القيادي العراقي في الحركة الاحتجاجية وحزب «الوعد» موسى رحمة الله: «التشرينيون» لن يتشاركوا مع الصدر من دون شروط وضمانات و«خريطة طريق» لتغيير النظام
بيدر ميديا.."العراق.
القيادي العراقي في الحركة الاحتجاجية وحزب «الوعد» موسى رحمة الله: «التشرينيون» لن يتشاركوا مع الصدر من دون شروط وضمانات و«خريطة طريق» لتغيير النظام
أين «التشرينيون»؟ هو السؤال – المفتاح الذي يمكن أن يرسم معالم المستقبل لما يجري في العراق نتيجة الصراع القائم داخل «البيت الشيعي» بين تيار مقتدى الصدر و«الإطار التنسيقي» الذي يتقدمه نوري المالكي. في داخل البرلمان، تشتتت قواهم وركبوا قطار تأمين «الثلث المعطل» الذي أطاح بطرح مقتدى الصدر تأليف حكومة أغلبية، وخارج البرلمان يلتزمون «الحياد الإيجابي» وفق توصيف القيادي في «تشرين» والأمين العام لـ«حزب الوعد» المنبثق من رحم الحركة الاحتجاجية د. موسى رحمة الله في انتظار تحضير الأرضية للحظة ثورية تهدف إلى تغييرات جذرية داخل النظام وتقوم على مطالب وطنية وخطاب سياسي لا يرتبط بالصراع الدائر بين «التيار الصدري» و«الإطار التنسيقي» أو بين مقتدى الصدر ونوري المالكي.
القناعة لدى «التشرينيين» أن الشراكة مع الصدر تتطلب إعادة بناء الثقة بعدما انفكَّ عنهم للوقوف مع النظام السياسي وحمايته، والطريق إلى ذلك تكون بانخراطه في تحديد مسار التغيير المنشود قبل الذهاب إلى انتخابات مبكرة أو القبول بحلول أو أنصاف حلول. ويعتبر رحمة الله أن ليس أمام الرجل خيارات كثيرة لإدراكه بقدرة القوى المستقلة على تغليب معادلته، ومعرفته بمكامن «الجيل الجديد» لـ«التشرينيين» الذين هم «جيل عنيد» لا يدخل في شراكاته من دون أن يفرض شروطه ويأخذ ضماناته، وهو جيل يتحضّر لفعل احتجاجي يتجاوز الاعتصامات إلى العصيان المدني الطوعي تمهيداً لتغيير نظام المحاصصة.
وإذ يستهجن الكلام عن المخاوف من اقتتال شيعي – شيعي، وهو أمر حصل مرات عدة وآخرها قتل شباب «تشرين» وهم شيعة، يؤكد على أهمية فعل جماهيري عابر للطوائف والمناطق. ويكشف أن الحديث اليوم يجري عن تشكيل جبهة «معارضة موحدة» بمختلف انتماءاتها من غير الأحزاب الإسلامية، في لحظة الصراع الأكبر، والدفع نحو «التحالف الطولي» يساهم في تأسيس تغيير شكل الصراع والمعارضة والسلطة والأقطاب السياسية. وهنا نص الحوار:
○ أين «التشرينيون» اليوم من الصراع المتفاقم على الساحة العراقية بين تيار مقتدى الصدر والإطار التنسيقي الذي يتقدمه نوري المالكي؟
•»تشرين» (الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة التي خرجت إلى الشارع في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019) هي حراك شعبي – جماهيري واسع، وتضم حركات وأحزابا قائمة وناشئة وشخصيات ونخباً. وصل إلى البرلمان باسمها نواب في انتخابات 2021 رغم الانقسام بين مقاطعين ومشاركين. ولكن بعد المواجهة المباشرة في البرلمان بين «التيار الصدري» و«الإطار التنسيقي» حدث انقسام بين الفائزين بقاطرة الحركات المرتبطة بـ«تشرين» أو القريبة منها، وعددهم نحو 45 نائباً، بسبب عدم وجود توجّه سياسي موحّد لديهم كونهم من خلفيات عدة. البعض منهم دعم المشروع السياسي لمقتدى الصدر، والبعض دعم المشروع السياسي لـ«الإطار التنسيقي» والبعض الآخر أخذ «الحياد» وأضحى جزءاً داعماً لحكومة مصطفى الكاظمي وأقرب إلى طروحاته. لقد أضاع كل هؤلاء فرصة الوصول للبرلمان، وأخفقوا في تأليف كتلة سياسية موحدة وأصبحوا بلا تأثير ولا وزن داخل قبة البرلمان، فيما كان يمكنهم أن يشكلوا ثقلاً. ليس هناك اليوم في البرلمان مَن يمثل الحركة الاحتجاجية الشعبية.
○ هؤلاء أصبحوا جزءاً من لعبة «الثلث المعطل» في البرلمان؟
• ابتدع «الثلث المعطل» بالاتفاق بين النواب المحايدين – المستقلين ورئيس الجمهورية برهم صالح وقوى سياسية شيعية. هؤلاء شكلوا «الثلث المعطل» حتى يوقفوا مشروع الصدر السياسي. الصدر كان لديه النصف زائد واحد في البرلمان، وكان يمكن أن يذهب باتجاه تأليف حكومة أغلبية. لكن في النهاية لماذا ذهبوا باتجاه «الثلث المعطل»؟ لأنهم لم يتفقوا في مطالبهم مع الصدر الذي كان يتحدث بلغة أنه «أنا الفائز الأول والجميع يجب أن يلتحق بي» وهم لم يكونوا يريدون الالتحاق بتحالف الصدر السياسي. كانوا يبحثون عن مكاسب، ويبحثون عن مواقع تنفيذية، وبالتالي هم لم يكونوا مختلفين بسلوكهم النيابي أو سلوكهم السياسي عن النواب السابقين. كانوا عبارة عن استنساخ للسلوك النيابي السابق والسلوك السياسي السابق.
○ أين «تشرين» الحركة الشعبية؟
•»التشرينيون» كحركة شعبية أخذوا طريق الحياد الإيجابي. نحن كنا نتوقع أن تندلع حركات احتجاجية في أي لحظة، قد يُبادر إليها «التشرينيون» أو غير «التشرينيين» تهدف إما لإسقاط النظام أو العمل على إصلاحات بنيوية داخل النظام السياسي. كنا نتوقع وتحدثنا مع كل الخبراء والمهتمين بالشأن السياسي عن اللحظة التي ستنفجر فيها الانتفاضة أو موجة من الغضب ضد النظام السياسي، وزادت قناعاتنا بعد انسحاب الصدر من البرلمان. وكان عندنا، كقوى تشرينية، قرار أنه في لحظة الخروج، إذا كان خروجاً سياسياً لقوى سياسية منسحبة من البرلمان، فسيحتاج ذلك أن نقف على الحياد، وألا نذهب باتجاه المشاركة إلا بعد أن توضع شروط وضمانات وتكون الأهداف واضحة حول تغييرات جذرية داخل النظام، وذلك بفعل التجربة السابقة المحبطة مع التيار الصدري. الآن هناك شروط ومطالب بضمانات وحديث عن إمكانية تطبيقها حتى يتم حصول نوع من الشراكة الجماهيرية بين «التشرينيين» وبين مَن يعتصم بالقرب من المنطقة الخضراء. بدأ الصدر يستجيب نوعاً ما لما يُطرح من رؤى من قبل «التشرينيين» وحتى إنه بدأ يُغيّر من خطاباته ومن المبادرات التي يستخدمها.
○ هناك حوار مع «التيار الصدري» حول ما تسميه الشروط انطلاقاً من التجارب السابقة غير المشجعة وحالة اللاثقة الموجودة ما بين «الصدريين» و«التشرينيين»؟
•هو ليس حواراً، وإنما أحاديث ورسائل تُرسل، وإجابات تأتي، وفي بعض الأحيان لا تأتي. الحوار معناه أن هناك قناعة عند الطرفين في العمل المشترك، وإلى الآن لم نصل إلى هذه القناعة. هي مجرد أحاديث ورسائل من عدة أطراف ومن «التيار الصدري» تُبعث لـ«التشرينيين» ثمَّ تعود. هناك أطراف كانت موجودة في الحركة الاحتجاجية وفي «تشرين» تشارك مع «التيار الصدري» لكنها لم تُعلن ذلك خوفاً من ردة فعل الرأي العام. مشاركتها مع «التيار الصدري» لا تمثل الوجهة العامة الشعبية، إنما هي مشاركة شخصية لاعتقادها بضرورة الانضمام لأي فعل مُعارض للنظام السياسي، مهما كانت الشخوص والأهداف. هم ناقمون على النظام السياسي ومشتركون مع الصدر، لكن هذا لا يكفي لتغيير شكل الحراك حتى تكون له مساحة أوسع وتنضم كل القوى غير الصدرية وتنضم كل القوى الأخرى، سواء كانت ذات توجه اشتراكي، أو ذات توجه ليبرالي علماني. حراك الصدر يتطلب الكثير من الشروط والالتزامات، ومن العمل والتفاهمات وصولاً لاتفاق القوى غير الصدرية وقوى الصدر.
○ إلى أي مدى تعتبر أن «التيار الصدري» سيكون جاهزاً لهكذا نوع من الشراكات؟
• لا أعتقد أن لدى الصدر حلولاً كثيرة أو خيارات متعددة، خصوصاً أنه يعلم جيداً أن القوى المستقلة قادرة على تغليب معادلته، وأن القوى المستقلة ناقمة حتى على البرلمانيين الذين فازوا بدعمها، فالتيار الصدري مهما حاول أن يُخفّف من شروط القوى المستقلة والمدنية، فهي في حقيقة الأمر شروط ذات سقف عال وغير قابلة للنقاش في بعض تفاصيلها، بمعنى أنها مفروضة، وعلى «التيار» أن يقبلها أو يرفضها.
○ أين التلاقي وأين الاختلاف بين مشروع الصدر و«تشرين» التي لم تتحوَّل بعد إلى مشروع سياسي واضح المعالم وله بنيته الكاملة؟
•نحن نعتقد أنه في لحظة ما خلال احتجاجات تشرين، انفك الصدر مِن الشراكة، وذهب للوقوف مع النظام وحمايته من السقوط، وهذا كان فسخاً للعلاقة بينه وبين الجماهير غير الصدرية، وبالتالي، فإن أي مشروع يُطرح من الصدر يُقرأ كمشروع مطروح من النظام السياسي. الآن هو يحتاج إلى أن يُعيد ثقة الناس بما سيطرح، وأن يُقدّم نموذجاً مختلفاً ليس عن الصدر الذي ساهم بحماية النظام في «تشرين» وإنما عن الصدر الذي يحاول أن يحقق تغييرات جذرية أو يُساهم بوضع مسار تغييري قبل أن يذهب إلى انتخابات مبكرة أو يقبل بحلول أو نصف حلول، الآن ليس أمام الصدر خيارات كثيرة سوى القبول بما يُطرح.
○ ترفضون انتخابات مبكرة من دون تحديد المسار التغييري، ولكن ماذا إذا لم تكن لدى الصدر نية بتحديد مسار التغيير؟ هل تبقون في حالة الانتظار أم ستتعاملون بواقعية مع الفرصة التي يطرحها؟
•الانتخابات المبكرة من دون حدوث تغييرات وتطبيق للقوانين هي استنساخ لانتخابات 2021 وستُفضي إلى بقاء نفس الطبقة السياسية، وستكون مجرد كسب للوقت وضياع واستنزاف لأية جهود ساعية للتغيير. وأعتقد مرة أخرى بأن القضاء أصبح جزءاً من الصراع السياسي وأنه اصطف سياسياً مع قوى ضد قوى أخرى، وهذا الاصطفاف يوماً ما سيحصل في مسار بناء الدولة، وسيساهم في تأزيم الوضع السياسي في البلد. وفي الأشهر والسنوات المقبلة لن يكون القضاء جزءاً من التجاذبات السياسية فحسب، بل جزءاً من التوافقية السياسية بين القوى المتنفذة.
علينا أن نفرض شروطاً باتجاه البرنامج الواضح للتغيير الشامل قبل أن نذهب إلى الانتخابات. هناك آلية للتغيير يجب أن تُعد وتُقدّم وأن تكون خريطة الطريق واضحة قبل قبول الذهاب إلى الانتخابات أو المشاركة فيها. هذه المرة ستكون المقاطعة أضعاف المقاطعة السابقة إذا لم تكن هناك خريطة طريق، وبالتالي أصبحت لدينا تجربة في المقاطعة، ونستطيع أن نقدم برامج وأن نحافظ على زخم الناس في مقاطعة هذه العملية الانتخابية غير المنتجة، والتي لا تساهم بظهور طبقة سياسية جديدة.
الحديث في العراق الآن هو عن مصير هذه القوى الفاسدة القاتلة، إذ قبل الذهاب إلى الانتخابات يجب أن تخضع هذه القوى للمحاسبة وأن توضع الأمور في نصابها، وخصوصاً أن هناك الكثير منهم متورط بدماء العراقيين وبالفساد، ويجب أن يُحاسبهم القضاء، وإذا لم يستطع محاسبتهم، فهذا معناه أن القضاء أصبح جزءاً من التوجّه السياسي لهذه القوى، وأن العراقيين فقدوا آخر معاقل النظام، ويجب أن يتغيّر القضاء، وأن تجري المحاكمات لهذه القوى الفاسدة والقاتلة قبل أن ندخل بعملية الانتخابات المبكرة أو نقبل بضرورة أن نذهب باتجاه صندوقة الاقتراع. هناك رهان على أن يذهب القضاء لتصحيح مساره القضائي، ويذهب إلى تصحيح العملية السياسية ويبدأ التحقيق بملفات الفساد وملفات قتلة المتظاهرين حتى يُعيد ثقة الناس بالقضاء وبالنظام السياسي. إذا بقي القضاء خاضعاً لتوجّه سياسي معين، فهذا سيساهم في تأزيم الموقف. إن السنوات المقبلة ستشهد أن القضاء هو واحد من المؤسسات التي ستكون خاضعة للتوافقية السياسية.
○ ألا يخضع الآن للتوافقية السياسية؟
•خلال السنوات الماضية لم يكن الخضوع واضحاً، كانت هناك مجرد مطالبات لكثير من الفاعلين والمعارضين وأبناء الحركة الاحتجاجية بضرورة إصلاح القضاء، وكانت هذه المطالبات ترتفع بين فترة وأخرى بأنه إذا لم يعمل القضاء على محاسبة قتلة المتظاهرين، فيكون قد أصبح أداة للنظام السياسي.
○ الصدر دعا العراقيين إلى ملاقاته، وفق معادلة «تخرجون معي وإلا نُضيِّع الفرصة» هل هي معادلة صحيحة؟ وماذا إذا تمَّ الاستفراد بالصدر، ألن يكون ذلك مصير حركات الاحتجاج اللاحقة؟
• الخروج مع الصدر من دون تحديد الأهداف، هو خروج لا معنى له. التجارب التي حصلت سابقاً مع الصدر أنضجت الحركة الاحتجاجية، لا بل كانت مساهمة بنشوء جيل جديد يرفض المهادنة والمشاركة مع أي من قوى النظام، ويمتلك العناد اليساري والمراهقة اليسارية، ونحن نسميه «الجيل العنيد». هذا الجيل الجديد في الحركة الاحتجاجية يختلف عن الجيل القديم، وصراع الأجيال موجود، بمعنى أن الجيل الجديد يفرض شروطه قبل أن يتفق مع أي أحد، والصدر إذا لم يقبل شروط «الجيل العنيد» ولم يحقق تغيُّرات لن يتشارك معه، رغم ملاحظتنا تغييره التركيبة الداخلية للتيار الصدري، وتغييره اللجنة الاحتجاجية استجابة لضغوط هذا «الجيل العنيد». هذا الجيل لا يُهادن ولا يحب الشراكات، وليست لديه تجربة سياسية طويلة مثل مؤسسي الحركة الاحتجاجية أو الفاعلين الأوائل بالحركة الاحتجاجية. هو يبحث عن الخلاص، ويعتقد بأنه إذا ذهبنا مع الصدر يجب أن يحصل اتفاق واضح وعلني من دون «رتوش» حتى نذهب باتجاه مشاركة الصدر بالفعل الاحتجاجي والجماهيري، وهذا سيحقق شيئاً من نجاح مبادرة الصدر أو حراك الصدر، بينما إذا بقي الصدر يُصر على أن يلتحق به «الجيل الجديد» فأعتقد أن الجيل الجديد ينتظر متى ينتهي الصدر ليقوم بحراكه المنفصل. وإذا كانوا يعتقدون أنه من الممكن أن يُقمع أو من الممكن أن يُنهى أي حراك بسبب السلطة والمال والسلاح، فإن الشباب عازمون على فعل احتجاجي أكبر من الاعتصامات وأكبر من الاحتجاجات. قد نشاهد دعوات كبيرة للعصيان المدني والتي بدأت حتى خلال هذه الأيام. الجيل الجديد يرى أن «التشرينيين» يجب ألا يقوموا باعتصام أو احتجاج أو تظاهرات في العراق، بل أن يقوموا بفعل احتجاجي كبير تحت عُنوان العصيان المدني، وأن يذهبوا باتجاه عصيان طوعي، وأن يدعوا الناس للعصيان تمهيداً لتغيير النظام. حتى المطالب كانت واضحة هذه المرة، وهي الحديث عن كتابة دستور جديد وحكومة إنقاذ وطني، وهذه تختلف عن الحديث عن القبول بانتخابات مبكرة، بمعنى أن سقف المطالب لدى «التشرينيين» واللجان الاحتجاجية يختلف عن سقف المطالب لدى التيار الصدري، خصوصاً وأن مواجهاته انحصرت مع مؤسسات الدولة المسيّسة. الآن «التشرينيون» يفكرون بلغة أخرى، لأن هذا النظام غير قابل للتعديل، ومن غير الممكن إصلاحه. الآن الحديث عن نظام سياسي جديد، ونظام وطني عراقي ديمقراطي يحقق العدالة الاجتماعية، وبالتالي أعتقد بأن اللحظة الثورية للحراك التشريني ستأتي، ونحن نرى محركات كثيرة موجودة، تتناقش وتتفق، وأعتقد أنه لحد الآن تمَّ تفكيك الكثير من الصراعات السلطوية وتحويلها إلى صراعات شعبية، وقد يكون الحراك التشريني حراكاً لتوسيع بقعة الاحتجاجات ونحن متأكدون من أن فعل «التشرينيين» هو فعل أعلى من الاحتجاج والتظاهر والاعتصام في مناطق معينة أو في الساحات العامة. سيذهب «التشرينيون» إلى مساحة أعلى، هي مساحة العصيان المدني، وهذه قد تحدث لأول مرة في النظام السياسي ما بعد 2003.
○ حركة تشرين أُجهضت باستخدام قوى النظام كل وسائل الاغتيال والقتل والإخفاء القسري، ما الذي يمنع اليوم من أن يحصل الشيء ذاته، خاصة أن هذه القوى ستظهر شراسة أكبر كلما شعرت أنها مأزومة أكثر.
•لا شيء يضمن عدم عودة نفس الأفعال للنظام والقوى التي تحمي النظام. لكن الجيل الجديد في تشرين لم تكن لديه خبرة، وكان ذاهباً باتجاه الفعل الثوري من دون مواجهة، ومن دون قيادة موحدة، ومن دون تنسيق واضح. كان ينطلق من اليأس ومن الانتقام من النظام السياسي. أما بعد انتخابات تشرين فهناك جيل فاهم للوضع ومحلل للأحداث بشكل جيد ولديه الخبرة، وتعرَّض للكثير من الإخفاقات والنكبات وأصبحت لديه تجربة قدمت له المهارة الفكرية والعقلية، وحتى المهارة الحديثية وأصبح يُخطط بشكل جيد.
الحركات المقبلة ستكون منظمة أكثر من الحركات التي حصلت في «تشرين». وهذا الفعل المنظّم سيساهم في إرباك النظام السياسي وإرباك القوى التي تحميه، وسيؤدي ذلك إلى تغيير حقيقي. فمن غير الممكن أن انتخابات لا يشارك فيها أكثر من 80 في المئة من العراقيين ولا تحصل فيها موجات غضب، من غير الممكن أن انتخابات غير مُقنعة بالمطلق لعامة الناس وللعراقيين ولا تحصل فيها موجات غضب. أعتقد أن موجات الغضب ستأتي وستكون أكبر من فعل الصدريين، وأكبر من الفعل الذي حصل في تشرين.
قبل تشرين، كان الحديث فقط عن تظاهرات تنطلق في الأول من تشرين الأول/أكتوبر. الحديث اليوم، وقبل أن ينطلق أي حراك هو عن فعلٍ أكبر من التظاهرات والاعتصامات. ما نراه أن الأحاديث والموازين اختلفت. المواجهة مع النظام ستأتي والفعل الثوري سيأتي، والحراك الأكبر سيأتي لأن هناك أناس غاضبين وناقمين على النظام السياسي. برأيي أن الصراع الموجود مع الصدر يساهم في تقصير عمر النظام. الصدر يريد أن يُنهي النظام حتى يمنع هذا الفعل الثوري القادم، يُريد أن ينهي النظام بأسلوبه التدريجي من دون أن تحصل تغييرات جذرية، بمعنى أنه من الممكن أن يساهم بظهور قوى أخرى أو بقاء هذه القوى، عكس «التشرينيين» والمدنيين الذين يرون أن رموز النظام يجب أن يُحاكموا وأن نظاماً جديداً يجب أن يخرج، وأن يكون بديلاً لهذا النظام الموجود، أي نظام المحاصصة. فالخلاف هو خلاف بالفكر وبالتوجه، ومن المحتمل أن نرى أن الخلاف يتوسّع بشكل أكبر، فنحن نتوقع موجة غضب كبيرة من الاحتجاجات والحراك غير الصدري في الأيام المقبلة، وسيساهم بظهور نظام سياسي.
○ هل يجري التحضير لهذه الساحات المتمايزة عن حراك الصدر؟
•أعتقد بأننا في «حزب الوعد» نتبنى نظاماً سياسياً جديداً، ونعمل مع اللجان الاحتجاجية واللجان المركزية والقوى الأخرى لتحركات متمايزة عن الصدر، لكن إلى هذه اللحظة، من الممكن أن نذهب بعدة رسائل مهمة، وأن يكون حراك الصدر حراكاً واسعاً، وأن يستجيب الصدر لكل الشروط التي وُضعت من الحركة الاحتجاجية ومن اللجان الاحتجاجية وخصوصاً في ملفات قتلة المتظاهرين والمتورطين بقمع الاحتجاجات من الصدريين، فإذا حصلت الاستجابة أعتقد ان الفعل المقبل سيكون كبيراً، ومن الممكن أن تشترك جماعات أخرى غير «صدرية» بشكل واضح مع الحراك الصدري.
○ حين تتحدثون عن المستقبل في العراق، أليس هناك إمكانية لوجود أي مشترك مع قوى الإطار التنسيقي؟
• الفجوة كبيرة بين «التشرينيين» و«الإطار» خصوصاً مع الحكومات المتعاقبة التي ترأسوها، ولا سيما حكومة عادل عبد المهدي التي نسميها «القناص» لتورطها بقتل وقمع احتجاجات تشرين، هذا سيبقى في الذاكرة. من غير المعقول أن يذهب أي عاقل من «التشرينيين» والحركات غير الإسلامية أو الحركات المدنية أو الليبرالية إلى الشراكة أو الاتفاق في التوجّه السياسي مع «الإطار» فهذا انتحار سياسي وضرب من الخيال إلا إذا كانت لديه نوايا مثل بعض المستقلين الذين الآن أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من «الإطار». وأعتقد أن الفجوة كبيرة، حتى إن الفجوة مع التيار الصدري بعد سنوات على انتهاء الاحتجاج لم تحل بعد، فكيف مع «الإطار» المتورط في القتل والتحريض والملاحقة والتغييب القسري، كل هذه التهم توجه هذه المجموعات وأحزاب الإسلام السياسي.
○ البعض يتخوف من اقتتال شيعي-شيعي؟
• الاقتتال الشيعي-الشيعي حصل في فترات زمنية متعددة وخصوصاً بعد 2003. هناك اقتتال حصل في الجنوب، وفي النجف، وفي كربلاء، لم يكن تحت عنوان ديني ولكن تحت عنوان «الدولة والصدريين» أو «الدولة والمسلحين» أو «جيش المهدي والحرس الوطني». هو اقتتال شيعي-شيعي، فلماذا الآن الحديث عن تحريم الاقتتال الشيعي-الشيعي، وكأن صراع السلطة لن يُورد اقتتالاً شيعياً. الاقتتال موجود أصلاً، وهذه القوى جرت بينها معارك مسلحة ساهمت في انعدام الخدمات وضعف الإمكانات وساهمت في انهيار الدولة، وبالتالي على ماذا التخوّف. أنا أعتقد أصلاً أنه لا يوجد شيء اسمه اقتتال شيعي، هو عبارة عن وجود قوى تمتلك السلاح والمال ولديها توجه سياسي، البعض مرتبط بتوجه قوى من خارج العراق، هي مَن تسعى لاقتتال داخلي وليس فقط مع الشيعة. هي استهدفت كردستان وضربت أربيل بالصواريخ واستهدفت المناطق المحررة والغربية وقصفتها وفجّرت البيوت، وارتكبت مجازر ضد الإنسانية، وهي القوى نفسها المتنفذة والموجودة في محافظات بغداد والوسط والجنوب، ومن الممكن أن تساهم بنفس السياسات، وهي الآن تهدد السلم الأهلي والاقتتال الشيعي – الشيعي كما يسمى. على العموم هذه القوى هي أصلاً قوى إجرامية ساهمت بقتل وذبح وتهجير الكثير من العوائل العراقية، حتى في تشرين ساهمت بالقتل، الشهداء الذين سقطوا في تشرين أغلبيتهم من الشيعة، فلماذا لم تُسمَ تلك الحادثة باقتتال شيعي-شيعي، وأن هذه القوى المسلحة ذهبت لقتل الشيعة الشباب، هل لأن هؤلاء الشيعة المدنيين خرجوا من رحم هذه المناطق الشيعية وكانت لديهم أفكار ليبرالية وعلمانية ومدنية تختلف عن أفكار القوى المسلحة التي يسمونها شيعة وتأتي بهم الفتاوى من خارج الحدود؟ أعتقد أن هذه مغالطات يطرحها «الإطار التنسيقي». «الإطار» ومَن معه من أحزاب الإسلام السياسي كان شريكاً مباشراً بالاقتتال الشيعي خلال سنوات ما بعد 2003 وكان القوة الوحيدة التي قتلت الشباب في تشرين ذوي الأغلبية الشيعية، وهي حركة احتجاجية انطلقت من المناطق الشيعية ولم تنطلق من كردستان ولا من المناطق الغربية، هي انطلقت من محافظات مليئة بالفقر وبالفساد وبالقتل، وكانت هذه الحركة هي حركة رافضة، وكل قوى الإسلام السياسي اشتركت في قتل «تشرين» واشتركت في قتل «شباب تشرين» وفي تغييبهم وملاحقتهم وهم ذات أغلبية شيعية، وبالتالي هم قتلوا الشباب، فعلى ماذا يخافون من سيناريو الاقتتال الشيعي-الشيعي، فالاقتتال حصل في 2019.
○ برأيك الصراع القائم اليوم، هل هو صراع السلطة ضمن المكون الشيعي أم صراع بين مشروعين سياسيين في العراق يشكل رافعته «الإطار» و«التيار» وتلتف حوله أطياف من المكونات السنية والكردية والأقليات؟
•أعتقد أن الصراع الموجود هو صراع مشروعين سياسيين وهي مشاريع غير واضحة المعالم، فالناس من الممكن أن تلتف حولهم، ومن الممكن ألا تلتف. هو صراع مرتبط بالنفوذ ونحاول بشكل أو بآخر أن نذهب باتجاه إعادة تعريف هذا الصراع بأن يكون صراعاً شاملاً ولأهداف واضحة تساهم في حصول تغيير. انحصار الاحتجاج والفعل السياسي بطائفة أو مذهب أو بمكون سيضيع الجهود والمبادرات. المبادرون سواء من «الصدريين» وغير «الصدريين» يدركون الحاجة إلى مشاركة الأطراف الأخرى غير الشيعية في هذا الفعل الجماهيري أو السياسي حتى يساهم في التأسيس لمشروع التغيير. اليوم يجري الحديث في العراق عن المعارضة الموحدة والتحالف الطولي الذي يمتد من زاخو وحتى البصرة. الحديث هو عن تحالف المصالح، بحيث تتشكل في لحظة الصراع جبهة بين كل أطراف المعارضة بمختلف انتماءاتها بشرط أن تكون غير إسلامية، وندفع الأطراف الإسلامية الأخرى إلى تحالف طولي يساهم في تأسيس تغيير شكل الصراع وشكل المعارضة وشكل السلطة والأقطاب. فقواعد العمل السياسي اختلفت بعد انتخابات تشرين، وباتت تفرض على كل القوى الجديدة والقديمة أن تذهب إلى التحالف الطولي.