كاتب مغربي يُمسرح «الشيخ غوغل» في قالب ساخر
الرباط – «القدس العربي»: أصدر الكاتب والمبدع المغربي كريم الفحل الشرقاوي نصا مسرحيا في صيغة ورقية، واعتمد على معالجتين لهذا النص الأولى درامية والثانية مونودرامية.
هو صاحب «مسرح نون» الذي راكم سنوات من العطاء لأبي الفنون بعروض مسرحية نالت الرضى والاستحسان والقبول الكبير من طرف الجمهور العريض للمسرح الرصين الحامل لرسالة الإبداع.
في هذا الكتاب الجديد الصادر عن دار الأمان، والواقع في 111 صفحة من القطع المتوسط، يواصل الشرقاوي مغامرته المحسوبة على التألق، حيث يتيسر له إمتاع القارئ بصيغتين مختلفتين لنص واحد؛ وهو ما يوضحه الكاتب في مقطع نشر على ظهر الغلاف، حين قال «المختلف في هذا النص المسرحي تناوله نفس الثيمة بمعالجتين: درامية (4 شخوص) ومونودرامية (شخصية واحدة)».
و»يستحضر هذان النصان الفنتازيان الساخران»، يضيف الشرقاوي، «شخصية الشيخ القوقل أو غوغل الذي سيسعى بعد انقراض الزمن الورقي واختفاء الكتب وكل المنشورات الورقية إلى إبرام عقد احتكاري مع آخر بائع للكتب في كل الأزمنة المدعو مسرور بن عاشور بن دهشور المطبعي بن منشور الناشر بن شحرور الخطاط بن بعرور الناسخ بن قنطرور الوراق بن الفهرستاني الكبير».
من خلال تسمية آخر بائعي الكتب، يبدو أن النص كما هي عادة كريم الفحل الشرقاوي، يسير في طريق السخرية اللاذعة والنكتة السوداء التي تنتقد بلبوس كوميدي ضاحك، هي السخرية من واقع أمر بات يثقل كاهل كل عاشق للكتاب والمعرفة بصيغها النبيلة القديمة.
قبل المرور إلى المتن وإلى استعراض صيغ المعالجة الخاصة بالنص المسرحي، تصدّر الكتاب نص تقديم كتبه الدكتور خالد أمين، وقف فيه على ما يميز هذا المؤلف الذي يعد استمرارية لما سبق من ابداعات الشرقاوي.
ويلاحظ صاحب التقديم أن «المتتبع لأعمال كريم الفحل الشرقاوي سيلمس هذه الرؤية الكابوسية المبنية على الفنتازيا بوصفها استشرافا لجماليات الغروتيسك الذي يعمل على المزج بين المأساوية والسخرية.»
ويضيف أنه في هذا النص المسرحي، «تنصهر تلك الرؤية المأساوية بسخرية لاذعة واضعة المتلقي أمام حالات وجدانية تجعله وجها لوجه مع الضحك والبكاء في اللحظة نفسها».
تضمن الكتاب أيضا ورقة أخرى كتبها الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم، هي عبارة عن قراءة نقدية، حيث أشار إلى أن كريم الفحل الشرقاوي «لخص تجربة رائدة في الكتابة الدرامية تنضاف إلى رصيده الإبداعي اللامع».
وأضاف قائلا إن الصيغتين المختلفتين اللتين اعتمدهما في كتابة نص واحد تؤكدان أن الأمر يتعلق بنهج أسلوب غير مألوف في بناء النصوص المسرحية والدرامية؛ فقد شيد معماره الدرامي استنادا إلى أربع بنيات مؤسسة، هي «البنية الملحمية والبنية العبثية والبنية التجريبية والبنية الكوميدية الدامعة».
من خلال ما سبق من تقديم خالد أمين وقراءة بن إبراهيم النقدية، يبدو التشويق في قمته، للاطلاع على هذا المؤلف الذي يغني الخزانة المغربية والعربية بشكل عام، خاصة في صنف قليل الحضور في المتن وهو المسرح، والأكثر من ذلك أن يضيف دفعة دعم للكاتب الورقي من خلال اعتماد صيغة الكتاب كما عهدناه في السابق من ثمار المطابع.
خوض كريم الفحل الشرقاوي في موضوع «غوغل» هو خوض في مسار موجع من انقراض الورق والكتابة بصيغتها التي عهدناها وتحصيل المعرفة ومتعة القراءة كما عاشه جيل الكتب الورقية والمطابع التي تشارف على النهاية، وبالتالي نهاية عصر وحقبة ومرحلة غاية في البلاغة المعرفية ولن يتبقى سوى نوستالجيا الذاكرة وصور عبرت وصارت مجرد تاريخ.
لكن المؤلم صار بإبداعية عالية للكاتب الشرقاوي، مضحكا وعبر قارة الوجع ليستقر في جزيرة السخرية، حيث كل شيء لا لون له سوى لون الترقب لما ستحمله اليوميات المقبلة من صراع الورقي والرقمي، أو بصيغة أكثر عمقا صراع الواقعي مع الافتراضي.