كصديقة لإسرائيل»… الحكومة البريطانية ترد
وقَع أكثر من مائة ألف شخص التماسا طالبوا فيه أن تقوم المملكة المتحدة بمراجعة سياستها الخارجية «في ضوء التقارير عن الفصل العنصري الإسرائيلي». تم إرسال الالتماس، بعد الحصول على عدد التوقيعات المطلوبة للنظر فيه، إلى لجنة الالتماسات البريطانية المكونة من 11 نائبا من الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة والمعارضة معا، وهي لجنة تُعّرف نفسها بأنها مستقلة تماما.
جاء الالتماس الذي جُمعت توقيعاته بسرعة كبيرة أثناء هجوم الكيان الصهيوني الأخير على غزة الذي أسفر عن مقتل 48 شهيدًا – 17 منهم من الأطفال – وجرح حوالي 360 ، من بينهم ما لا يقل عن 151 طفلاً، والهجوم على مدينة نابلس حيث اغتيل ثلاثة من المقاومين هم إبراهيم النابلسي وإسلام صبح وحسين طه. خلال هجوم الكيان الصهيوني المسعور، استقبلت مستشفيات غزة المُحاصرة، أعدادا كبيرة من الإصابات الناجمة عن الانفجارات المباشرة وشظايا الصواريخ وتساقط الأنقاض من المباني المنهارة، وهي التي تعاني أساسا من قلة الأدوية والمعدات والعلاج الطبي، وإعادة التأهيل، والحاجة الماسة لدعم الصحة العقلية للأشخاص الذين يعانون من صدمات نفسية أما بسبب إصاباتهم أو فقدان أحبائهم. والمعروف أن أكثر من 40 ألفا من سكان غزة أصيبوا بجروح جراء القصف والهجوم الصهيوني خلال الأربع سنوات الأخيرة.
استند موقعو الالتماس في مطالبتهم إعادة النظر في السياسة الخارجية على تقارير منظمات حقوقية دولية وثقّت سياسة التمييز العنصري التي يمارسها الكيان بشكل يومي بحق المواطنين الفلسطينيين والانتهاكات التي يتعرضون لها جراء الاحتلال.
وقَع أكثر من مائة ألف شخص التماسا طالبوا فيه أن تقوم المملكة المتحدة بمراجعة سياستها الخارجية «في ضوء التقارير عن الفصل العنصري الإسرائيلي»
ثبّت اعتراف المنظمات بممارسات الكيان العنصرية، ما كان الفلسطينيون يعيشونه ويوثقونه بأنفسهم على مدى سنين، وهو مطابق لممارسات نظام التمييز العنصري «الأبارتهايد» في جنوب أفريقيا.
تلقت لجنة الالتماسات الالتماس. وحسب السيرورة المرسومة في النظام «الديمقراطي»، ألقت نظرة عليه، وجاء الرد الحكومي باسم حكومة وبرلمان المملكة المتحدة ليضع حدا لأي أمل خالج الموقعين في أن يكون الالتماس، كما هي العادة الجارية، أداة ضغط على الحكومة لاتخاذ إجراء معين وجمع الأدلة.
فما الذي تضمنه الرد؟ لا شيء جديدا وإن كان من الضروري قراءته من باب التذكير بموقف حكومة كانت ولاتزال تمارس ازدواجية المعايير بلا مقياس أخلاقي. جاء في الرد أن «المملكة المتحدة ملتزمة بدفع عملية السلام في الشرق الأوسط إلى الأمام … وأن استئناف المفاوضات الثنائية الهادفة، بدعم دولي، هو أفضل طريقة للتوصل إلى اتفاق»، وأنها مُطلعة على التقارير الدولية (تعني تلك التي تُثبت أن النظام الإسرائيلي هو نظام تمييز عنصري) إلا أنها لا تتفق مع المصطلحات المستخدمة فيها، مكتفية بذلك بدون التطرق إلى تفاصيل التقارير أو محاججتها.
يلجأ الرد بمجمله إلى الموقف المعتاد في المساواة بين الجلاد والضحية بل ويتعداه ، غالبا، بلغة صريحة أو مبطنة إلى إلقاء اللوم على الضحية وبالتالي استحقاقها ما يقع عليها. هذا هو الملمح العام للرد مغلفا بمفردات «عملية السلام» و»التسوية التفاوضية» و»الالتزام بالقانون الإنساني الدولي وتعزيز السلام والاستقرار والأمن»، وأن تُجرى مفاوضات بإشراف دولي، يضم بالتأكيد الحكومة البريطانية التي لا تخاطب نظام التمييز العنصري إلا «كصديق». مرتان تكررت مخاطبة الكيان الصهيوني كصديق . الأولى بالقول « كأصدقاء لإسرائيل ، لدينا حوار منتظم مع حكومة إسرائيل» والثانية في معرض الغزل بـ» التزام إسرائيل طويل الأمد بالقيم الديمقراطية» وكيف أن إلتزامها «هو أحد نقاط قوتها العظيمة كديمقراطية زميلة … كصديق لإسرائيل ، نشعر بالقلق من أي تطورات قد تقوض هذا الالتزام».
ويتضح من قراءة الرد، بوضوح لم تنجح اللغة الدبلوماسية بتمويهه، أن هناك موقفين مختلفين تماما من النظام العنصري والشعب الفلسطيني: الأول هو موقف الصديق القلق على أمن وسلامة صديقه مما يستدعي «الاعتراف بحاجة إسرائيل المشروعة لاتخاذ تدابير أمنية» و»تظل المملكة المتحدة حازمة في التزامها بأمن إسرائيل». كما «يستحق شعب إسرائيل أن يعيش في مأمن من ويلات الإرهاب والتحريض اللاسامي الذي يقوض بشكل خطير احتمالات حل الدولتين. لقد أذهلتنا الهجمات الإرهابية الأخيرة ضد المواطنين الإسرائيليين. لا يمكن أن يكون هناك أي مبرر لأعمال العنف هذه». وإذا حدث و»وُجهت اتهامات بالاستخدام المفرط للقوة، تدعو المملكة إلى إجراء تحقيقات سريعة وشفافة».
وكأن كاتب الرد خشى أن يٌتهم بـ «معاداة السامية»، وهي التهمة الجاهزة فورا ضد أي شخص يحاول الإشارة من قريب أو بعيد إلى احتلال فلسطين وجرائم المحتل، فقام بتدوين سرد لقائمة مواقف بريطانيا الداعمة للكيان. ومن بينها وقوف «المملكة المتحدة إلى جانب إسرائيل عندما تواجه تحيزًا وانتقادًا غير معقول» مع ذكر أمثلة عن منع تمرير قرارات للأمم المتحدة مؤيدة للشعب الفلسطيني. وفي الوقت الذي لعبت فيه الحكومة البريطانية دورا رئيسيا في فرض العقوبات والحصار الشامل على الشعب العراقي على مدى 13 عاما، وبينما لا تجد ضيرا في حصار الإبادة المفروض ضد سكان غزة، نجدها تصرح «نحن نعارض بشدة المقاطعات / العقوبات في حالة إسرائيل «. لماذا؟ لأنها ترى أن المقاطعة ستعيق جهودها « للتقدم في عملية السلام»!
أما الموقف من معاناة الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال والممارسات العنصرية فإنه لا يعدو كونه ناتجا طبيعيا لما يوصف بأنه « نزاع» أو «صدام» . أما مقاومة الاحتلال فإنها إرهاب يُسّوغ اعتقال وسجن وإغتيال المقاومين. ولا يأتي ذكر ما يتعرض له الشعب الفلسطيني إلا كهامش في جمل فضفاضة مبتذلة لفرط عُريها، على غرار: « لكل إسرائيلي وفلسطيني الحق في العيش بسلام وأمن». وإن كانت بريطانيا لا تغفل عن ذكر كرمها في «تحسين حياة الفلسطينيين» مركزة بشكل خاص على تزويق «المساعدات الإنسانية لغزة»، لتغطية بثور النظام الصهيوني العنصري الذي جعل من غزة سجنا لمليوني فلسطيني.
ما هي، إذن، أهمية المشاركة في توزيع وتوقيع الالتماس، وواقع الحال يشير إلى معرفة الجميع بما سيكون عليه الرد الحكومي؟ إن استمرارية النشاطات المناهضة للاحتلال، بكافة المستويات، ضرورية لا من أجل تحقيق غايتها النهائية فحسب بل في سيرورتها وكونها أداة توعية وتضامن عالمي مع المقاومة التي يتحمل الفلسطينيون عبأها الأكبر، ويدفعون ثمنها غاليا من حياة الناس اليومية ودماء الشهداء والجرحى والمصابين.
كاتبة من العراق