مخرز أمريكا وجسد التنين الصيني
هل يمكن القول إن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان، قد شكلت نقطة تحول كبرى في موقف الصين من تايوان؟ كيف سيكون عليه الموقف في مسار العلاقات الصينية ـ الأمريكية بعد هذا الحدث؟ وماذا بشأن فكرة غزو الصين لتايوان، هل هي فكرة قائمة أم مستبعدة؟
بداية لا بد من القول بأن تقسيم السلطات في الولايات المتحدة الأمريكية، لا تعطي سلطة للرئيس ولا الكونغرس بمنع رئيسة مجلس النواب من الزيارة التي قامت بها، كما أن الزيارة أمر قانوني لا غبار عليه، لكنها لا تندرج في إطار العمل الحكومي لإدارة الرئيس بايدن. مع ذلك يبدو صعبا للغاية بالنسبة لرجل الشارع أن يميز بين برنامج الإدارة الأمريكية، وما فعلته نانسي بيلوسي، خاصة مع خلط الأوراق الذي رافق هذا الفعل، فالزيارة حسب التصريحات الأمريكية ليست رسمية، بينما ليس هناك من شخص بصفته الشخصية يذهب إلى دولة أخرى في زيارة على متن طائرة عسكرية.
كما أن تصريحات نانسي بيلوسي بالقول (إن زيارة وفدنا إلى تايوان، تكرس التزام أمريكا الثابت بدعم الديمقراطية النابضة بالحياة في تايوان)، تثير التساؤل عن ما علاقة الديمقراطية بالزيارة، وانتهاك سيادة الصين؟ وما علاقة الديمقراطية بالزيارة، وانتهاك المبادئ والاتفاقات التي تم توقيعها سابقا بين واشنطن وبكين؟ ومع كل ذلك يبقى القول إنه على الرغم من أن الزيارة لم تكن مبرمجة من قبل إدارة بايدن، لكن يبدو أن هناك تيارا في الدولة العميقة في واشنطن، أيد هذا الفعل، لأنه يريد أن يضغط على المنافسين، الصين وروسيا، وأغراقهما في مستنقعات بهدف إضعاف دوريهما، من أجل الحفاظ على الدور الدولي للولايات المتحدة.
يقينا أن الزيارة شكلت نقطة تحول في موقف الصين من تايوان، إلى الحد أن المراقب يستطيع أن يرى بوضوح كيف أن بكين صبت جام غضبها على تايوان وتركت الولايات المتحدة، فقد اعتمدت ورقة المناورات العسكرية بسرعة كبيرة. كما ذهبت إلى فرض عقوبات اقتصادية على تايوان، التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على التبادل التجاري مع الصين، حيث بلغت صادرات الجزيرة إلى البر الصيني وهونغ كونغ أكثر من 188 مليار دولار في عام 2021. وقد بدأ هذا الفعل من خلال إغلاق السوق الصينية أمام عدد من السلع التايوانية، ومنع تصدير سلع صينية إليها. كما ستُمنع الشركات والأفراد في الصين من التعامل المالي مع عدة مؤسسات تايوانية، بينها صندوق تايوان الدولي للتعاون والتنمية، إضافة إلى فرض عقوبات على بعض الشخصيات والمنظمات المرتبطة بالحزب الحاكم في تايوان، وأعضاء حملة الانفصال فيها. والهدف من ذلك هو تسريع عملية التوحيد وعدم السماح لتايوان بالاستقلال التام عن بكين، وقد تلجأ أيضا الى إصدار قوانين نافذة جديدة لتوحيد البلاد مرة أخرى، والعمل على تقوية التيار المؤيد لعلاقات إيجابية مع الصين واستبعاد بديل الاستقلال، حيث يوجد تياران في تايوان أحدهما يؤمن بالاستقلال، وآخر يؤمن بأن تايوان جزء من الصين، مع الحفاظ على وضع خاص بها. أيضا ستستخدم المحافل الدولية لتأكيد مبدأ الصين الواحدة، ويتضح من كل ذلك أن بكين تريد توجيه رسالة واضحة إلى النخبة الحاكمة في تايوان، بأنه يجب عدم قراءة المشهد الدولي بشكل خاطئ، ما قد يدفعهم إلى الإقدام على إعلان الاستقلال عن الصين.
إقدام الصين على عمل عسكري لضم تايوان، سيكون مرهونا بشرط محدد هو إعلان التيار الحاكم في تايوان الاستقلال من جانب واحد
أما ما يخص مسار العلاقات الصينية ـ الأمريكية في ظل الأزمة الحالية، فلا شك ستكون هنالك نقطة تحول كبرى في هذه العلاقات. فبكين تقرأ في الزيارة تراجعا أمريكيا كبيرا عن مبدأ الصين الواحدة، رغم إعلان واشنطن رسميا تمسكها بهذا المبدأ. كما أنها تعتقد أن واشنطن تعمل بجد على إفراغ هذا المبدأ من فحواه الأساسي، هذا الاعتقاد قائم على حقيقة أن الولايات المتحدة على مدار السنوات الأخيرة، بدأت في إرسال رسائل واضحة إلى القائمين على الحكم في تايوان بشأن الاستقلال ودفعهم إلى ذلك. كما أن مبدأ الصين الواحدة له أكثر من تفسير على الصعيد الأمريكي، منها أن يكون هناك وضع قائم على أساس تايوان منفصلة وتُعامل معاملة الدولة، بينما مبدأ الصين الواحدة بالنسبة للصين يعني استعادة تايوان إلى الوطن الأم، ومع ذلك فإن تعامل بكين بدرجة كبيرة من الخشونة مع واشنطن لا يعود إلى مسألة تايوان، بل جاء في سياق توتر العلاقات بين الجانبين، وفي سياق مشهد دولي مختلف، لكن بكين حريصة على استبعاد أي سيناريو للمواجهة، لأنها ما زالت في مرحلة صعود، وتحتاج إلى فترة لتأمين مشروع صعودها، الذي سيغير هيكل النظام الدولي، لكن ربما الأدوات الخشنة هي التي ستُستخدم بشكل كبير، في محاولة كل طرف فرض قواعد اللعبة من وجهة نظره. أيضا تعلم بكين جيدا إذا ما حصلت مواجهة، فإنها لن تقتصر على الولايات المتحدة، بل ستجلب أطرافا أخرى متحالفة مع واشنطن في المحيطين الهادئ والهندي، كاليابان، أستراليا وكوريا الجنوبية. وهذه الأطراف متأثرة جدا بالسردية الأمريكية القائمة على أن الصين مصدر لتهديد حرية الملاحة والتجارة والأمن الإقليمي في المنطقة، وبكين حريصة على أن لا تظهر بهذا المظهر، كي لا تدفع دول الآسيان وشرقي آسيا لإعادة النظر في موقفها المحايد حتى الآن من الاستقطاب القائم بين أمريكا والصين. ويبقى السؤال الأبرز هو هل ستُقدم الصين على غزو تايوان؟
يبدو أن بكين غير راضية على الوضع الحالي الذي عليه تايوان، وقد أعربت مرات عدة عن نيتها إعادة توحيد تايوان مع البر الصيني الرئيسي، كما أن الرئيس أصر على تحقيق ذلك أثناء ولايته الرئاسية، بالتالي ما نشهده حاليا هو نزاع على الصلاحيات والقوة في المنطقة، حيث أن واشنطن تريد أن تحمي قدرة تايوان على تحديد مصيرها ومستقبلها بشكل سلمي. أما من جهة بكين فإنها غير راضية عن هذا الوضع، ويريدون أن يُعجّلوا في مسار الأمور، لذلك لا بد علينا من أن نتذكر أن هناك نافذة عسكرية للصين، خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة لتحقيق حلمها في إعادة تايوان، قد لا تكون هذه النافذة متاحة بعد عشرين أو ثلاثين سنة، لأن حينها ستكون التكنولوجيا العسكرية في الولايات المتحدة وفي اليابان قد تغيرت بشكل جذري للغاية. بالتالي فإن العقد المقبل هو عقد حاسم في تحديد في ما إذا كانت الصين قادرة على تحقيق طموحاتها في ضم تايوان أم لا، وإذا كانت الإجابة لا، فإن العقبات والتداعيات لا يمكن التكهن بها.
خلاصة القول إن إقدام الصين على عمل عسكري لضم تايوان، سيكون مرهونا بشرط محدد هو إعلان التيار الحاكم في تايوان الاستقلال من جانب واحد، ما لم يحدث هذا التطور فإن الصين سوف تعمل على مسارين، الأول هو توظيف بعض الأدوات العسكرية والاستخباراتية والاقتصادية، لتوصيل رسالة للتيار الحاكم في تايوان من أنه يجب عدم التفكير في سيناريو الاستقلال. المسار الثاني هو الاستعداد لضم الجزيرة بالقوة ولكن ليس الآن، لأن ذلك مرهون بأمور أخرى واستحضارات لا بد من توافرها أولا. لكن ماذا يعني بيان الخارجية الصينية الذي يقول، تريثوا صبرا سنفعل كل ما قلنا إنا سوف نفعله؟
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية