويقال إنه يعود بنسبه إلى إحدى العائلات المالكة (وبالتالي فحضوره رمزي؟).
لا أدري. لا يحق لي إبداء رأيي، بل فقط تأمل ما يدور، وعدم إعلان كراهيتي لجمال الألعاب النارية بسبب انفجاراتها، أنا القادمة من حرب أهلية ولا تطيق سماع انفجار.
أضافت صديقتي الفرنسية: لماذا يهدرون مالنا التي ندفعها كضرائب لعرض ناري كهذا وبوسعنا الاستغناء عن ذلك الهدر الأكثر هدراً من ترك باب حانوت مكيف مفتوحاً! حين لا تكون فرنسياً أباً عن جد مثلي، تفضل الصمت والاستماع للآخرين.
فقد علمتني الغربة الصمت!