علي حسين
“نتقدم بخالص العزاء إلى العراقيين جميعاً والشعوب التي تقرأ بلغة الضاد في مقتل الشاعر بدر شاكر السياب على يد مجموعة مسلحة أغاضها أن الشاعر يقف حجرة عثرة في طريق سيطرتها المطلقة على المحافظة، هذا الشاعر الذي لم يكتب من بعده الشعراء قصائد عتاب لوطنهم ، مثلما كتبها الرجل الذي ظل غريباً على الخليج: البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد ما تكون.. والبحر دونك يا عراق”.
بالتأكيد برقية التعزية هذه مجرد هلوسات يكتبها صاحب هذه الزاوية الذي ظل طول اليوم ينظر إلى تمثال الشاعر الكبير وقد اخترقته أربع رصاصات أرادت أن تثأر من مواطن عاش ومات وهو يحب بلده العراق. ولكن ماذا نفعل ياسادة في بلاد يُراد لها، وبإصرار، أن تستقيل من التاريخ والجغرافيا والمستقبل إرضاء لعيون دول الجوار ؟ . وتيمناً بخطب وتوجيهات لا تريد لهذا الشعب أن يستقر.. وقبل أن يتهمني البعض بالعمالة، أقول؛ أنا مواطن لا يعرف ماذا يفعل وهو يشاهد السيد المصر على منصب رئيس الوزراء شياع السوداني يؤدي، وباقتدار، من خلال برنامج أحمد الملا طلال أغنية الراحلة سعاد حسني “الدنيا ربيع والجو بديع” ويطالبنا بأن نترك كل المواضيع.أو يتفرج على تظاهرات يقوم بها تيار سياسي يتغنى بالاصلاح ليل نهار ، لكنه ينزعج من حديث مقدمة برامج .
لم يكن بدر يشاكر السياب يُدرك أنه سيُحزن القرّاء لقصائده التي أرادها في بداية حياته مثل نبوءة مفزعة تؤذن بعصور الخراب، ومثلما نتأمل في مراراته وأحزانه وذكرياته، نتذكر تلك القصائد التي زيّن بها الشعر العربي، نتذكر ذلك الفتى النحيل الذي حطّ الرحال من البصرة، قاصداً بغداد التي تحولت اليوم بفضل ساسة وصفتهم اليوم السيدة بلاسخارت بعد أن تعبت من المشاوير والاجتماعات بأنهم لا يعملون لصالح العراق وشعبه، وأن الكثير من العراقيين فقدوا الثقة في هذه الطبقة السياسية.. وأن المحسوبية هي التي تتحكم في مصائر البلاد.. أما الفساد المالي والإداري فقد أصبحنا مضرب الأمثال به.. هل هناك شيء آخر ياسيدتي ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة؟.. نعم؛ “إذا بقي النظام على حاله فالقادم أسوأ”. وهل هناك أسوأ من الرصاصات التي اخترقت شاعر العراق ؟.
مات السياب قبل اكثر من نصف قرن وفي عينيه عتاب، فالبصرة استبدلت ثوب الحياة برداء الحشمة والفضيلة الزائفة، وقد استولى عليها البعض ممن يفرضون كثيراً من الكآبة على الحياة معززين ثقافة الظلام، يبددون الأمل ويحاصرون التفاؤل، يأمرون الناس بالكف عن ممارسة الفرح الذي لم يعد مهنة العراقيين بعد أن سادت مهن جديدة مثل العصابات وأمراء الحرب الطائفية والسراق، وكل هؤلاء يتبارون في كيفية ذبح السعادة والفرح ووأدهما في مقبرة الظلام.