علي حسين
يخطئ من يتصور أن احتجاجات تشرين قد اسدل الستار عليها، وتبخرت معها أحلام الشباب الذين سُفكت دماؤهم على جسر الجمهورية و في ساحة التحرير والحبوبي أو عمارة السنك أو البصرة أو ميسان.. لقد خرجت الناس في الشوارع والساحات احتجاجاً على حالة الفشل والعجز التي أصابت مؤسسات الدولة، ولا أعتقد أن الدولة استعادت عافيتها حتى تتوقف الاحتجاجات وتتلاشى.
في بلاد تسخر من مواطنيها وتحاول أن تستغفلهم، وكان آخرها النكتة التي اُطلق عليها كأس السوبر العراقي، والتي لا تختلف كثيراً عن نكتة النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي، الذي ما أن فاز بالمنصب حتى ذهب يطرق باب عادل عبد المهدي يطلب منه المشورة في الحكم الرشيد!!
هل هناك مضحكات أخرى؟ نعم، لكنه ضحك على طريقة عمنا أبو الطيب المتنبي، ففي لفتة مثيرة أخبرنا النائب محمد الصيهود بأن سبب امتلاك بعض العشائر لأسلحة ثقيلة، وحروب القاذفات بينها، لأن البرلمان لم يشرع قانوناً للعشائر والقبائل العراقية لدعم رئيس العشيرة.
قبل 57 عاماً أعلنت سنغافورة الاستقلال، كانت آنذاك مستنقعاً للأمراض، فتحولت اليوم إلى واحدة من أهم اقتصاديات العالم، المواطن فيها يحصل على أعلى دخل سنوي في العالم، وفي كل احتفالية بعيد الاستقلال يكون خطاب رئيس الوزراء واحداً: تحقيق حياة أفضل للمواطنين.. نحن في العراق نحتفل بعيد الاستقلال الذي أصبح عمره “90” عاماً بالتمام والكمال،. وندرك جيدا اننا في “جعب” الدول التي حققت رفاهية لشعبها، أما في الاقتصاد والصناعة فقد وقفنا “محلك سر”، نشتم الإمبريالية التي تريد أن تسرق ثرواتنا، ونرفض أن تُبنى مصانع أجنبية في البلاد خوفاً على قيم الفضيلة.. سنغافورة تحولت إلى أهم مركز للشركات العالمية، وليس على أراضيها عشائر تستخدم الهاونات، ولا صواريخ كاتيوشا تنطلق في كل الاتجاهات ولا قانون يشرعه محمد الصيهود . لكي تفخر بيومك الوطني يجب أن تكون مستقلاً مالياً ومرفهاً اجتماعياً.
من المؤكد أنّ كثيراً من العراقيين يشعرون بالحسرة وهم يشاهدون كل يوم أمماً وشعوباً كثيرة تتحرك لتعديل أوضاعها، ، إنّ ما يفرقنا عن هذه الأمم التي تسعى دوماً إلى تصحيح أوضاعها المتردية أنهم يملكون قوى سياسية حيّة وفاعلة للتغيير،
الذين يقلبون صفحات التاريخ، لا يريدون أن يلتفتوا لقضية مهمة جداً، لكي تحتفل بعيدك الوطني يجب أن تكون متحرراً من العوز والفقر والخوف، لا يوجد عيد وطني من دون مستقبل مشرق للبلاد.
تخلصت سنغافورة من المستعمر البريطاني، لكنها أنشأت من خلال مستشاريها أكبر الشركات العالمية، وبالاستثمارات الأجنبية تتحول فيتنام الآن إلى واحدة من أبرز اقتصادات العالم. مضى زمن النابالم والخطب الرنانة .
ياسادة، ويجب أن أتوارى خجلاً لأنني أعتقد أن الكتابة عن سنغافورة ، أجدى وأكثر نفعاً من الحديث عن عودة ” ابو مازن ” .