أبرز الثوار الذين تعرضوا للتشويه في الجزائر
يحتفل اليوم شعب الجزائر بالذكرى الـ63 لاندلاع الثورة التحريرية، الثورة التي خلدها التاريخ باعتبارها واحدة من أعظم الثورات في القرن العشرين، نظراً للبطولات التي جسدها الشعب الجزائري، ناهيك عن التضحيات التي قدمها طيلة 132 سنة من الاستعمار الفرنسي لبلاده، في المقابل وجد بعض القادة الجزائريين الذين شاركوا الجزائريين كتابة تاريخٍ مشرفٍ عن تضحياتهم أنفسهم متهمين، تارةً بالخيانة، والتواطؤ ومعارضة الحكم بعد الاستقلال تارةً أخرى، ومن بين الشخصيات التي سنتحدث عنها في هذا التقرير كل من أحمد باي بايلك قسنطينة في فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، والأمير عبد القادر الجزائري صاحب أعظم ثورة شعبية في نهاية القرن التاسع عشر، ناهيك عن مصالي الحاج والعقيد شعباني ومحمد بوضياف.
« أحمد باي » العثماني . . الجزائري و المجاهد المغضوب عليه
في الوقت الذي توجه فيه «أحمد باي» إلى العاصمة الجزائر من أجل دفع «الدنوش» والهدايا المفروضة على البايات كل ثلاث سنوات إلى الداي حسين، انطلاقًا من أعراف الدولة العثمانية آنذاك، كان الجنود الفرنسيون في طريقهم للجزائر فيما عُرف وقتها بالحملة الفرنسية على الجزائر بقيادة الجنرال «دي بورمون»، تواجدُ «أحمد باي» مع جنوده في العاصمة أعطى أملًا للجزائريين للتصدي لهذا العدوان , لم يخيب أحمد باي ثقة الداي حسين الذي استدعاه في اجتماعٍ من أجل استشارته في الطريقة التي تواجه بها الجزائر الحملة الفرنسية، فاقترح الحاج أحمد باي خطةً تمثلت أساسًا في انسحاب الجيش الجزائري نحو مدينة شرشال، وتُترك للفرنسيين فرصة لإتمام الإنزال بشاطئ سيدي فرج، بعدها يتم الهجوم عليهم من قبل الجيش الجزائري المتواجد بشرشال والعاصمة، وهي الخطة ذاتها التي استعملها «أحمد باي» فيما بعد في الذود عن مدينة قسنطينة.
شكلت «خطة أحمد باي» نقطة فارقة في معركة احتلال الجزائر، إذ أنها نجحت في البداية في صدّ الهجوم قبل أن ينهزم الجيش الجزائري في «معركة سطاوالي» الشهيرة ليعلن بعدها الداي حسين الاستسلام ويوقع على معاهدة تسليم فرنسا للجزائر.
ولد أحمد بن محمد الشريف بن أحمد القلي المعروف باسم أحمد باي حوالي سنة 1784 بمدينة قسنطينة من أصل كرغلي، إذ كان أبوه من أصلٍ عثماني وأمّه جزائرية، عرف الحاج أحمد باي بحزمِهِ وذكائه وقوة شخصيته عند حكمه لبيلك (مقاطعة الشرق) قسنطينة عام 1826، هذه المقاطعة التي عرفت بالاضطرابات الإدارية وعدم الاستقرار، بمجرد تسلمه لمهامه عمل على إرجاع المقاطعة إلى وضعها الطبيعي، عن طريق قيامه بإصلاحات، فكسب قلوب سكان قسنطينة ما أدى فيما بعد بسكان هذه المدينة بعد احتلال مدينة الجزائر العاصمة أن يصروا على ضرورة بقاء الحاج أحمد باي بالمدينة ليدافعوا معًا عنها، هذا ما جعله يعلن الجهاد ضد فرنسا وينطلق في مقاومة شعبية رسمية عنيفة ضد المستعمر الفرنسي.
بالموازاة مع ذلك قامت ثورة شعبية أخرى بالغرب الجزائري، قادها «الأمير عبد القادر الجزائري»، وفي الوقت الذي كانت فيه فرنسا تتلقى ضربات عنيفة من المقاومتين وصلت بها إلى عدم قدرة مجاراتها المقاومتين معًا؛ فضّل الأمير عبد القادر توقيع معاهدة هدنة مع فرنسا عرفت بـ«معاهدة التافنة» التي سمحت لفرنسا توجيه جميع قوتها لوأد مقاومة «أحمد باي» إلى أن تمكنت فرنسا من إسقاط مدينة قسنطينة، انسحب الحاج أحمد باي على إثرها إلى الصحراء مشكلًا مع جنوده جيشًا جديدًا حاول مرارًا به صدّ الاحتلال الفرنسي من التقدم أكثر، ورفض أحمد باي التفاوض مع فرنسا التي رأت في المفاوضات معه فرصةً لتعزيز ركيزتها بالمدينة، مفضلًا مواصلة الكفاح ضد فرنسا حتى وفاته سنة 1856.
وترى الدكتورة المختصة في تاريخ الجزائر المعاصر «بيشي رحيمة» في حديثها مع «ساسة بوست» أنّ المؤرخين خصوصًا الغربيين عملوا على تشويه صورة أحمد باي من خلال تلميحهم إلى أصله الكرغلي في كلّ مناسبةٍ وكونه ممثلًا للدولة العثمانية، واستغلال ذلك لتبرير عدم الانسجام والتنسيق والذي نتج عنه توقيع الأمير عبد القادر لهدنة مع فرنسا.
وفي عشية الاحتفالات بذكرى الثورة التحريرية الجزائرية أعلنت وزارة الثقافة الجزائرية عن حفلٍ بالمناسبة يحييه أحد مطربي الكباريهات المسمى «هواري منار»، وذلك في قاعة أحمد باي بقسنطينة، وخلفت هذه الحفلة سخطًا شعبيًا كبيرًا إذ اعتبرتها شريحة واسعة من الجزائريين إهانة للثورة التحريرية ولشخص أحمد باي كون الحفل سيقام في قاعة تحمل اسم أحمد باي، ويرى المواطن الجزائري «عبد القادر بوتيتل» في حديثه مع «ساسة بوست» أن إقامة هذا الحفل وتعيين مطرب ساقطٍ لتنشيطه والمكان الذي تم اختياره للحفل ناهيك عن الوقت هو إهانة وظلم كبيرٌ للجزائر وقادتها، وأما الغضب الذي خلفه إعلان هذا الحفل رضخت السلطات لمطالب الجزائريين بإلغائه إذ أمر وزير الثقافة «عز الدين ميهوبي» شخصيًا باستبدال المغني هواري منار بمغنٍ آخر وقام بالاعتذار للشعب الجزائري.
«الأمير عبد القادر» من مؤسس للدولة الجزائرية المعاصرة إلى خائن وماسوني
في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1832، وقف «الأمير عبد القادر» مناديًا الجزائريين بالبيعة أميرًا في خطوة لبدأ مقاومته ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر، اتخذ الأمير عبد القادر مدينة معسكر بالغرب الجزائري عاصمة له، وبدأ بجمع المتطوعين، وتكوين جيشٍ قويٍّ يصدّ به التقدم الفرنسي نحو باقي الأراضي الجزائرية، وحقق الأمير انتصاراتٍ عديدة وكبيرة؛ حيث طارد القائد الفرنسي «بوايه» حتى عزلته فرنسا وعّينت «دي ميشيل» بديلًا عنه، واضطر هذا الأخير إلى عقد اتفاق هدنة مع الأمير عبد القادر، في 26 فبراير(شباط) عام 1834 عرفت بمعاهدة «دي ميتشل»، التي نصّت على إقرار فرنسا على سلطة الأمير عبد القادر على جميع مقاطعة وهران وتوجب له الحق في أن يعين القنصل وأن يستورد الأسلحة من أية جهة يريد.
وأمام توقيع هذه المعاهدات بدأ اتهام الأمير بالخيانة، إذ اعتبره بعض المؤرخين أوّل من وقع معاهدة مع المحتل، و ترى الدكتورة والأستاذة المحاضرة والباحثة بكلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3 «بوزيفي وهيبة» أنّ توقيع الأمير لتلك المعاهدة، وإن كان في أحد نصوصها يعترف بسلطة فرنسا على الجزائر، فإنه أيضًا يكفل للأمير اعترافًا فرنسيًّا به مما قد يكسبه اعترافًا دوليًا.
لكن فرنسا نَقَضَت المعاهدة في يونيو (حزيران) 1845م ليرد الأمير بدك القوات الفرنسية في معركة «المقطع» الشهيرة، مكبدًا فرنسا خسائر كبيرة جعلتها تطلب الصلح على لسان قائدها الجنرال «بيجو» في مايو (أيار) عام 1837، وينتهز الأمير عبد القادر فرصة الهدنة تلك؛ ويعمل على تأسيس الدولة الجزائرية المعاصرة من خلال تقوية الجيش وصكّ العملة وتشكيل المقاطعات الإدارية، في تلك الأحيان كانت فرصة لفرنسا لتخمد مقاومة «أحمد باي» بالشرق الجزائري، مما جعل بعض الجزائريين يتّهمون الأمير بخيانة أحمد باي من خلال السماح لفرنسا بتحييد جيشه وتوجيه قوتها الكاملة للقضاء على المقاومة بالشرق.
يرى وزير الشؤون الدينية السابق ورئيس المجلس العلمي لمؤسسة الأمير عبد القادر «محمد برضوان» أن الأمير عبد القادر انتقد السلطة العثمانية المتمثلة في أحمد باي التي تخلَّت عن حماية المواطنين الجزائريين، ولذلك أنشأ المقاومة ولم ينسِّق مع أحمد باي في مقاومته، من جهته قال رئيس مؤسسة الأمير عبد القادر «محمد بوطالب» أنّ الأمير عبد القادر كان وقتها هو القائد الفعلي للجزائر، لأنّ الشعب هو من عيّنه، ليس كأحمد باي الذي عٌيّن من طرف السلطة العثمانية، ولذلك وجب على أحمد باي أن ينسق مع الأمير عبد القادر وليس العكس.
لم يتوقّف ظلم تاريخ الأمير باتهامه بخيانة أحمد باي فتوجه البعض إلى اتهامه بـ«الاستسلام» والاعتراف بفرنسا، وذلك بعد أن تمكنت فرنسا من هزيمته عن طريق توجيه ضربة عسكرية عنيفة لقواته بعد أن تمكنت فرنسا من هزيمة أحمد باي بالشرق مما جعله يفقد عاصمته «الزمالة»، ما اضطر الأمير عبد القادر إلى اللجوء إلى ملك المغرب سنة 1843، الذي تعرّض لضغوط فرنسية كبيرة جعلته يطرد الأمير عبد القادر بالنهاية، وأمام هذه الأوضاع قرر الأمير عبد القادر الاستسلام في 23 ديسمبر (كانون الأول) عام 1847، والتوقيع على معاهدة الاستسلام وتمّ نفيه إلى فرنسا ثم إلى دمشق.
في دمشق ورغم إنجازاته البطولية التي أخمدت نار الفتنة بين السوريين آنذاك، إلّا أن نفرًا من المؤسسات الغربية بمعية بعض العرب والجزائريين الذين يكنون للأمير عبد القادر حقدًا كبيرًا؛ كونه مؤسس الدولة الجزائرية، أرادوا استغلال فرصة تواجد الأمير في منفاه إانقاذه لآلاف المسيحيين جراء توسطه في الحرب الأهلية السورية ليتهموه بالماسونية، و يرى البروفيسور «سليمان بن عزيز» الأستاذ بالمدرسة العليا للصحافة بالجزائر أنّ الأمير عبد القادر لم ينخرط يومًا في الماسونية مثلما تناقلت بعض الكتابات، مؤكدًا بأن كبرى محافل فرنسا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حاولت استغلال الرسائل التي تبادلها مع الشخصية ما لصالحها، وأوضح ابن عزيز أن «محفل هنري الرابع» تحديدًا هو الذي حاول استمالة الأمير عبد القادر الذي يعتبر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ملمحًا للرسائل التي كان يتبادلها مع هذا الأخير، و اضاف أنه من خلال إنقاذ 12 ألف مسيحي من الموت بدمشق منذ 1855 لم يقم الأمير عبد القادر بذلك بدافع قيم الماسونية وإنما قيم «الإنسانية والتسامح».
مصالي الحاج . . الذي خطفت منه الثورة
ولد أحمد مصالي الحاج في 16 مايو(آيار) عام 1898 بمدينة تلمسان، ترعرع وسط عائلة محافظة، تلقى في صغره تعليمًا دينيًا في إحدى زوايا تلمسان، قبل أن يستدعى للخدمة العسكرية الإجبارية في الجيش الفرنسي. لاحقًا، ساهم «مصالي الحاج» في تأسيس العديد من الأحزاب السياسية التي ناضلت لاستقلال الجزائر، إذ لقب بأبي الحركة الوطنية.
بداية نشاطه كان من خلال انضمامه إلى جمعية الأخوة الإسلامية، وإلى الحزب الشيوعي، وفي مارس (آذار) عام 1926 ترأس حزب نجم شمال أفريقيا، لكن فرنسا قامت بحلّ الحزب، ليؤسس بعدها مصالي حزب الشعب الجزائري في 11 مارس (آذار) 1937، وتعرض للسجن ومصادرة أملاكه عدة مرات بسبب نشاطه السياسي المعارض لفكرة إدماج الجزائر مع فرنسا.
بدأ مصالي الحاج يدرك أن تحرير الجزائر يجب أن يقرن بثورة مسلحة، فبدأ في الإعداد للثورة الجزائرية، ففي أكتوبر(تشرين الأول) عام 1946 ترأَّس مصالي الحاج حركة انتصار الحريات الديمقراطية، والذي تقرر في مؤتمرها الأول اتخاذ قرار الإبقاء على حزب الشعب الجزائري سرًا، وإنشاء منظمة شبه عسكرية مهمتها التحضير للثورة المسلحة.
ومع اندلاع الثورة التحريرية في الفاتح من نوفمبر ( تشرين الثاني) عام 1954، انضم عددٌ كبيرٌ من الشباب الجزائري إلى صفوف مصالي الحاج اعتقادًا منهم أنّ مصالي هو قائد الثورة، ليتبين لهم بعد أشهر أن الثورة قامت بدون علم مصالي الحاج، في وقتٍ أصدرت فيه قيادة الثورة المتمثلة في حزب جبهة التحرير الوطني أوامرها للجيش الجزائري بقتال جماعة مصالي الحاج لتحدث مشادّات مؤسفة بين الطرفين، و قال «نورالدين إيت حمودة» ابن الشهيد «العقيد عميروش» أحد قادة جيش التحرير الجزائري، في شهادات مثيرة لقناة «الخبر» الجزائرية، أن الزعيم الوطني «مصالي الحاج كان يقود جماعة تقتل المجاهدين والجزائريين»، من جهته أكد المجاهد الدكتور «رابح بلعيد» أنّ مصالي الحاج لم يكن ضد الثورة التحريرية، بل كان هو المخطط لها، ومعظم قادة الثورة الجزائرية خرجوا من رحم مصالي الحاج، من جهته أكد المؤرخ الجزائري « محمد حربي» أن مصالي الحاج كان يحضر للمقاومة المسلحة، بتكوين نخب عسكرية.
جديرٌ بالذكر أن أغلب قادة الثورة التحريرية كانوا تحت لواء حركة انتصار الحريات التي كان يترأسها مصالي الحاج، وفي أحد اجتماعات حركة انصتر الحريات نادى «محمد لمين دباغين» بتعيين لجنة مركزية جديدة يجب ألا تكون من صلاحية مصالي وحده، مما رأى فيها مصالي حاج بداية للانقلاب عليه، استمر بعدها مصالي الحاج في رئاسة حركة انتصار الحريات، نتج عن اللجنة المركزية الجديدة تأسيس المنظمة الخاصة، التي لم يكن لمصالي الحاج دورٌ فيها، عملت المنظمة على تحويل النضال من السياسي إلى العسكري، مما نتج عنه تشكيل جيش التحرير الوطني الذي كان مصالي الحاج ينادي بتشكيله منذ تأسيسه لحركة انتصار الحريات، وأمام تهميش مصالي الحاج وتولي القادة الستة مسؤولية تفجير الثورة التحريرية، أنشأ مصالي الحاج حزب الحركة الوطنية الجزائرية متحديًا النداء من جبهة التحرير الوطني الذي طالب جميع التنظيمات بحلّ نفسها والانضمام إلى الثورة، فكان على قادة الثورة إعلان مصالي الحاج متمردًا واتهم بالخيانة !
في وقتٍ تؤكد ابنته «جنينة مصالي» من خلال مذكرات كتبتها عن والدها تحت عنوان « حياة تقاسمتها مع والدي مصالي الحاج » إنه «عند اندلاع الثورة لم يقف مصالي الحاج موقف العدو كما يصوّره البعض بل إنه لم يكن واثقًا من قدرات تلاميذ الأمس الذين تربّوا في مدرسته السياسية والنضالية الاستقلالية، ولم يهضم خروجهم عن طاعته، ويمكن أن نعتبر الأحداث الأليمة التي اندلعت آنذاك خاصة في فرنسا، بأنها مجرد انزلاقات هامشية على حساب الغاية الاستراتيجية التي ناضل من أجلها»، ومن جهته أنصف المجاهد الراحل والأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري الرجل حين قال في شهادته عليه «مصالي الحاج رجلٌ عظيمٌ، لأنّه استطاع أن يجمع الشّعب الجزائري على مطلب التحرر، ولأنه ناضل وهو حريص على مقوّمات الشخصية الجزائرية بالأساليب العصرية، وإذا كان جيل الثورة على صواب فهذا لا يعني أنّه أصبح معصومًا من الأخطاء».
«العقيد شعباني» أصغر جنرال في العالم يتهم بمحاولة فصل الصحراء فيُعدم
«العقيد محمد شعباني» واسمه الحقيقي الطاهر شعباني، ولد في الثالث من سبتمبر (أيلول) عام 1934 في مدينة أوماش بمحافظة بسكرة بالجنوب الجزائري، تلقَّى تعليمه على يد «جمعية العلماء المسلمين» بعد تنقله إلى قسنطينة للإقامة بها، ليتكون لديه الحس السياسي ويدرك ضرورة العمل المسلح، يلتحق مبكرًا بصفوف جبهة التحرير الوطني وهو في سنّ 18 سنة، ترقى شعباني في صفوف جيش التحرير الوطني ليصبح أصغر عقيد في العالم سنة 1959، وتولَّى قيادة الولاية السادسة التي كانت تضم أجزاءً واسعةً من الصحراء.
بعد الاستقلال عمل العقيد شعباني على تكوين الجيش الجزائري وإعطائه أولوية هامة، وبات أبرز قادة الجيش الجزائري، إذ كان له الفضل في صد الهجوم المغربي على الصحراء الجزائرية، إذ عمل جاهدًا رفقة كتيبته على صد العدوان المغربي في «حرب الرمال»، بل تمكن حتى من الدخول إلى التراب المغربي، وأمام محاولات بومدين تكوين وتقوية الجيش الجزائري والاستعانة بضباط جزائريين الذين عملوا في صفوف الجيش الفرنسي، ظهرت معارضة العقيد شعباني لهذا القرار من قائد الأركان بومدين، إذ رأى شعباني في ضباط فرنسا خطرًا على الأمن القومي الجزائري ، لتنشأ خلافات بين العقيد شعباني و بومدين و ابن بلة ، وأمام المعارضة الشرسة لشعباني لخطوات بومدين، لم يجد الأخير سوى كيل تهمة التمرد على بن بلة و المطالبة بفصل الصحراء للعقيد شعباني ليحاكم عن التهم ويتم إعدامه في الرابع من سبتمبر (أيلول) عام 1964 ودفنه في مكانٍ مجهول , اعترف بن بلّة في برنامج شهادة على العصر التي تبثّ على قناة الجزيرة بمسؤوليته عن إعدام شعباني.
و يرى المجاهد «علي بن فردية» الذي عمل حارسًا شخصيًا للعقيد شعباني في شهادته لجريدة «الشروق» الجزائرية، أن اغتيال شعباني مؤامرة حبكها ضباط فرنسا ونفذها بومدين، فيما يرى شقيق العقيد شعباني، «عبد الرحمان شعباني» أن السبب الرئيسي لإعدام شقيقه كان معارضته الشرسة لعملاء فرنسا وضباطها، من جانبه أكد «أحمد زديرة» مسؤول مصلحة سابق بالناحية العسكرية الرابعة أنّ العقيد شعباني لم يكن متمردًا خلال حرب الرمال ولم يكن مطالبًا بالانفصال كما اتهمه بومدين وابن بلة، والدليل أنّه تجاوز بجيشه الحدود المغربية في حرب الرمال.
ومن الإساءات التي تعرض لها العقيد شعباني قبل إعدامه ما كشفه الأمين العام لرئاسة الأركان السابق « مهدي شريف » حين قال في حديثه لقناة النهار الجزائرية «وضع أحد القادة السابقين في الجيش الفرنسي رجله على رأس العقيد شعباني طيلة الطريق بين الجزائر العاصمة والجلفة، مضيفًا، أن شعباني طلب من ابن شريف رشفة قهوة؛ لكن هذا الأخير قام برميها على وجهه قائلًا : هذه هدية فرنسا لك يا شعباني».
«محمد بوضياف» من مجموعة الستة التي فجرت الثورة إلى المنفى بعد الاستقلال
في 23 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1954 اجتمع ستة رجالٍ دخلوا العاصمة الجزائر بسرية تامة، لوضع آخر اللمسات على ما سيصبح أعظم وأخطر قرار اتخذه الجزائريون في تاريخهم الحديث، كان ذلك القرار هو تفجير ثورة التحرير. كان من بين الرجال الستة «محمد بوضياف»، والذي كان له شرف الحديث أوّلًا فقال لرفاقه «إنه الاجتماع الأخير قبل اندلاع الثورة. وفيه نتفق على كل النقاط». وعرض مناقشة اسم التنظيم الذي تنطلق الثورة باسمه فتم الاتفاق على «جبهة التحرير الوطني» بالنسبة للجناح السياسي. و«جيش التحرير الوطني» بالنسبة للجناح المسلح.
ولد محمد بوضياف في 23 يونيو (حزيران) عام 1919م بمدينة المسيلة بالشرق الجزائري، اشتهر بلقب «سي الطيب الوطني»، وهو اللقب الذي أطلق عليه خلال الثورة الجزائرية، تلقى بوضياف تعليمه الابتدائي في مدرسة «شالون» في بوسعادة، ثمّ اشتغل بمصالح تحصيل الضرائب بمدينة جيجل، وخلال الحرب العالمية الثانية جنِّد في صفوف القوات الفرنسية، لينضمّ بعدها إلى صفوف حزب الشعب الجزائري ويصبح عضوًا في المنظمة السرية، وفي أواخر عام 1947 كُلف بتكوين خلية تابعة للمنظمة الخاصة في قسنطينة، وفي 1950 حوكم غيابيًّا مرتين، وصدر عليه حكم بثمان سنوات سجنًا، وتعرض للسجن في فرنسا مع عدد من رفاقه، وفي عام 1953 أصبح عضوًا في حركة انتصار الحريات الديمقراطية ثم عضوًا في مجموعة الستة.
بعد اندلاع الثورة التحريرية انتخب عضوًا في مجلس الثورة في «مؤتمر الصومام»، ليعتقله الاستعمار الفرنسي مع ثلة من رفاقه بعد اعتراض طائرته في السماء، ليمكث في السجن حتى يطلق سراحه بعد مفاوضات إيفيان سنة 1962.