الفلسطينيون ليسوا ذئاباً منفردة… بشار الأسد واستحالة الإصلاح الديني… والتاريخ كرهينة في يد النظام
بيدر ميديا.."
الفلسطينيون ليسوا ذئاباً منفردة… بشار الأسد واستحالة الإصلاح الديني… والتاريخ كرهينة في يد النظام
في تقرير مصور له عن عملية حاجز مخيم شعفاط شمالي القدس، قبل يومين، حيث هاجم شاب فلسطيني من مسافة صفر جنود حاجز الاحتلال، استخدم موقع «العالم» الإلكتروني الإيراني تعبير «الذئاب المنفردة»، حيث وضع لتقريره عنوان: «عمليات الذئاب المنفردة أوصلت رسائلها وذبحت تل أبيب». معلوم أن التعبير بات ملتصقاً بالعمليات المنفردة التي ارتكبها «داعشيون» (حتى لو كانت فكرة «الذئاب» سابقة على ولادة التنظيم نفسه)، أو مرتبطون بتنظيم «القاعدة»، في أوروبا، بعد أن تعرض «داعش» لخسائر كبيرة في سوريا، ونادى أحد قادته على أنصاره للتصرف بشكل منفرد. انظر أيضاً إلى كلمة «ذبحت» في العنوان أعلاه، ستتأكد أن «العالم» ليس بريئاً تماماً في طريقة تصويره للفلسطينيين.
الفلسطينيون ليسوا ذئاباً، لا يشرفهم، وقبل ذلك لا يساعدهم في شيء الانتساب إلى هذا الاسم المشبوه.
عملية شعفاط نموذجية لفعل بطولي مشروع ولا خلاف عليه ضد الاحتلال، وصحيح أن المنفذ قد يكون تصرفَ من رأسه، من دون تخطيط أو أوامر لأي فصيل، لكن استخدام وصف «الذئاب المنفردة» يؤذي العمليات الفلسطينية، يورطها، ويسهل تصنيفها في إطار الإرهاب، هي المتهمة سلفاً بانتمائها لـ «جيوب» إيرانية في فلسطين.
الفلسطينيون ليسوا ذئاباً، لا يشرفهم، وقبل ذلك لا يساعدهم في شيء الانتساب إلى هذا الاسم المشبوه.
الهرطوق
تحتفي وكالة أنباء النظام السوري بفيديو مقتطع، على هامش الاحتفال بعيد المولد النبوي، يتحدث فيه بشار الأسد إلى مجموعة من المتديّنات.
بعدما تكلم قليلاً عن المحبة التي يراها في عيونهن، قال بشار الأسد، وكعادته يبدأ الدرس من أوله، خطوة خطوة لمن فاتته كل الدروس السابقة: «يقال بأن المرأة نصف المجتمع، ولكن لا أعرف ماذا يقصدون بهذا النصف! هل هو العدد؟ لا يقاس المجتمع بالأعداد، وبالنسب، بل بالاندماج والتجانس».
ويتابع: «كنا نتحدث أنا والعلماء في شهر رمضان عمّا يسمى الإصلاح الديني، وقلت في ذلك الوقت: لا يمكن أن تصلح الدين، لأن الدين هو الذي يصلِح الإنسان، وليس العكس، لا يمكن للإله والبشر أن يتبادلوا الأدوار، هذا الكلام مستحيل».
ضاعت كل محاولات الإصلاح الديني التاريخية هباء منثوراً. رجال دين وباباوات وفلاسفة وملوك وثوار أضاعوا الطريق، كان عليهم أن يستمعوا إلى القول الفصل لبشار الأسد!
ولأنه يريد أن يجد رابطاً بين ما يقول ومَن يتوجّه إليهن بالخطاب، يتابع: ولكن لا يمكن لهذا الإصلاح أن يكتمل من دون إصلاح المجتمع، ولا يمكن إصلاح المجتمع من دون أن يكون دور المرأة أساسياً فيه، كشريك مع الرجل».
إنها كارثة فعلاً. لم يتغير أسلوب الرجل، ولا يريد إعلامه أن يلاحظ الكارثة، إن كان لديه جرأة الملاحظة في الأساس، بل يروح يضع الكلام في «برواظ». لا نستبعد أن نجد العبارة غداً على كل حيطان سوريا، وتدرّس في مدارسها: «لا يمكن أن تصلح الدين، لأن الدين هو الذي يصلِح الإنسان، وليس العكس».
لقد ضاعت كل محاولات الإصلاح الديني التاريخية هباء منثوراً. رجال دين وباباوات وفلاسفة وملوك وثوار وسواهم أضاعوا الطريق، كان عليهم أن يستمعوا إلى القول الفصل لبشار الأسد: «الإنسان لا يصلح الدين، الدين هو ما يصلح الإنسان».
لم نعد نفكر بالشعب المغلوب على أمره، وبأي نوع من الحكام يقاد، إننا فقط قلقون على مستقبل أولاده، هذا الرجل الهرطوق خطر على أولاده، كيف يراجع معهم دروس الدين، فما بالك بدروس الفلسفة!
التاريخ كرهينة
على الرغم من كل ما جرى في البلاد، لم يتوقف النظام السوري عن إنتاج أفلام سينمائية، مسلسلات تلفزيونية، ومعارض تشكيلية، وسواها. كان يريد، ومنذ اللحظة الأولى، أن يقول إن «الأزمة خلصت وسوريا بخير». لكن ليس ذلك وحسب، كانت تلك الأعمال هي روايته الخاصة لما يجري في البلاد. لكن هنالك نوعاً فنياً لم يجرؤ عليه: «الأفلام الوثائقية»، ذلك أن الأخيرة تعني تماماً «الحقيقة»، وما شغل النظام غير إخفاء الحقيقة وتمويهها والتلاعب بها. أما القليل من الوثائقيات التي خرجت من بين يديه فمفضوح، وأقرب إلى سَوْق معتقلين إلى شاشة التلفزيون لإجبارهم على الاعتراف بما لم يفعلوه.
لكن هناك ثيمة مفضلة لدى إعلام (وثقافة) النظام السوري، ومن المتوقع أن يسوق فيها وثائقياً، كالفيلم الوثائقي الذي عرض منذ أيام في دمشق بعنوان «قَسَم سيرياكوس»، من إنتاج وزارة الثقافة، ولا ندري كيف استطاع النظام أن يستقدم له مخرجاً فرنسياً هو أوليفييه بوردوا (إلى غوغل).
لا يجرؤ النظام السوري علي «الأفلام الوثائقية»، فهذه تعني «الحقيقة»، وما شغل النظام غير إخفاء الحقيقة وتمويهها والتلاعب بها.
وبحسب وكالة أنباء النظام، «يسلط الفيلم الضوء على بعد الهوية الفكرية والعقائدية للشعب السوري، ممثلاً في أبطاله الذين عملوا على حماية الآثار والقطع واللقى الموجودة في متحف حلب الوطني، فمنعوا ضياعها أو تدميرها أو سرقتها، ليكونوا أمناء على هذا الإرث، لكونه ملكاً للإنسانية جمعاء، ومصوناً للأجيال القادمة». و»يتحدث الفيلم عن تكاتف مجموعة صغيرة من علماء الآثار والقائمين على المتحف، مع تصاعد وتيرة الحرب على مدينة حلب عام 2015، للحفاظ على المجموعات الأثرية، متحدّين وابلاً من القذائف ونيران القناصة، ليرقدوا أياماً بلياليها على أرض المتحف، لإنجاز مهمتهم الإنسانية دون كهرباء أو ماء، فعملوا بكل جهد وأمانة على إخفاء التماثيل الأثرية والمقتنيات الثمينة، للحفاظ عليها من يد الإرهابيين».
الحكاية ممكنة في الواقع، لأنك يمكن أن تجد آثاريين همهم النجاة بالأثر التاريخي (حتماً ليسوا هؤلاء الذين يستأثرون بوزارة الثقافة ومديرية الآثار والمتاحف، فهؤلاء لم يكونوا ويبقوا في مواقعهم حتى الساعة إلا لأنهم من عظام الرقبة)، وإن وُجدوا سيكون همهم النأي بالقطعة بعيداً عن الحرب، وهنا بإمكان النظام أن يصور نفسه كمؤسسة، كدولة، هي المعنية باستعادة الأثر وحمايته، بمساعدة المنظمات الدولية المعنية، التي لا طريق لها إلى المتحف، حيث يجب أن تستقر القطعة، إلا عبر النظام، سبب الحرب والدمار. والمحزن أن المؤسسات الدولية، المعنية بالإغاثة أو الثقافة ستجد نفسها مضطرة للمقايضة: الصمت مقابل نجاة الأثر، الصمت مقابل وصول الغذاء والدواء.
هذه واحدة من طريق النظام لابتزاز العالم من جديد، وتحويل كل شيء في البلاد إلى رهينة، بما فيها التاريخ، وما تبقى منه.