فرنسا أهانت المغاربة… وهنا أخطأ الريسوني… ووزيرة طارت إلى زنجبار!
حادث مأساوي وقع أخيرًا لسائحة فرنسية زارت المغرب، إذ توفيت نتيجة هجوم كلاب ضالّة عليها، إثر ابتعادها عن التجمعات السكانية في مدينة الداخلة، أقصى جنوب البلاد، لكنّ وسائل الإعلام الفرنسية أصرّت على إقحام السياسة في صياغة الخبر، حيث ذكرت أن الحادث وقع في «منطقة بالصحراء الغربية الخاضعة للسيطرة المغربية». والحال أن «الداخلة» التي كانت تقضي فيها المواطنة الفرنسية الراحلة إجازتها، مثل العديد من السياح الأجانب، هي مدينة مغربية جميلة آمنة، يسكنها مواطنون مغاربة أبًا عن جد، وتشهد حركة تنموية حثيثة، فضلاً عن احتضانها للعديد من التظاهرات الدولية على مدار السنة، في مجالات الرياضة والثقافة والفن والاقتصاد والسياسة وغيرها.
الواقع أن اللغة التي يستعملها الإعلام الفرنسي بشأن موضوعات تدور حول الصحراء مستقاة من القاموس السياسي المستعمل في قصر «الإليزيه»، والذي يعكس نظرة الحكّام هناك إلى النزاع المفتعل منذ حوالي خمسين سنة. ومن ثم، يبدو المغرب اليوم حازمًا في المسألة، إنه يطلب من صديقه القديم (المستعمِر القديم، على الأصح) الوضوح التام، ومعناه الإقرار بمغربية الصحراء وبوجاهة مشروع الحكم الذاتي فيها، وإلا فإن هذا «الصديق» اختار الميل نحو خندق الخصوم.
إنه الخطاب المتداول في الإعلام المغربي بالموازاة مع الضجة التي أثارها أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي لوّح بالزحف نحو «تندوف» متى تلقّى المغاربة الضوء الأخضر من قائدهم الأعلى. وحديث الريسوني عن «تندوف» ليس لأنها منطقة جزائرية، وإنما لكونها تأوي انفصاليين اتخذوها مقرًّا لهم ولإداراتهم، يستقبلون فيها «سفراء» الدول، بما فيها الجزائر، ويجرون التدريبات العسكرية التي يهددون بها المغرب، ويتلقّون المساعدات الغذائية الدولية.
كان لكلام الريسوني، الذي يعكس وجهة نظره الشخصية المحضة، أن يبقى مجال أخذ ورد، لو وقف عند هذا الحد؛ لكن إقحامه لموريتانيا واعتبارها تابعة للمغرب وفق معطيات تاريخية (بحسبه)، جعله يقع في سقطة غير محسوبة ولا مقبولة، لا سيما بالنظر للعلاقات الأخوية القوية التي تربط بين الشعبين المغربي والموريتاني.
وإذا كان كلامٌ مماثل للأمين العام السابق لحزب «الاستقلال»، حميد شباط، قد جعله يؤدي الثمن غاليا حين اعتبر موريتانيا أرضًا مغربية، فكان من بين الأسباب التي أدّت إلى استبعاده من واجهة النشاط السياسي منذ حوالي ست سنوات، فهل تتسبب «زلّة» الريسوني تجاه الأشقاء الموريتانيين في إثارة غضب العلماء المسلمين، ما يدفعهم إلى رفض استمرار وجوده على رأس منظمتهم العالمية؟!
الفطام عن «ماما فرنسا»!
الإعلام الفرنسي غير مهتم بما يقع لآلاف المغاربة الذين صارت باريس ترفض منحهم تأشيرة دخول أراضيها، علما بأنّ القرار لا يستثني حتى الطلبة والسياسيين ورجال المال والأعمال والرياضيين والفنانين وغيرهم… فبعد تهيئة الملفات وبعد طول انتظار، يأتي الرفض غير المبرر، وتضيع معه الأموال التي دفعها طالب التأشيرة كرسوم.
فرنسا لا تكتفي إذنْ، بإهانة المغاربة بهذا السلوك غير المقبول، بل تسطو على نقودهم عن سبق إصرار، بمعدل 100 يورو عن كل تأشيرة، سواء قُبل الطلب أم رُفض. ولنا أن نتخيل مبلغ الأموال التي تجنيها القنصليات الفرنسية في المغرب من رسوم «الفيزا» المرفوضة!
هذه هي «ماما فرنسا» التي يلهج الكثيرون بلسانها، في القنوات التلفزيونية والإذاعية، وفي المنتديات الاقتصادية المحلية والندوات الفكرية، وفي مدارس البعثات والمدارس التي تحاكيها… تجازي المغاربة بهذا السلوك، وهي التي يعتبرونها صديقا قديما وشريكا استراتيجيا!
بعبارة أخرى، «ماما فرنسا» ما زالت تبسط نفوذها اللغوي والاقتصادي على الكثير من القطاعات في المغرب، وما زال الخريجون من «مدرسة الجسور والطرق» في باريس يحتلون المناصب العليا في الرباط بما فيها الحقائب الوزارية.
وتغتاظ فرنسا كلما سمعت أن المغرب يعتزم إبرام صفقة اقتصادية أو عسكرية مع بلد آخر؛ وهي هذه الأيام ـ على سبيل المثال ـ تطمع في استبعاد الصين من صفقة مشروع إنجاز الخط الثاني للقطار فائق السرعة الذي سيربط مراكش بأغادير، بعدما قامت (فرنسا) بتمويل الجزء الأول للقطار ذاته الرابط بين طنجة والدار البيضاء.
فرنسا أنتجت للمغاربة نخبة منفصلة عن هويتها وجذورها، اللهم إلا استثناءات قليلة؛ نخبة لا تشفع لها الشهادات التي تحصل عنها من باريس في إنجاز المهمات الجسيمة التي تُناط بها. نخبة يصيبها التلعثم والارتباك حين يُطلب منها الحديث أمام وسائل الإعلام أو داخل البرلمان وغيره من المؤسسات!
فهل حان وقت الفطام عن «ماما فرنسا»؟
أصابت الوزيرة أم أخطأت؟
وزيرة السياحة المغربية، السيدة فاطمة الزهراء عمور، هي نتاج هذه المدرسة الفرنكوفونية التي تهتم بالقشور وتغفل الجوهر، فتكون النتيجة انعدام الحنكة السياسية والجدارة الإدارية. وبعيدًا عن أي تصنيف للكلام في «حملة ممنهجة» أو أي «تنمّر» بخلفية النوع الاجتماعي، يُلاحَظ أن المسؤولة المذكورة أقامت الدنيا ولم تقعدها بعد، نتيجة إقدامها على خطوة غير محسوبة؛ حيث نشرت عبر حسابها الافتراضي صورًا فوتوغرافية لها برفقة عائلتها وهي تقضي إجازتها في جزيرة «زنجبار» التابعة لتانزانيا.
كانت المسألة ستبدو عادية لو لم تكن السيدة عمور على رأس وزارة السياحة. لكن، والحالة هذه، فالتناقض واضح والخطأ ثابت، إذْ كان أولى بالوزيرة المحترمة أن تقوم بالدعاية السياحية أولاً لبلادها، وتعطي المثال للمواطنين بنفسها، وأن تكون أيضا منسجمة مع الخطاب الذي تروّجه وزارتها حول تشجيع السياحة الداخلية وكذا تشجيع السياح الأجانب على زيارة المغرب!
المدافعون عن الوزيرة المبتهجة بزيارتها لزنجبار، وجدوها فرصة لانتقاد واقع السياحة المغربية، مقارنة بنظيرتها في بلدان أخرى، وأيضا للمرافعة من أجل حق السيدة المعنية في حياتها الشخصية واختياراتها المرتبطة بإجازتها.
أما المعارضون فاعتبروا أن وزيرة السياحة المغربية تولّت الدعاية المجانية للسياحة في بلد آخر، مادامت هي شخصية عمومية وذات متابعين أوفياء لحسابها الافتراضي. ولو أنها اكتفت بزيارة زنجبار، ولم تنشر أي صور فوتوغرافية، لما كان هناك مجال للتعليق والانتقاد والمؤاخذة… «وكفى الله المؤمنين القتال»!
«ذهب الجَمل بما حمل»!
كرة القدم أكبر مثال في المغرب على ما يطلق عليه الإخوة المصريون «عقدة الخواجة» التي تعني الافتتان بالآخر/ الغربي وإعطائه الأولوية والامتيازات.
الحديث عن هذه «العقدة» تجدد عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، مع ما نُعت بـ»طلاق التراضي» بين المدرب الأجنبي وحيد حاليلوزيتش واتحاد الكرة المغربي المسمّى «الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم». فعبد الحصيلة الهزيلة لهذا المدرب، جُوزِيَ بمبلغ مالي «سمين» عن الانفصال. وإذا كان الاتحاد المغربي نفى حجم المبلغ الذي ذكرته أسبوعية «جون أفريك»، فإن مجرد إشارته إلى الراتب الذي كان يتقاضاه المدرب وحيد يدفع الى الاستياء والاستغراب؛ يتعلق الأمر بحوالي 80 ألف دولار شهريا دون احتساب العلاوات والتعويضات الأخرى!
ذهب جَمَل «حاليلوزيتش» بما حمل… وترك وراءه سجالا لا ينتهي حول الميزانية الباهظة التي تُرصد لكرة القدم في المغرب، مُقابل نتائج ضعيفة في المحافل الرياضية الدولية. والحال أنه من الأفيد تخصيص تلك الأموال لإصلاح أعطاب الصحة والتعليم والنهوض بالأرياف!