المخرج التونسي شوقي الماجري .
محمد السعدي .
قد يتسأل البعض لماذا هذا العنان في الكتابة عن مخرج تونسي ؟.
وأنا لم ألتقيه يوماً ولاحتى حدثته ، لكني كنت من متابعيه أعماله سبق وأن كتبت عن مسلسله ( هدوء نسبي ) عمل عربي مشترك عراقي ، سوري ، مصري العام 2009، نقل به حالة العراق وماتعرض الى أحداث دراماتيكية منذ لحظات غزوه الى ساعات إحتلاله . وكانت في نيتي أن أدعوه كعضو شرف في مهرجان بيدر الاول الذي أقييم في مدينة مالمو السويدية في شهر أيلول 2019 ، لكن أحياناً تتعذر الاسباب . تعرفت على المخرج العربي ( التونسي ) والعالمي شوقي الماجري من خلال أعماله التي أخرجها طيلة مسيرته الفنية والإخراجية والتي مست تاريخنا العربي برؤية نقدية مستقبلية تلامس أرض الواقع الحالية . فهو مخرج دراما وسينما بأمتياز ومن خلال أعماله التي قدمها وأغنى بها ساحات الدراما العربية متنقلا بين حدث تاريخي وواقع مزري حالي ، يربط بين التاريخ والحاضر وأستشراقات المستقبل ، يحمل هماً عربياً بما تعرض له العرب من هزائم طويلة وأرتداد وضياع فلسطين .
من أهم أعماله مسلسل ( الإجتياح ) ، الذي يتناول به القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين تحت سلطات الإحتلال مما حصل على جوائز عالمية . ورغم شهرته في العالم العربي من خلال قيمة أعماله الفنية والتاريخية كمخرج ، لكنه كان قليل الظهور الاعلامي ، ولهذا ربما كانت شهرته محدودة الا في أوساط المتابعين والمعنيين ببلاوي قضايانا . ومن أهم أفلامه ( مملكة النمل ) ، الذي يتناول به الشأن الفلسطيني برؤية وطنية وأزمتها المستعصية والوضع العربي المعقد والبائس ، ويعد الفيلم الوحيد في سجله السينمائي والذي أخرجه بأدواته الابداعية المميزة ، الذي جمع فيه بين الخيال والإبداع والواقع المرير لتصوير معاناة الشعب الفلسطيني وحياتهم تحت الأرض ويحاكي قصة ثلاثة أجيال من الفلسطينيين المقاومين ، وتعاقبت أعماله على الشاشة العربية برؤية وأخراج وحكاية مميزة وربما أوساط عريضة من الجمهور العربي بتابعون أعماله ، لكنهم لايفطنون أن ورائها مخرج كبير بمستوى شوقي الماجري . ومن أهم أعماله مسلسل ( إسمهان ) ، ومسلسل ( أبناء الرشيد ) ، ومسلسل ( نابليون والمحروسة ) ، ومسلسل ( هدوء نسبي ) ، من كتابة الروائي السوري خالد خليفة ومن أنتاج قناة البغدادية ، وكان المسلسل من حصة العراق وماتعرض له من أنتهاكات وخروقات قانونية جراء إحتلاله العام 2003 . ومسلسل ( عمر الخيام ) ، ومسلسل ( أبو جعفر المنصور ) ، ومسلسل ( الارواح المهاجرة ) عن رواية الكاتبة إيزابيل أيندي بيت الارواح ، ومسلسل ( سقوط حر ) ، وختمها في رمضان الفائت بمسلسل ( دقيقة صمت ) ، والذي مازال محط أنظار متابعي الشاشة الصغيرة ورؤية النقاد .
ترجل مبكراً عن صهوته الابداعية أثر تعرضه الى ذبحة قلبية في بيته بالقاهرة لم تمهله وقتاً كافياً لانقاذه ، لقد فارق الحياة بباب أحدى مستشفيات القاهرة ، وكان متواجد في القاهرة لمتابعة عمله الجديد لموسم قادم . رحل عن عمر يناهز 58 عاماً ، يوم الخميس المصادف 10 أكتوبر . وأرتدت منصات مواقع التواصل الاجتماعي ثوب الحداد عليه ، وكانت طليقته الفنانة صبا مبارك أول من نشر الخبر على صفحتها موشحة بالسواد مودعه أب أبنها عمار .
ولد في شهر نوفمبر العام 1961 في أحد الاحياء الفقيرة للعاصمة تونس ، وكان تسلسله التاسع بين أخوانه لاب فقير يعمل نجاراً ، ودرس في البداية في تونس علم الاجتماع لكنه لم يستهويه ويلبي رغباته مما ألتجأ الى عالم الفن بدراية وعمق وواصل مسيرته للانتقال في أرقى جامعات دولة بولندا للحصول على درجة الماجستير في الاخراج من نفس الجامعة التي تخرج منها المخرج العالمي رومان بولانسكي .
بعد يوم من رحيله في العاصمة المصرية ، نقل جثمانه الى العاصمة التونسية في أستقبال مهيب رسمي وشعبي يتقدمهم وزير الثقافة ومحبيه من فنانيين وأعلاميين وصحبة عمر وأهله .
وقد عاش في السنوات الاخيرة من عمره متنقلاً بين العواصم العربية عمان ، دمشق ، القاهرة ، لمتابعة نتاج أعماله ولرصد حالات المجتمع العربي لاعمال درامية جديدة .
في يوم 12 أكتوبر تم تشييع جثمان المبدع التونسي الراحل الى مثواه الأخير بمقبرة الجلاز في العاصمة التونسية وبحضور عدد من الفنانين التونسيين والعرب ووزير الثقافة محمد زين العابدين . وقد عرف عن المخرج التونسي بشجاعته في تناول قضايا تاريخية معقدة وحولها خلاف مزمن وطرحها بجرأة على الشاشة العربية .