عقرة العراقية مدينة التين والعسل وعاصمة نوروز
مدينة عقرة تمثل إداريا قضاءً تابعا لمحافظة دهوك في إقليم كردستان العراق، وهي مميزة بموقعها الذي يتوسط ثلاث محافظات هي أربيل، ودهوك، ونينوى، كما أن قضاء عقرة مهم كرديا، لأنه يمثل حلقة الاتصال بين المنطقتين البهديناية والسورانية. يحد قضاء عقرة من الشمال قضاء ميركه سور التابع لمحافضة أربيل، ويشكل جبل بيرس الحد الفاصل بين حدود القضائين، وتحده من الجنوب محافظة نينوى ومن الشرق محافظة أربيل، ويشكل نهر الزاب الكبير الحد الفاصل بين حدودهما، ومن الغرب قضاء الشيخان، ويشكل نهر الخازر الحد الفاصل بينهما. يبلغ عدد نفوس قضاء عقرة نحو 190 ألف نسمة يتوزعون على مدينة عقرة و 5 نواح تابعة للقضاء هي بجيل، وبرده رش، ودينارته، وكرده شين، وكلك. بالإضافة إلى 324 قرية في عموم القضاء، أما مدينة عقرة التي تمثل مركز القضاء فينحصر عدد سكانها بنحو 38 ألف نسمة يتوزعون على 8 أحياء سكنية.
مدينة عقرة لها وجود ممتد في عمق التاريخ، ويعتقد الباحثون أنها واحدة من مدن العراق القديمة، وهي مبنية على امتداد سفح جبل وتتدرج البيوت فيها إلى قرب القمة بشكل أخاذ، ما يشكل منظراً فريداً يميزها عن غيرها من المدن، وتطل المدينة على واديين فسيحين فيهما بساتين الفاكهة وفي داخل الوادي الشرقي شلال السيبه الذي يؤمه الزوار والمصطافون للتمتع بمنظره الخلاب وطقسه البارد صيفاً، فضلا عن عيون كاني زرك، التي تنبع منها مياه شلال سيبه. يعتمد السكان في عقرة على الزراعة بموسميها الشتوي والصيفي فضلا عن بساتين الفاكهة والزيتون والرمان والتين التي تعتمد في سقيها على مياه العيون المنتشرة في محيط المدينة. ويزرع الأرز فيها بكثرة، وهو من أجود أنواع الأرز، علاوة على المرافق السياحية والتجارة حيث تعتبر المدينة تاريخيا السوق التجاري الرئيسي للمنطقة.
تقول الأسطورة الكردية القديمة إن طائرا غريب الشكل حط فوق قمة جبل عقرة، وبعد مغادرته بفترة وجيزة انفجر بركان هائل، وانسابت السيول من أعلى القمة لتغمر السفوح والوديان بمياه يطفو فوقها اللهب المستعر، وعندما هدأ البركان، تكونت مغارات يسطع فيها الماس والذهب، وأخذت تتسامق في الوديان أشجار الخوخ والرمان والتفاح وتنبثق مئات الينابيع الباردة العذبة، وبدأت حياة جديدة مفعمة بالخير والبركة، في هذه اللحظة ولدت مدينة عقرة.
ويعتقد بعض الباحثين أن مدينة عقرة ظهرت كمستوطنة بحدود 700ق.م، وحسب الكاتب فائق ابو زيد عقراوي فإن عقرة قد وردت باسم ئاكري، وهذا الاسم هو الأصل الذي يتداوله أبناؤها وأبناء المنطقة وهو مشتق من آكر أي النار التي تدل على النقاء والحب والبركة.
في سنة 1133م سيطر عماد الدين زنكي على عقرة، وجعل المدينة وقراها وقفا للجامع الكبير النوري الذي بناه نور الدين زنكي في الموصل. ويذكر ياقوت الحموي الذي زار عقرة سنة 1207 م في كتابه «معجم البلدان» الجزء السادس ص194: «والعقر أيضا قلعة حصينة في جبال الموصل، أهلها كرد وهي شرقي الموصل تعرف بعقرة الحميدية، خرج منها طائفة من أهل العلم» كما يشير في موضع آخر إلى: إن «كل فرجة بين شيئين فهي عقر» فلا يستبعد أن يكون اسم المدينة قد أقتبس من هذا المعنى لاسيما أنها تقع بين جبلين.
ويصف المؤرخ الموصلي ياسين خيرالله العمري مدينة عقرة في العهد العثماني في كتابه «غاية المرام» ص 96 بأنها مدينة الخيرات لوفرة مياهها وجمال طبيعتها. ويتحدث عن التجارة بين عقرة والموصل في عهد الإمارة الجليلية بقوله: «إن أهل الموصل كانوا يسمون عقرة كجك اسلامبول، أي اسطنبول الصغيرة، لتنوع منتجاتها التي تصدر إلى الموصل مثل العفص، والرز، والقطن، والعسل، وحلوى من السما. كما تمتاز المدينة بصناعة اللبن الجيد وكثرة أصناف الفواكه وتنوعها».
ويذكر المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني في كتابه «العراق قديما وحديثا» ص 264 المدينة بقوله: «عقرة بلدة قديمة لم يهتد المؤرخون إلى تعيين الزمن الذي تأسست فيه على وجه التحقيق. وهي كائنة في المرج أو مرج الموصل، وقائمة على منحدر جبل عقرة الأجرد، ويشبه هذا الجبل بتكوينه الطبيعي مدرجا رومانيا فيخال الناظر إليها من بعد أنها تتكون من طبقات بعضها فوق بعض. تطل على واد فسيح بساتينه محفوفة بالأزهار، وأشجاره مبدعة بالثمار.. فإذا مد الشتاء رواقه لبس الجبل المذكور ثوبا قشيبا من الثلوج. وفي عقرة من الفواكه اللذيذة والأشجار المثمرة الكثيرة ما يفيض عن حاجاتها فتمون بها القرى الملحقة بها.. وبطيخها من أجود أنواع البطيخ في العراق وتينها مشهور بنكهته وحلاوته.. أما الأرز الذي تجود به تربتها فقد نال شهرة واسعة».
القلعة والجامع الكبير والكاتدرائية
تعد قلعة عقرة التاريخية من أبرز المعالم الأثرية في المدينة، وتقعُ في الجهة الشمالية من المدينة، تحديداً على قمة جبل شاهق، حيثُ يبلغ ارتفاعُه حوالي 450 متراً. جزء من قلعة عقرة صخري والبقية أبنية ترابية، وهي مربعة الشكل طول ضلعها 110متر وبذلك تكون مساحتها 12.100 متر مربع. في سنة 533 ق.م حصنها الأمير الميدي زند تحصينا جيدا، وأجرى إليها الماء من نبع يسمى كانيا باشاى على السفح المقابل للجهة الشمالية للقلعة، وذلك بواسطة قاعدة الأواني المستطرقة، حيث تم حفر قناة في الصخر ربطت بواسطة أوان فخارية وتم دفنها بالطين حتى لا ينفذ منها الماء. وكانت المنطقة العلوية من القلعة خاصة بسكن الأمير وحاشيته، أما الجزء السفلي فهو خاص بالرعية. وما تزال بقايا القلعة قائمة حتى اليوم، وقد باشرت مؤخرا دائرة آثار دهوك بحملة ترميم في قلعة عقرة الأثرية.
كما يعد الجامع الكبير في عقرة أول مسجد بني في كردستان بعد الفتح الإسلامي، ويصل عمره إلى أكثر من 1400 عام. وحسب المصادر التاريخية، تم بناؤه في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رض) عام 20 هـ بأمر من عبدالله بن عمر (رض) وقد شهد المسجد العديد من حملات التجديد وإعادة البناء، وكان آخرها عام 1965 حيث قامت بأعمال الصيانة والتجديد وزارة الأوقاف العراقية بمساعدة المتطوعين من أبناء مدينة عقرة. وهناك اليوم العديد من المدارس والمعاهد الدينية المحيطة بجامع عقرة الكبير، أحدها يديره منيب أحمد الإمام، والآخر يديره الشيخ عبد الله أحمد محمد، وتضم مكتبات هذه المعاهد الكثير من المخطوطات النفيسة التي يعود تاريخها إلى قرون، وتتميز أجواء الجامع الكبير ومدارسه الدينية بالروحانية التي يحلق فيها الزائر وهو محاط بعبق التاريخ.
كان لمنطقة عقرة، المعروفة باسم مقاطعة مارغا، أديرة كبيرة جدا تعود للكنيسة الشرقية، مثل دير ربان بار إيدتا، ودير مار يعقوب الكبير في بيت عبي، كما كان هناك أكثر من عشرين ديراً غير معروفين نسبياً في مقاطعة مارغا، يذكر اثنان منهم فقط في بعض المصادر بعد القرن العاشر. في بداية القرن السابع عشر، تم ذكر أربعة أديرة فقط في منطقة عقرة مع ستين قرية مسيحية تابعة لكنيسة المشرق. وقد شهدت المنطقة حملات البعثات الكاثوليكية وخاصة البعثات الدومينيكية ابتداءً من القرن الثامن عشر، وجاءت لتحويل المجتمعات المسيحية المحلية إلى الكاثوليكية. وهكذا انتقل العديد من الذين كانوا أعضاء سابقين في الكنيسة الشرقية، إلى الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في أوائل القرن العشرين.
شكلت عقرة وزاخو والعمادية أبرشية كلدانية واحدة تحت اسم العمادية. وفي عام 1850م تم تقسيمها إلى ثلاث أسقفيات منفصلة حيث تم إنشاء أبرشية عقرة. ويعود تاريخ كاتدرائية مريم العذراء في جبل عقرة إلى هذه الفترة، وتبلغ مساحة الكنيسة حوالي 100 متر مربع، وقد بنيت على الطراز البازيليكي، لها ثلاثة صحون وفيها أربعة أزواج من الأعمدة الأسطوانية الحرة التي تحمل سقفاً يكون الجزء المركزي منه أعلى بقليل من الممرات. جدران المبنى سميكة وحجرية من الخارج. يوجد على الجدار الجنوبي للكاتدرائية شعار النبالة ولوحة رخامية عليها زخارف سريانية، كما يوجد على الجدار الشمالي لوحة أخرى يمكننا أن نقرأ عليها باللغة السريانية «سيدة الوردية المقدسة». ومع الأسف تعاني هذه الكاتدرائية اليوم من الإهمال لأنها لم تشمل باعمال الصيانة حتى الآن.
عاصمة نوروز
يحتفل العراقيون بعيد الربيع في 21 آذار/مارس من كل عام، بينما يعتبر الأكراد هذا اليوم عيدا قوميا كرديا لأنه يمثل رأس السنة الكردية التقليدية، وتلعب مدينة عقرة دورا مركزيا في احتفالات نوروز، إذ يتجمع الأكراد من مختلف المدن المحيطة بعقرة ويصعدون لقمة جبلها قبل غروب يوم العيد، وتبدأ الاحتفالات وإطلاق الألعاب النارية ليلا، وتشعل المشاعل التي تنير جبل عقرة في منظر خلاب.
هذا المهرجان الكردي القديم المعروف باسم نوروز، أي اليوم الجديد، هو حدث يحتفل به الأكراد ببداية العام الجديد والترحيب بالربيع. ويختار البعض أماكن عفوية حيث يكون هناك دائما أطعمة خاصة بالعيد وألعاب نارية ورقص وغناء. ويرتدي المحتفلون الملابس الكردية التقليدية، إذ ترتدي النساء الملابس الزاهية المطرزة والملونة، بينما يرتدى الرجال الملابس الكردية التقليدية من سترات وسراويل فضفاضة وعمائم الجمداني من الشماغات السود أو الحمر يلفونها على رؤوسهم.
تنبثق روح العيد عند الغسق، حيث يصعد موكب حاملي المشاعل إلى أعلى جبل عقرة، لأن للنار دور مركزي في عيد نوروز فهي تحيل إلى أسطورة كاوه الحداد الثائر الكردي الذي هزم الضحاك، الملك الشرير، ثم أشعل النيران في سفوح الجبال. بينما يربط بعض الباحثين بين دور النار المركزي في عيد نوروز وبين أصل هذا العيد المرتبط بالديانة الزرادشتية التي تحتفي بالنار بشكل كبير.