ثمة قراءات لسلسة من الشخصيات في الصندوق الاسود لحاسوبي ، لقد كتبت في زمن بعيد ، واليوم أضعها في حضرة القراء والمتابعين . في الصندوق الأسود ٢٥٠ شخصية بمختلف الألوان والاشكال والاتجاهات بين اليمين واليسار من فهد وسلام عادل الى ناظم كزار وبيريا الحارس الشخصي للرئيس ستالين والذي سقاه السم فقتله والى وحيدة خليل ورابعة العدوية ووووووووو .
أبن الريف .. الشاعر سيرغي يسينين
محمد السعدي
قربه عدد من النقاد والمتابعين ومتذوقي الادب والشعر بالشاعر العربي الكبير نزار قباني لشعره ورهافته حول المرأة والحب والغزل والحرية والجمال ، ولتمرده على القييم البالية لتقييد حرية المرأة وإبداعها .
ولد يوم ٣ أكتوبر العام ١٨٩٥ في بلدة ريفية ” قسطنطينوفو ” تقع على ضفة نهر ” أوكا ” في ناحية ” ريازان ” وسط روسيا ، وأنتحر يوم٢٨ ديسمبر العام ١٩٢٥في فندق ” إنغليتير ” وفي أحد غرفه عثر عليه متدلياً بحزام حقيبة على عمود للتدفئة الكهربائية ، الهوتيل الذي هدم لاحقاً عام ١٩٨٧ في العاصمة القيصرية ” بطرسبورغ ” . والذي شهد مشهداً تراجيدياً بإنتحار شاعر جميل وشفاف ورقيق عن عمر ناهز ثلاثون عاماً في قمة فتوته وأبداعه وعطائه ، ويعتبر من ألمع شعراء روسيا ، لكن هناك من يعتقد إنه قد قتل في زحمة الصراعات السياسية آنذاك ، حيث التحولات السياسية الكبرى على أرض روسيا تمخضت عنها ثورة أكتوبر العظمى ، والذي كان من الداعيين لها ومؤيديها لكن سرعان لم يجد لنفسه مكاناً فيها ، ولم يرى فرقاً بينها وبين سلطة القياصرة ، وهذه تركت تداعياتها السلبية على مجمل حياته ، عندما إنتحر . كتب بدمه إلى صديقه الشاعر ماياكوفسكي ” وداعاً صديقي لاتحزن ، ولا تقلب حاجبيك فليس جديداً في هذه الحياة أن نموت ، وليس جديداً بالتأكيد أن نعيش ” . كانت حبيبته مريضة أثناء إنتحاره ، لذلك لم تستطع أن تحضر جنازته ، لكنها ذهبت إلى قبره في اليوم التالي حينما قدرت ، وأطلقت على نفسها الرصاص أمام قبر حبيبها ، في هذه الاثناء كتب الشاعر ماياكوفسكي مؤنباً يسينين على خيار الانتحار قائلاً : ليس من الصعب أن نموت ، بل أن نصنع الحياة أصعب بكثير . وبعد مرور خمس سنوات إنتحر ماياكوفسكي نفسه ، وكتب في رسالة إنتحاره : أعرف أن هذه ليست هي الطريقة الصحيحة ، ولكن ما باليد حيلة .
من شعر سيرغي يسينين . صديقي مريض أنا ، وجداً مريض
لست أعرف من أين يعصف بي ألمي .
أم هي الريح تعوي على ناصيات الحقول الموحشات ، المقفرات .
متجمدة هي الليلة .. ووحدي على النافذة .
لست على أنتظار ضيف .. أو صديق .
تزوج في وقت مبكر من أمرأة في فوران شبابه وأنجبت له ولد وبنت وبسبب هذياناته وسكره وعربدته هجرها في ظروف صعبة جداً رغم ميله الديني والأيمان بالخالق عكس أقرانه من الادباء والشعراء وعلاقتهم بالجمال ، أعتبر من شعراء الطبيعة الروسية بما تتميز به أشعاره من صفاء وجمال . تعرف وأتخذ منها كزوجة الراقصة والفنانة الامريكية ( إيسدورا دونيكان ) وهاجر معها الى أوربا وأمريكيا ، لكنها لم تتحمل فوضويته رغم أنها تكبره ب 18 عاماً . فعاد الى روسيا رغم تمرده على الوضع السياسي القائم وموقفه المسبق من ثورة البلاشفة ربما أعتقاده الديني هو الدافع النفسي والفكري والسياسي ، حتى في موته حضرت أمه مراسيم التشييع والدفن وطلبت أن يدفن على أساسيات ومعتقدات الديانة المسيحية ، لكن لم تجري الأمور مثل ما أرادت وتمنت . عاد الى الاتحاد السوفيتي بعد أن هجرته زوجته الامريكية ، والتي إنتحرت أيضاً بعد عامين من إنتحاره . عاد وفي داخله ندم ورغبة بالعودة الى زوجته الروسية أم أولاده فاصطدم بالواقع حيث وجدها متزوجة من رجل آخر ، فلم يبقى أمامه خيار الا توديع أطفاله وبعد يومين شيع نبأ إنتحاره . رغم قصر حياته ، لكنه تعرض الى ثلاثة زيجات فاشلة ، قد تكون واحدة من الاسباب كما تعزى له هو أدمانه على الكحول
الشاعر يسينين رغم قصر حياته الادبية ( الشعرية ) ، لكنه ترك نتاجاً ثراً في تاريخ الشعر الروسي والعالمي ، وما زالت محط أهتمام أدباء العالم . تعرفت عليه لأول مرة في مطلع الثمانينيات في العاصمة بغداد من خلال نتاجاته وحول ما نشر عنه وعن حياته وأشعاره في العاصمة بغداد في مطلع الثمانينيات في مجلة الثقافة للمرحوم صلاح خالص ، وكان الفضل الأكبر في تعريف القراء العراقيين والعرب عليه ، هو الاستاذ حسب الشيخ جعفر الذي تناول حياته وشعره بفيض .
ولد ونشأ في عائلة ريفية فقيرة ، وقد تفرد بموهبته الشعرية منذ الصغر وسط أحضان الطبيعة وبين جداول الحقول وصهيل الخيول ورائحة الأرض ظل طيلة حياته يتغنى ويكتب ويحن الى ضيعته الريفية والتي أصبحت جزء من نتاجاته الادبية وأبداعه ، والتي لم تفارقه في جملة تفاصيل حياته ، وما زالت تقام على تلك الأرض مهرجاناً شعرياً سنوياً أعتزازاً بأنتمائها الى الشاعر يسينين ، وهناك جائزة سنويه بأسمه تمنح للادباء المبدعيين . وقد أقيم تمثالاً له وسط مدينته ، في بداية حياته حاول والده والذي يعاني من ضنك العيش أن يبعده عن موهبة الشعر ، فأخذه وأنتقل به وبالعائلة الى العاصمة ووجد له مكاناً للعمل في متجر للحوم ، لكنه سرعان ما تركه رغم العوز المادي ، لانه موهبة الشعر كانت طاغية على شخصيته ، ففي هذه الاثناء تعرف على الاديب والشاعر الكبير ( ألكسندر بلوك ) ، الذي كان شاغل الصحف والنقاد بشعره ، فرحب ألكسندر به أشد ترحيباً وساعده في نشر أشعاره بأهم الصحف والمجلات الواسعة الانتشار ، مما درت عليه أموالاً ، أنقذت نوع عما أزمته المادية .
وقد قال عنه الاديب الكبير ( بوريس باسترناك ) ” لم تلد الأرض الروسية مَن هو أكثر محلّية وأكثر عفوية،
مَن هو أكثر وطنية وأفضل توقيتاً ممّا هو سيرغي يسينين…
وفي ذات الوقت، لقد كان يسينين مثالاً حياً ينبض بالأدب، الذي
يواصل تقاليد بوشكين ، الأدب الذي ندعوه ذروة المبدأ الموزارتي .. ”
شهد الاتحاد السوفيتي بعد موت قائد ثورة أكتوبر الزعيم لينين 1924صراعات حادة بين قطبين بحزب البلاشفة تروتسكي الذي كان من قادة ومنظري حزب المناشفة ومؤسس الجيش الاحمر الذي دحر جبروت النازية في الحرب العالمية الثانية ، لكنه أنضم الى البلاشفة قبل ثورة أكتوبر ، وبات أحد قادتها ولاقى أهتماماً كبيراً من القائد لينين فوصفه من أنظف العقول في قيادة الحزب . وستالين الذي فتح أبواب الحزب الغير متعلمين بين صفوفه على حساب مباديء الحزب الاصيلة ، وأنتهى هذا الصراع الى الافتراق السلطوي في الحزب ، ختمها ستالين بقتل رفيقه تروتسكي شر قتله في ألة ( الفأس ) بعد أن لاحقه وهو خارج البلد الى المكسيك ، والبلد الذي ختم مسيرة حياة مفكر وسياسي ، قتل على يد الشيوعي الاسباني ( رامون ميركادير ) , والذي كان يحظى بثقة عائلة ليون تروتسكي , والذي تبينت لاحقاً علاقته مع المخابرات السوفيتية , وقام بفعلته بتوجيه من الرئيس ستالين ، وقد حكم عليه عشرون عاماً وهي أقصى عقوبة يسمح بها قانون البلد ( المكسيك ) وبعد خمسة عشر عاماً خرج من السجن ووصل الى موسكو وتم تكريمه ومنحه وسام لينين .. وقال قبل مماته ” ما زالت صرخة تروتسكي يرن صداها في ذهني طالما حييت ، عندما فج رأسه بالفأس . لم يكن هذا الصراع بمعزل عن الحياة العامة في روسيا وتحديداً الادباء والشعراء والتي تركت ظلالها التراجيدية على مسرح حياة الشاعر يسينين كغيره من الادباء والشعراء . الذي كسر نفوس الكثير من الحالمين بمبادئ الثورة والعدالة. في تلك الفترة سقط العديد من أصدقائه الشعراء ضحية المناخ الشرس، وسقط هو في دوامة من التوجس والخبال النفسي شدته إلى حافة الجنون . كانت روح الشاعر سيرغي يسينين تنبض بشعر وروح بوشكين / باسترناك / ليرمنتوف . ونثر وأدب تشيخوف / تورغنيف / دستوفيسكي . من يقرأ حياة ستالين وقيادته للبلد والحزب فعلاً الرئيس العراقي صدام حسين مستفاد من تجربته في الحكم بقتل رفاقه على فرضية الشكوك والتميز . كما كان يروى .
ومن أهم قصائده والتي تعكس حبه الجارف لوطنه …
إذا صرخ القديسون والملائكة ..
ستلقي بك أيها الروسي ..
فلتعش في الجنة التي تستحق ..
أقول لاحاجة لي بها ..
أعطوني الوطن .