الاحتجاجات الإيرانية تتصاعد وواشنطن تسعى لفرض عقوبات جديدة لا تلحق الأذى بالملف النووي
بيدر ميديا.."
الاحتجاجات الإيرانية تتصاعد وواشنطن تسعى لفرض عقوبات جديدة لا تلحق الأذى بالملف النووي
تتصاعد موجة الاحتجاجات في كافة المدن الإيرانية مطالبة بتوفير الحريات وتحسين الخدمات ومعالجة الوضع الاقتصادي السيء في البلد، ونتيجة المشاركة الكبيرة والفاعلة لشباب الجامعات قررت «جامعة شريف» للعلوم والتكنولوجيا، والتي تعد واحدة من أبرز الجامعات الإيرانية، يوم الإثنين 3 تشرين الأول/اكتوبر الجاري تعليق الدراسة الحضورية نتيجة وقوع صدامات عنيفة بين طلاب الجامعة وقوى الأمن في طهران، حسبما أوردت وكالة «مهر» للأنباء، مضيفة أن الطلبة والطالبات كانوا يحتجون على وفاة مهسا أميني وتم توقيف طلاب الجامعة أثناء التظاهرات التي اندلعت إثر الحادثة منذ 16 ايلول/سبتمبر الماضي، وقد ارتفعت حصيلة قمع السلطات لهذه التظاهرات إلى أكثر من90 قتيلا حسب منظمة «حقوق الإنسان في إيران».
تصاعد الاحتجاجات
دخلت الاحتجاجات في إيران أسبوعها الثالث، مع ملاحظة جود عدد كبير من الشباب والشابات في مقدمة التظاهرات وهم يهتفون بالكلمات التالية: «زن، جيان، آزادي» التي تعني «المرأة، الحياة، الحرية». وتحاول الحكومة الإيرانية السيطرة على الموقف المتصاعد عبر تعطيل الإنترنت لتقييد الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، كما أطلقت قوات الأمن، الرصاص الحي على المتظاهرين. وقد أدانت منظمة العفو الدولية ارتفاع عدد القتلى، ووصفته بأنه «مؤشر مقلق على مدى القسوة المفرطة التي تمارسها القوات الحكومية الإيرانية في مواجهة حركة الاحتجاج السلمية».
كما أوضحت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية في تغريدة على تويتر: «هاجمت قوات الأمن جامعة شريف في طهران الليلة. ويمكن سماع أصوات إطلاق النار». وتم نشر مقطع فيديو يظهر حشدا من الأشخاص يهتفون: «لا تخافوا، لا تخافوا، نحن جميعاً معاً». وقالت منظمة حقوق الإنسان إن المقطع صور داخل محطة مترو شريعتي في العاصمة طهران. وقال «مركز حقوق الإنسان في إيران» ومقره نيويورك إنه «قلق للغاية إزاء مقاطع الفيديو التي تأتي من العاصمة طهران ومن جامعة شريف تحديدا والتي تظهر قمعاً عنيفاً للاحتجاجات مع نقل المحتجزين إلى مكان بعيد ورؤوسهم مغطاة بالكامل بأكياس من القماش».
وعلى هامش مشاركته في المؤتمر الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي عقد في ايلول/سبتمبر، قال وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان في مقابلة مع إذاعة NPR الأمريكية؛ إنه «يحب أن يوضح للدبلوماسيين الغربيين أن الاحتجاجات في بلاده لن تزعزع استقرار إيران». ومع إقراره بمأساة وفاة أميني، لكنه أوضح أن «مثل هذه الحوادث تحدث في جميع أنحاء العالم» وقلل من أهمية موجة الاحتجاجات العارمة في العديد من المدن الإيرانية. وقال عن رسالته لنظرائه الغربيين «أؤكد لهم أنه لا توجد صفقة كبيرة تجري في إيران، ولن يكون هناك تغيير للنظام في إيران. لا تتلاعبوا بمشاعر الشعب الإيراني.»
ويحاول مسؤولو الأمن قمع حركة الاحتجاج العارمة عبر تقييد الوصول إلى الإنترنت، وضرب المحتجين، واعتقالهم، وصولا إلى قتل المتظاهرين بالرصاص الحي. لكن الإحباطات الأوسع نطاقًا بدءًا من الاقتصاد المدمر إلى الفجوة الهائلة بين الحكومة والشباب الإيراني أبقت الاحتجاجات مستعرة. وشدد عبد اللهيان في مقابلته الصحافية على أن وفاة أميني «تخضع لتحقيق جدي» وقال إن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اتصل بأسرة أميني وقدم تعازيه لهم. في الوقت نفسه، اتهم عبد اللهيان الحركات الاحتجاجية بأنها نتاج وسائل الإعلام الأجنبية والتحريض الخارجي، وقال: «لا خيار أمام قوات الشرطة سوى الرد بشكل يتناسب مع حالات الشغب وإشعال النار في سيارات الإسعاف، أو سرقة الأموال من البنوك» ثم وجه سؤاله للصحافة الأمريكية بقوله؛ «ماذا فعلت الحكومة الأمريكية عندما حاول الناس الاستيلاء على الكونغرس؟ ألم تحجب وصول الرئيس ترامب إلى تويتر؟ هل كان هذا عملاً ديمقراطياً أم كان تصرفا وقائيا يتعلق بأمنكم القومي؟».
أما الرد الحكومي الرسمي الموجه للمشاركين في حركة الاحتجاجات الإيرانية فقد تمثل باتهامهم بالعمالة والتجسس والعمل لصالح المشروع الأمريكي- الصهيوني، وجاء ذلك على لسان أعلى قيادات إيران، إذ صرح المرشد الأعلى علي خامنئي على هامش حضوره مراسم تخرج طلاب الأكاديميات العسكرية في طهران: «أقول بوضوح إن أعمال الشغب هذه والاضطرابات تم التخطيط لها من الولايات المتحدة وإسرائيل، ومأجوريهم وبعض الإيرانيين الخائنين في الخارج ساعدوهم».
بالمقابل أصدر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأحد 2 تشرين الأول/اكتوبر بيانا اعتبر فيه أن أعداء بلاده فشلوا في «المؤامرة» التي يعدونها ضدها. وقال رئيسي: «على الرغم من أن ملف السيدة أميني يتابع حاليا بشكل كامل ودقيق من قبل السلطات المختصة، يتابع العدو تضليل الرأي العام بفضل إجراءات إعلامية مكثفة وواسعة» مضيفا «دخل الأعداء إلى الساحة في المؤامرة الأخيرة وكانوا يقصدون عزل البلاد لكن انهزموا في زمن كانت الجمهورية الإسلامية تتخطى فيه مشاكلها الاقتصادية وتعزّز حضورها إقليميا ودوليا».
إدانة وقلق
من جانبها أعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء وفاة المواطنة الإيرانية مهسا أميني، عقب اعتقالها من قبل الشرطة، وقمع السلطات الإيرانية للاحتجاجات الشعبية التي تلت ذلك. وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، إن أميني دخلت في غيبوبة بعد وقت قصير من انهيارها في مركز احتجاز، ثم توفيت بعد ثلاثة أيام من اعتقالها. ولفتت المسؤولة الأممية إلى أن التقارير تفيد بأن أميني تعرضت للضرب في أثناء احتجازها في سيارة دورية الإرشاد. وحثت المسؤولة الأممية السلطات الإيرانية على دعم عائلة أميني، حتى تتمكن من الوصول إلى «العدالة والحقيقة».
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن «منظمة حقوق الإنسان الإيرانية» ومقرها أوسلو في النرويج نشرت مقطع فيديو يُظهر أفرادا من الشرطة الإيرانية على متن دراجات نارية يلاحقون طلاباً يركضون في موقف للسيارات تحت الأرض، وفي مقطع آخر وهي تأخذ محتجزين غُطيت رؤوسهم بأكياس من القماش الأسود. وفي مقطع فيديو آخر، يمكن سماع أصوات إطلاق النار والصراخ ورؤية مشاهد لأعداد كبيرة من الناس تركض في أحد الشوارع ليلا، وهو مقطع لم تتمكن الوكالة من التحقق من صحته من مصادر مستقلة.
وامتدت التظاهرات إلى عدة مدن في العالم حيث تجمع أشخاص في لندن وروما ومدريد وتورنتو ومدن غربية أخرى تضامنا مع المتظاهرين الإيرانيين، وحمل بعضهم صورا لأميني التي توفيت في مركز الاحتجاز بسبب ارتدائها «حجابا غير مناسب» كما أظهرت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تجمعات في عدد من المدن الإيرانية الكبرى منها طهران وأصفهان ورشت وشيراز.
وكتبت الصحافية راميتا نافاي تقريرا في «الصنداي تايمز» استعرضت فيه استمرار التظاهرات في إيران، تحت عنوان «نضال الشباب الإيراني من أجل الحرية…النظام الإيراني لم يواجه تهديدا أكبر من قبل» قالت فيه إن المتظاهرين يتلقون تهديدات عبر اتصالات هاتفية أو رسائل من أرقام «غير معلومة» تتضمن تهديدات واضحة مثل «رأيناك في التظاهرات، وإذا شاهدناك ثانية ستتعرض لمشكلة كبيرة، هذا هو أول وآخر تحذير». وأشار التقرير الصحافي إلى إن النظام الإيراني لم يواجه تظاهرات بهذا الحجم من الانتشار والتماسك من قبل، فالمتظاهرون ينتمون لفئات مختلفة اقتصاديا واجتماعيا ومن عرقيات مختلفة: «إنهم يريدون شيئا أكبر من الإصلاح السياسي والاقتصادي، إنهم يريدون الحرية وتغيير النظام».
تداعيات الاحتجاجات
على الملف النووي
في تصريحاته الأخيرة في نيويورك، أشار وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان إلى أن «إيران تلقت رسائل من الطرف الأمريكي في الأيام الأخيرة، وردنا كان بأن الاتفاق مرهون بحسن نيات واشنطن». وأضاف عبد اللهيان إن «الطرف الأمريكي هو الذي يجب أن يتحلى بشجاعة اتخاذ القرار من أجل الوصول إلى اتفاقٍ جيد ومُستدام». ولفت وزير الخارجية الإيراني إلى أن «الطرف الأمريكي أبلغنا مراراً، خلال الأيام الأخيرة، أن لديه العزم وحسن النية اللازمة للتوصل إلى اتفاق». وكشف أن «الفريق الإيراني أجرى في نيويورك، على هامش المؤتمر الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مُباحثات مع ممثل الاتحاد الأوروبي والدول المعنية بمفاوضات الاتفاق النووي» مضيفاً «هذا الملف شكّل أحد المحاور الرئيسية المُدرجة في جدول الأعمال».
لكن الحكومة الإسرائيلة تقوم من جانبها بحملة مكثفة لإقناع دول الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بالامتناع عن عبور الأمتار الأخيرة الفاصلة عن إحياء إتفاق البرنامج النووي، كما ألمح مسؤول أمريكي إلى أن طهران قدمت «تنازلات بشأن قضايا حاسمة» في الآونة الأخيرة، ما قد يمهد الطريق أمام تفاهم، رغم تأكيده تبقي نقاط تباين. ووفق المتداول، وضع الطرفان جانبا حاليا طلب رفع الحرس الثوري من القائمة الأمريكية للمنظمات «الإرهابية» الأجنبية، بينما يتم الحديث عن ليونة متبادلة في الملف المفتوح من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن مواقع غير معلنة يشتبه بأنها شهدت أنشطة نووية، على رغم عدم اتضاح الصورة نهائيا بعد بشأن هذه المسألة.
وأثار التقدم الحاصل في المفاوضات مخاوف تل أبيب ودفعها إلى الضغط لمنع إحياء اتفاق كانت من أشد منتقديه. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي لابيد للصحافيين: «على الطاولة الآن صفقة سيئة، ستمنح إيران 100 مليار دولار سنويا». وأضاف أن هذه الأموال ستستخدمها فصائل مسلحة مثل حركة حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي «لتقويض الاستقرار في الشرق الأوسط ونشر الرعب في جميع أنحاء العالم».
الموقف الأمريكي الرسمي من حركة الاحتجاج الإيرانية جاء على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي أعلن في بيان رسمي يوم الإثنين 3 تشرين الأول/اكتوبر الجاري؛ أن الولايات المتحدة ستفرض هذا الأسبوع عقوبات جديدة على إيران «ردا على قمعها متظاهرين سلميين» وقال إن «الولايات المتحدة ستفرض هذا الأسبوع عقوبات إضافية على مرتكبي أعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين. سنواصل محاسبة المسؤولين الإيرانيين ودعم حقوق الإيرانيين في التظاهر بحرية». وأضاف أن الولايات المتحدة قلقة بشدة إزاء التقارير الواردة عن استمرار العنف المتزايد ضد متظاهرين في إيران، بمن في ذلك الطلاب والنساء».
كما أشار نائب الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، فيدينت باتيل، يوم الثلاثاء 4 تشرين الأول/اكتوبر، إن هناك عقوبات سيكشف عنها البيت الأبيض، من دون الإفصاح عن طبيعتها، ولو بالتلميح، إلا أن التقديرات أشارت إلى أنها ستكون أوسع من العقوبات التي فرضتها واشنطن على أفراد في بدايات الأحداث، من غير أن تلحق الأذى بمفاوضات فيينا، التي حرصت المتحدثة في البيت الأبيض كارين جون – بيير على الفصل بينها وبين حركة الاحتجاجات الجارية في إيران، مع تأكيد تمسك الإدارة الأمريكية بالسعي لتجديد اتفاق 2015 إذ قالت «طالما بقينا معتقدين بأن العودة إليه هي في مصلحة الأمن القومي الأمريكي» على حد تعبيرها.
لكن بصرف النظر عن نوعية وحجم «المحاسبة» الموعودة، ما كان ملفتاً في بيان البيت الأبيض الأخير كان مضمونه وتوقيته. ففي البداية، وبعد تريث وحذر، اكتفت الإدارة الأمريكية برد مقتضب وبحصر العقوبات بعدد محدود من قيادات «شرطة الأخلاق» التي قالت إنها تعاملت بصورة متعنتة مع المرأة ومع «التظاهرات السلمية». أما الآن، فقد جاء الرد بصيغة تناولت تاريخ ممارسات النظام «المتوالية منذ عقود، التي قامت على حرمان شعب من الحريات بالترهيب والإكراه والعنف» بالإضافة إلى إعلان وقوف الولايات المتحدة إلى جانب «المرأة، وباقي المواطنين الإيرانيين» وليس فقط المتظاهرين كما كان الأمر في الرد الأولي.