علي حسين
مثل كثير من القراء أنتظر كل أربعاء مقال الأستاذ رشيد الخيون في “الاتحاد”، وقبل مائة عام من هذا التاريخ كان داعية التنوير في عصرنا العربي الحديث طه حسين ينشر مقالاته في صحيفة السياسة المصرية تحت عنوان “حديث الأربعاء” يتجول خلالها القارئ في حدائق الأدب العربي، مثلما نتجول نحن اليوم مع أحاديث رشيد الخيون في رحلة زاخرة بالثقافة والتراث والسياسة والتاريخ والذكريات.
وكنت مثل غيري من القراء أتابع بفضول ومحبة حكايات رشيد الخيون وأحاديث الأربعاء بأسلوبه النابض بالحرارة والصدق كاشفاً لنا عن لوحة حافلة بالمعلومات التاريخية الموثقة وبالتفاصيل الدقيقة للوقائع المختبئة في طيات كتب التاريخ، وبالكشف الدقيق عن أحوالنا المعاصرة والأهوال التي تحيط بنا في زمن الانتهازية السياسية ونهب العِراق وثروته. ونجده واضحاً وهو يسأل عن حال ساسة العراق اليوم : “هل عرفتم لهم برنامجاً أو رأياً لدمل جراح البلد المنكوب؟!” – العِراق.. الفَرزْدق يُجدد تَحذيرَه! – .
في كل مرة أقرأ فيها كتب رشيد الخيون المتنوعة أو مقالاته الصادمة، أجد نفسي في مواجهة ظاهرة ثقافية وإنسانية تترك أعمق الأثر في نفوس القراء، بأسلوب هادئ يبتعد عن البهرجة ويشعر القارئ بأنه شريك معه في محاربة كل ألوان القهر والمحسوبية حتى أن عناوين مقالاته لا تزال تنبض بهموم المواطن البسيط: ” الفساد بحاجة لقَافَة أَثر” ، “جحافل الفاسدين جرارة! ” ” البقاء للأفسد ” ، ” الفساد مِن شيم الجراد” ، ” الإثراء غير المشروع” ، ” الفساد المسلح.. اللصوص بثياب التجار”
كرشيد الخيونكاتب تجذبه تلقائية الكلمة مصحوبة بالتأمل والتفكير واستخلاص عبر التاريخ وتوظيفه لكسب الحاضر والمستقبل. ينتقي من حقول التاريخ، الأحداث والشواهد التي تثري ذاكرتنا وتعمل على إنضاج الوعي وشحذ الإرادة وتأكيد إيمانها بالديمقراطية والحرية. وعلى قدر معرفتي بالخيون من خلال كتاباته، أحسب أن أحلامه الوطنية ظلت دوماً متأججة وترفض أن تخبو أو تتوارى أمام توالي الهزائم والانكسارات، مع تفاؤل باجتياز العراق محنته والنهوض من كبوته. ولعل صراحته الصادقة ، يعتبرها البعض احيانا نوعاً من القسوة..
أكتب عن رشيد الخيون بعد أن حصل قبل ايام على جائزة الصحافة العربية عن فئة أفضل كاتب عمود صحفي، وكان قبلها قد حصل على جائزة القراء لكاتب يؤمن بان فهمنا لعمق التاريخ سيمكننا من تحديد رؤيتنا للمستقبل .
لست أشك في أن اختيار رشيد الخيون لجائزة الصحافة العربية ، كان لفتة مشكورة من الاشقاء في الامارات لكي يقولوا لنا ان الكاتب العراقي لا يزال بخير .
في كل يوم اتجول في عدة عناوين لمقالات في الصحف العربية ، لكن يوم الاربعاء يكون لي عنوان واحد اسمة ” احاديث رشيد الخيون ”