ثمة قراءات لسلسة من الشخصيات في الصندوق الاسود لحاسوبي ، لقد كتبت في زمن بعيد ، واليوم أضعها تحت يد القراء والمتابعين . في الصندوق الأسود ٢٥٠ شخصية بمختلف الألوان والاشكال والاتجاهات بين اليمين واليسار من فهد وسلام عادل الى ناظم كزار وبيريا الحارس الشخصي للرئيس ستالين والذي سقاه السم ليقتله والى وحيدة خليل ورابعة العدوية ووووووووو .
عامر السعدي .. ذاكرة وطن .
نحن لا نملك أسلحة التدمير الشامل ، وسيثبت التاريخ صدقي ، هذا التصريح الخطير ، الذي أعلن عنه أحد بناة القوة العلمية الهندسية العراقية في مطلع ستينيات وسبعينيات القرن الماضي الفريق عامر السعدي ، في لحظة حرجة من تاريخ العراق السياسي ، والتي شكلت لاحقاً مفصلاً خطيراً على مستقبل وطن وأرض وشعب .
في يوم 12 نيسان 2003 في بغداد المحتلة سلم نفسه العالم عامر السعدي الى قوات الإحتلال الامريكية بعد ما ظهر أسمه في قائمة أكثر العراقيين المطلوبين ، وترتيبه السابع في الفئة الماسية من شدٌة لعبة الأوراق سيئة الصيت ، إنه الرقم ٣١ . كان عامر السعدي مستهدف من أكثر من جهة مخابراتية لتصفيته بإعتباره من أحد رموز العراق العلمية والوطنية ، فذهب وسلم نفسه الى قوات الإحتلال ، وطلب من محطة التلفزيون الالمانية ( ZDF ) في مرافقته وتصوير أستسلامه مع زوجته الالمانية الاصل هيلما السعدي ، وأعلن أمام الكاميرا رسالته الواضحة الى العالم كذب وأدعاء الادارة الامريكية في أمتلاك العراق أسلحة دمار شامل لغرض إحتلاله وتدميره ، وأضاف أنه لم يشعر بالندم بأي شكل من الاشكال ، كنت أخدم شعبي ووطني ، وسأبقى طالما بقيت حياً ، وبهذا الموقف الدراماتيكي والمحزن ، كانت رسالته واضحة الى العالم والتي تضمنت صرخة مدوية لأدعاءات المحتلين بعدم إمتلاك العراق أسلحة دمار شامل فحجتكم في إحتلال العراق باطلة ، والذين حملتوهم في عربات قطاركم لمساعدتكم في إحتلال بلدهم كانوا أسوء المسافرين . لقد كتب قبل بدأ الغزو بيومين رسالة الى رئيس المفتشين الدوليين ( رولف إكيوس ) ، السويدي الأصل ، يعلن بها موقفه الرسمي من إحتلال العراق وكذبة أمتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل لغرض أجتياحه وتدميره .
ويعترف البرادعي أحد عرابي الإحتلال وتدمير البلد في مذكراته لاحقاً أن أستنتاجنا الأولي بصدد الأسلحة النووية كان صحيحاً ، لأنه لم يكن لعامر السعدي سبب للكذب ، ويضيف معلقاً على رسالة عامر حمودي حسن السعدي كانت إدانة صارخة مدوية تجاه كذب أدعاءتنا . والسعدي الذي ينتمي الى أعرق الأسر الشيعية ، ولد يوم 5 أبريل العام 1938 ، ودرس الكيمياء في المانيا ونال شهادة الدكتوراه في لندن ، قاد أصعب المفاوضات السياسية العلمية في تاريخ الأمم المتحدة من أجل إنقاذ بلده من الاحتلال ، اليوم يعاني من شلل تام في مدينة ( هامبورغ ) الالمانية ويحظى برعاية خاصة من زوجته الالمانية هيلما السعدي ، تزوجا العام 1968 بعد علاقة حب عاصفة ، وطرد من الجندية العراقية لزواجه من أجنبية حسب نصوص القانون العراقي ، وأعيد له الاعتبار في السنوات الأخيرة قبل الاحتلال برتبة فريق في سلك الجيش العراقي ، لحاجة العراق له في البناء والعلم والتطور ، وهو من ساهم بإعادة بناء مشاريع الماء والكهرباء والمجاري والجسور بعد أن دمرتها غارات الطائرات الحربية للعدوان الثلاثيني على سيادة العراق بذريعة نظام دكتاتوري وقائد أرعن والتي بلغت مئة ألف غارة على العاصمة بغداد في مطلع التسعينيات ، وتم أعادتها بوقت قياسي وبكلفة 200 مليون دولار مما عجز عن تحقيقة خلال 17 عاماً ساسة العراق الجدد . لعبت زوجته دوراً مهماً في أطلاق سراحه من زنزانته الفردية في بناية المطار من خلال اللقاءات والمناشدات الى المؤسسات المدنية ومنظمات المجتمع الدولي . وأنجبت له ثلاثة أبناء ولدان قيس وعدنان وبنت ميريام . وهنا جزئية لابد من الوقوف عندها ، نحن كمعارضة ، كان توجهنا العام بإن كل العراقيين ، والذين كانوا يعملون في داخل العراق تحت ظل النظام السابق هم بعثيين ، وهذا إجحاف بحق شريحة كبيرة من العراقيين ، قد لاذووا بالصمت خوفاً من سطوة الجلاد على عوائلهم ومستقبل أولادهم ؟.
يذكر ذلك العالمان جعفر ضياء جعفر ونعمان النعيمي في كتابهما المشترك ( الاعتراف الأخير ) . ويعرض الباحثان ( حقيقة البرنامج النووي العراقي ) الذي ساهما فيه مع أكثر من 8 آلاف عالم ومهندس وتقني يمثلون النخبة العلمية والفنية للبلد. أسماؤهم وألقابهم وتخصصاتهم تعكس فسيفساء الأديان والأعراق والمذاهب والطوائف والجامعات والأكاديميات التي أعدت آلاف الكفاءات العراقية ، والتقى في (البرنامج الوطني) هدف تحقيق (الكتلة الحرجة) والتي تعني بلوغ (المادة الانشطارية) اللحظة اللازمة لإدامة الــــتفاعل المتسلسل للمفاعل النووي ، والتي تغذي نفسها ذاتياً وعلمياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً ، وتنقل العراقيين إلى المكانة التي يستحقونها في مصّاف الدول المتطورة .
أستغرب بأندهاش ساكني الحي الهاديء وجيران العالم العراقي عامر حمودي حسن السعدي أثناء أقتحام بيته من قبل الشرطة السرية الالمانية بعد إحتلال العراق حول مكانة العلمية الكبيرة ودور هذا الرجل بما كان يتمتع به من مستوى وبالمقابل من تواضع وعلاقات طيبة مع أهالي حييه وجيرانه ، وهو يشغل هذا المركز المهم والدور الذي يضطلع به كبير المفاوضين العراقيين مع هيئات المجتمع الدولي ( أمريكيا ) ، لانقاذ العراق من محنته ، والتي أدت به في نهاية المطاف بتدميره ، في تغريده سابقة للشاعر سعدي يوسف أعتبره ” إيقونة عراقية وطنية ” .
أقتربنا بمرور 17 عاماً على إحتلال العراق ، ومازالت هناك أسرار لم تظهر بعد على حجم التأمر والتدمير الذي لحق بالعراق والعراقيين ، والدور المخابراتي القذر الذي لعبته ما يسمى لجنة المفتشين الدوليين في تسويق مشروع الحرب على أدعاءات غير واقعية كذبة أمتلاك العراق أسلحة دمار شامل ، ولم تبادر أي جهة سواء ، كانت عراقية أو عربية رسمية أو أهلية في أستنطاق العالم الفريق السعدي في مطرحه بمدينة ( هامبورغ ) الالمانية حول ما حدث ، كان بمثابة زلزال هز أرض المنطقة برمتها وبإعتباره من كبار المفاوضين العراقيين ومسؤول الملف النووي ومستشار علمي لصدام حسين ، فهو خزين أسرار ومواقف تشكل جزء مهم وفعال من تاريخ العراق السياسي ( العلمي ) . نشر في جريدة الزمان العراقية في يوم 7 آيار لسنة 2019 مادة بعنوان ” لا تُعجِّل بالرحيل يا عامر السعدي ” للكاتب محمد كامل عارف . ينقل من خلالها رسالة زوجة الفريق عامر السعدي السيدة هيلما السعدي .
” زوجي الدكتور عامر السعدي مريض جداً ولا يستطيع قراءة مقالاتك ، لذلك آسف لأن أسألك رفع أسمه من قائمة بريدك ، وشكراً، مع التقدير الكريم وأطيب التمنيات بالعيد السعيد. هيلما السعدي).
لم أصدق هذه الرسالة المقتضبة بالإنكليزية، رغم أنها مرسلة من العنوان الإلكتروني الشخصي الذي أتراسل عبره مع السعدي منذ غادر العراق . وكيف أصدق ذلك، وأنا أتوقع منه في كل وقت رسالة عن سير العمل في مذكراته التي تتناول أخطر الصفحات المجهولة في تاريخ العراق الحديث ” .
فكرة الملف النووي العراقي ، ليست جديدة ، حيث وضعت اللبنات الأولى لها في زمن النظام الملكي في مطلع الاربعينيات من القرن الماضي ، وفي رحيله يوم 14 تموز 1958 ، وضع الزعيم قاسم في أولويات أهتماماته ، لكون موقع العراق المهم والمحصور بين دولتين من الشرق إيران ( الشاه ) ، وعلاقاته الدوليه وسعيه الدائم لبناء منظومة صواريخ متطورة ، ومن الغرب إسرائيل وأمتلاكها الرؤوس النووية وصراعها مع الجيران وإحتلال فلسطين ، لم تكن أمكانيات العراق آنذاك على كافة الأصعدة كافية ولا تسمح له بتطوير تلك الاسلحة بالسرعة الممكنة وحتى البطيئة . في مطلع السبعينيات ومجيء حكومة البعث الى دفة الحكم وتأميم النفط وتدفق عوائده اليومية ، أستفاد منها حكام العراق لبناء مفاعل نووي عراقي بخبرات أوربية وبملاكات محلية وطنية من علماء وخبراء ، الذين بعثوا للدراسات بخصوص هذا الشأن ، لكن حكومة البعث أساءت في أستثماره وحسن توجهاته ، حيث جيٌر سياسياً لاغراض ودوافع النظام ، مما تحول الى شؤوم وإساءة الى البلد وأهله ، ودفع العراقيين ثمناً كبيراً في حياتهم وعيشهم جراء سوء أستخدام هذا الملف … الملف النووي العراقي .