علي حسين
يوصف بأنه أشهر فيلسوف معاصر، لكنه يسخر من هذا الوصف ويقول إنه لغوي صنع شهرته من اللغة التي يرى أنها عملية إبداعية جعلت من البشر “مبدعون وخلاقون”.. المفكر المشاغب كما تصفه وسائل الإعلام، بشعره الأبيض المعتنى بتسريحه وقمصتله الكتان، وتلك اللمعة الطفولية المشاغبة في عينيه، يرفض أن يقال له إنه صاحب نظرية:
“هذا المصطالح عفا عليه الزمن”. نعوم تشومسكي الذي سيدخل عامه الخامس والتسعين بعد أسابيع لا يزال مهموماً بالفلسفة يرى أنها يمكن أن تكون رأس الحربة في جهود إصلاح العالم، يؤكد أن المهمة التي تواجه المواطن تكمن في واجب تغيير العالم، وهي العبارة التي رفع لواءها المرحوم كارل ماركس عندما أعلن عن أن مهمة المفكر ليست تفسير العالم وإنما تغييره.. ولأننا استطعنا أن نغير العراق نحو الأحسن بفضل مجموعة من المفكرين كان على رأسهم السيد عباس البياتي، فكان لابد من أن يُكمل مركز الرافدين لصاحبه زيد الطالقاني مهمة تغيير العالم، فأعلن عن إقامة ملتقى تحت عنوان “العالم يتغير”، ولأن الله لطيف بعباده فقد التقطت لنا عدسات الكاميرات صورة للسيد عباس البياتي ومعه المئات وهم ينصتون إلى الكلمة التي ألقاها تشومسكي العراق وفيها اكتشف مشكوراً “أن العالم يتغير.. وهذه المرة نتيجة المتغيرات” وأرجوك لا تطلب مني تفسيراً لهذه الجملة العجيبة لأنني سأحيلك إلى كتاب تشومسكي “بنيان اللغة”.
في كتابه المهم “الدول الفاشلة” يخبرنا تشومسكي الحقيقي، وليس مدير مركز الرافدين، أن الدول الفاشلة تصبح عبئاً على مواطنيها. ولا أعتقد أن هناك عبئاً عانت منه الشعوب مثل عبء الديمقراطية العراقية ومهزلة التوافق.
لست في وارد الحديث عن ما قدمه المركز من ندوات، وما بثته القنوات عن المنجزات التي تحققت خلال التسعة عشر عاماً الماضية، ولكن هل يعقل أن الجميع يريد ان يُغير العالم ، في الوقت الذي يعيش فيه العراق ” محلك سر ” . سيقول البعض: أيها الكويتب ما الذي يضرك في أن تعقد ندوات ومؤتمرات لمناقشة اوضاع العالم ؟، ألست من الذين صدعوا رؤوسنا بالحديث عن تجارب الشعوب ؟ أعرف اننا بحاجة لان تعرف موقعنا من العالم ، بحاجة إلى مراجعة حقيقية تفتح بها الملفات المغلقة ومصارحة المواطنين بما جرى ، كل هذا أتفهّمه، ولكن، الذي ما لا أفهمه، ولا أصدقه، كيف يتمكن مركز الرافدين من أن يجمع كل هذه الكوكبة من المسؤولين، في الوقت الذي تُسدّ هذه الأبواب أمام بوجه المواطن الذي يبحث عن طوق نجاة؟ .
إذا أردت الجواب عن ظاهرة مركز الرافدين، ستجدها حتماً في دفاتر الديمقراطية العراقية الممتعة والظريفة، خصوصاً حين يخوض سدنتها نقاشاً بيزنطيّاً حول مَن المسؤول عن كل ما جرى؟ .