مداخلة الحزب الشيوعي اليوناني في اللقاء الأممي اﻠ22 للأحزاب الشيوعية والعمالية، في هافانا تلاها يورغوس مارينوس عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب
بيدر ميديا..
مداخلة الحزب الشيوعي اليوناني في اللقاء الأممي اﻠ22 للأحزاب الشيوعية والعمالية، في هافانا
تلاها يورغوس مارينوس عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب
الرفاق و الرفيقات الأعزاء،
نعقد لقائنا اﻷممي اﻠ22 للأحزاب الشيوعية والعمالية مع كفاحنا ضد صعوبات الوباء ونلتقي هنا في هافانا لمواصلة المحاولة التي بدأت عام 1998 في أثينا، وسافرت في السنوات التالية إلى العديد من مناطق العالم.
يُحيي الحزب الشيوعي اليوناني الأحزاب الشيوعية ويشكر الحزب الشيوعي الكوبي على تنظيم اللقاء اﻷممي اﻠ22 للأحزاب الشيوعية والعمالية و استضافته.
ويعرب عن تضامنه الأممي المتواصل مع حزب كوبا الشيوعي و شعبها الذي يواجه حاليا صعوبات اقتصادية جادة.
و يدين الإمبريالية الأمريكية وحلفائها، و حصارها غير المقبول الممتد على مدى 62 عاماً والذي فرضته على جزيرة الثورة لتقويض مكاسبها. و يستنكر الحملة المناهضة للشيوعية و الأعمال الموجهة المضادة للثورة. و يطالب بإنهاء الحصار الإمبريالي و كافة أشكال التدخل في شؤون كوبا الداخلية.
إن نضال فيديل وتشي وراؤول وثوار آخرين، والكفاح المسلح البطولي، وانتصار الثورة في رأس السنة عام 1959، وإعلان طابعها الاشتراكي، والمواجهة طويلة الأمد مع الإمبريالية، تلهم الشعوب.
يقام اللقاء الأممي اﻠ22 للأحزاب الشيوعية والعمالية في ظروف بالغة الخطورة.
حيث يحمل النظام الرأسمالي علامات احتدام المزاحمات التي تقود إلى الحروب والتدخلات الإمبريالية، و تشديد الاستغلال، و اتساع الفقر والبطالة، وموجات اللاجئين والمهاجرين الباحثين عن مصيرهم.
و تئن الشعوب من الغلاء الذي لا يُطاق، والأجور والمعاشات التقاعدية المنخفضة، و فقر الطاقة. لقد أظهر الوباء للعلن الطابع الطبقي للدول البرجوازية وعري أنظمة الصحة العامة، والنتائج المأساوية لسياسة تسليع الصحة. إن حزبنا يقدّر تقديراً عالياً التدابير التي اتخذتها كوبا أثناء الوباء، لحماية صحة وحياة الشعب كما و إسهامها الأممي.
إن ما يسمى بـ”التحول الأخضر” المطبق بذريعة إنقاذ البيئة، وكذلك ما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة، هما أداتان حديثتان للرأسمالية من أجل توظيف رأس المال المتراكم، و هما تخدمان مصالح الطبقات البرجوازية التي تعزز هجمتها على الشعوب و تشدِّد استغلال الطبقة العاملة.
إن تعزيز نضال الشيوعيين من أجل إسقاط الهمجية الرأسمالية هو واجب ذو أهمية أساسية، وفي هذا الاتجاه نريد أن نطرح بعض المسائل الرئيسية ذات الأهمية الاستراتيجية التي تشغل الحركة الشيوعية، والتي يتنامى ضمن صفوفها صراع شديد وضروري. إننا نقف عند هذه المسائل مقدِّرين أن الظروف الجديدة للصراع الطبقي والمواجهة مع الرأسمالية، قد ولدت متطلبات كبيرة و أن الحركة الشيوعية تخلَّفت عنها. إن إعادة تنظيم الحركة و امتلاكها الوحدة الأيديولوجية السياسية سيظلان عبارة عن أمنية، إذا لم يكن هناك من إعادة فحص لمسارها وفق بوصلة المبادئ الثورية والنظرية الماركسية اللينينية والتجربة الثمينة لثورة أكتوبر الاشتراكية.
يحاول الحزب الشيوعي اليوناني الإسهام في هذه القضية، وفي نفس الوقت يسعى لاستخدام إمكانيات تطوير العمل المشترك للأحزاب الشيوعية والعمالية. لكن اسمحوا لنا أن نسجِّل أن النُصح ﺒ”الإقدام على ما يوحدنا والتخلي عما يفرق بيننا” يُجمِّل الوضع ويعمل كمثبِّط للمناقشة الضرورية والجوهرية من أجل استخلاص الاستنتاجات من انقلابات الثورة المضادة وأزمة الحركة الشيوعية. إنه يعيق تحديد الأسباب والمشاكل والأخطاء التي تعتبر دراستها ضرورية، من أجل تعزيز الصراع ضد أي نزعة توافقية مع النظام وضد الانتهازية، و تشديد المحاولات لاكتساب استراتيجية ثورية موحدة ضد الاحتكارات والرأسمالية.
أولاً، إن الحرب الإمبريالية في أوكرانيا، للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ضد روسيا الرأسمالية، تُظهر العواقب الثقيلة للثورة المضادة و إعادة تنصيب الرأسمالية التي قادت الشعوب إلى كانت تبني الاشتراكية على مدى70 عاماً في دولة متعددة القوميات، اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، إلى اﻹقتتال بينها، من أجل مصالح الطبقات البرجوازية.
لقد بدأ جمع مادة إشعال الحرب في الفترة السابقة، اعتباراًُ حتى من استكمال عملية إسقاط الاشتراكية عام 1991، وأُوقدت:
بتدخل الكتلة الأوروأطلسية في أوكرانيا عام 2014، و دعمها للقوى الفاشية والموالية للفاشية وفرض حل حكومي متناغم مع مصالحها. و بحشد قوى الناتو العسكرية على الحدود الروسية وإنشاء قواعد أمريكية جديدة في المنطقة.
بتخطيط الطبقة البرجوازية الروسية وممثليها السياسيين الذين قاموا بعد مغازلتهم لحلف الناتو و توطيد سلطتهم، بالترويج لخطة من أجل السيطرة على مصادر الثروة الإنتاجية في أوكرانيا وغيرها من الدول السابقة للاتحاد السوفييتي الاشتراكي الموحد، في إطار عملية التوحيد الرأسمالي اﻷوروآسيوي، ضمن مزاحمة مع الاحتكارات الأوروبية والأمريكية. و في بداية عام 2022، استنكرنا تدخل القوات الروسية في إطار معاهدة الأمن الجماعي في كازاخستان، ضد التحركات الشعبية الكبيرة هناك.
إننا ندين نظام زيلينسكي الرجعي، والحكومات القومية الأوكرانية المناهضة للشيوعية التي ارتكبت جرائم ضد شعب دونباس، و حظرت الحزب الشيوعي الأوكراني و تلاحق الشيوعيين، و هي التي تخنق حقوق الشعب الأوكراني.
إن إدانة إمبريالية الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والحكومات الأوكرانية لا يمكن أن تُبرر غزو روسيا غير المقبول لأوكرانيا، وانتهاك سلامة أراضيها وسيادتها، و هو الذي يتسبب في مقتل الآلاف و في معاناة الشعبين الأوكراني والروسي و شعوب المنطقة.
إن أساس الحرب في أوكرانيا هو التنافس على اقتسام الأسواق، والسيطرة على مصادر الثروة والمناطق ذات اﻷهمية الاستراتيجية، وتُخاض هذه الحرب وتُدار من قبل الطبقات البرجوازية، هي حرب إمبريالية من كلا الجانبين، وهي موجهة ضد الشعوب و يحمل تعميمها مخاطر كبيرة، تصل حتى استخدام الأسلحة النووية.
و تهدف الذرائع التي يستخدمها الطرفان إلى تضليل الشعوب والتلاعب بها. و ما من أساس لذريعة القوى الأوروأطلسية حول الصدام بين “الديمقراطية” و “الاستبداد”. حيث إجرامية هي مسؤولياتها في عشرات الحروب الإمبريالية، و التي من ضمنها حروب يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا.
و مضللة هي ذريعة القيادة الروسية عن “اجتثاث النازية” وطابع الحرب “المناهض للفاشية”. إن قيادة الدولة والحكومة الروسية التي نتجت عن الثورة المضادة، هي مُذنبةٌ بسلب ملكية الشعب السوفييتي، و في حين تحملها مسؤوليات ثقيلة تجاه تعزيز القوى الفاشية في أوكرانيا، تصرُّ على الإفتراء بنحو استفزازي على إسهام لينين وثورة أكتوبر الاشتراكية العظيمة، الذي لا يقدَّر بثمن، و على منجزات بناء الاشتراكية، و تنهمك في ممارسة العداء للشيوعية.
إن القوى التي تقود روسيا اليوم هي عبارة عن ممثلي مصالح الاحتكارات الروسية و مديري الرأسمالية، و من غير الممكن التنجيم و اعتبارها قوة مناهضة للفاشية.
إن الفاشية هي وليدة الرأسمالية، إنها قوة احتياطية للمستغِلين ضد الشعوب، و تكون مواجهتها من خلال خوض صراع عمالي شعبي جماهيري منظم، لا بإيكال هذا الواجب إلى جزء من القوى السياسية و إلى الطبقة البرجوازية ودولتها. إن الصراع ضد الفاشية مرتبط بالصراع من أجل القضاء على الأسباب التي تلدها و بإسقاط النظام الرأسمالي.
تُظهر التطورات أن المواجهة في أوكرانيا هي عبارة عن جزء من الصورة الكبيرة للمزاحمات الإمبريالية المستعرة في جميع أنحاء العالم. إننا نُسجِّل و بنحو خاص مخاطر المزاحمة القائمة بين الولايات المتحدة والصين على صدارة النظام الإمبريالي، والصدام الجاري بين المعسكر الأوروأطلسي والمعسكر الأوروآسيوي المتواجد قيد التشكُّل بقيادة الصين وروسيا.
إن موقف الشيوعيين من الحرب الإمبريالية هو مسألة حاسمة. و هو يتحدَّد من واقعة كون الحروب التي تشنها الطبقات البرجوازية في عصر الإمبريالية والرأسمالية الاحتكارية، حروباً إمبريالية ظالمة. مدعوَّة هي الشعوب لإدانتها و لتعزيز صراعها الأيديولوجي والسياسي والجماهيري المستقل من أجل إسقاط سلطة رأس المال، والقضاء على الاستغلال الرأسمالي، وبناء الاشتراكية – الشيوعية.
إن كل انحراف عن هذا المبدأ يقود بنحو موضوعي إلى الاصطفاف خلف مصالح الطبقات البرجوازية، أو خلف أحد معسكرات “اللصوص” هذا أم ذاك، مع عواقب مؤلمة لذلك.
يعارض الشيوعيون أهوال الحرب لكنهم لا يغذون أوهاماً. بل يحددون المحتوى الطبقي الاجتماعي والظروف القادرة على ضمان السلام الفعلي وتطوير الصداقة بين الشعوب، و يوضحون واقعة تفاقم المزاحمات و صياغة مقدمات الحروب اﻹمبريالية ضمن سياق “السلام الإمبريالي”.
و يخلق اﻷوهام ذاك الموقف الذي يشير إلى خلق “هندسة أمنية جديدة” وإيجاد آلية من شأنها التوفيق المزعوم بين مصالح الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي مع روسيا والصين، من أجل تحقيق ما يُسمَّى “التعايش السلمي”.
حيث تنشأ من خلال هذه النظريات تطلعات واهية، مع تجاوز المسألة الأساسية، و هي المواجهة القائمة بين المصالح الاحتكارية والدول الرأسمالية، التي تضع ختمها على الصدامات الاقتصادية والحربية. لقد ثبُت تاريخيا ونظريا انتفاء وجود اتفاق مؤقت بين الدول الرأسمالية، قادرٍ على ضمان السلام الدائم.
و على سبيل المثال، عبَّرت اتفاقات مثل مينسك 1 و 2 عن توافقات مؤقتة و هشَّة لفترة معينة، واستُغلت وفق تخطيط كِلا الجانبين وانهارت. إن هذا ينطبق أيضاً على عشرات الاتفاقيات الأخرى المستخدمة من أجل نزع فتيل الصدامات الإمبريالية.
كما و مُسببٌ للالتباس هو إبراز دور الأمم المتحدة و “القانون الدولي”، الذي كان قد صيغ في العقود السالفة من خلال تدخل الاتحاد السوفييتي إلى جانب الشعوب.
لقد تغير الوضع اليوم، و تدهور تناسب القوى بنحو مأساوي، حيث ترتبط ممارسة الأمم المتحدة بتغطية تخطيط الولايات المتحدة و الناتو والتدخلات الإمبريالية، على غرار ما شهدناه في يوغوسلافيا وأفغانستان وسوريا وليبيا. حيث “بقيت في الدُرج” قرارات الأمم المتحدة السابقة التي صيغت بفضل الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى، كما يتجلى من أمثلة استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين أو الاحتلال التركي في قبرص.
و في السنوات الأخيرة – وخاصة بعد تأسيس البريكس- يُعرضُ هذا التكتل باعتباره حلاً من أجل ضمان السلام والمصالح الشعبية، و يُعتبر “العالم المتعدد اﻷقطاب” رداً على “العالم اﻷحادي القطبية” الذي تتصدره الولايات المتحدة.
إن هذه النظرية في جوهرها، تدعو الشعوب إلى التخلي عن مصالحها أو إلى التطابق مع مصالح الطبقات البرجوازية والمراكز الإمبريالية المتواجدة في مزاحمة مع الإمبريالية الأمريكية من أجل السيطرة على مصادر الثروة الإنتاجية و اﻷسواق.
إن الخيارات من هذا النوع تقود إلى نزع سلاح الطبقة العاملة، وإلغاء خوض الصراع العمالي الشعبي المستقل ضد المستغِلين و تضع الشعوب تحت “راية أجنبية”، حتى مع وجود ذرائع من نوع :”لا توجد نضالات بحتة مناهضة للإمبريالية” حيث يُزعم أن من المطلوب” تحالف القوى التقدمية – المناهضة للإمبريالية” مع إدراج القوى السياسية البرجوازية والدول الرأسمالية و تحالفاتها ضمن هذا التحالف.
لقد طوَّر الحزب الشيوعي اليوناني خلال هذه الفترة نشاطاً غنياً مناهضاً للحرب و الإمبريالية وشارك في المبادرة المهمة المتمثلة في صياغة البيان المشترك للأحزاب الشيوعية اﻷربعة بالإشتراك مع الحزب الشيوعي لعمال إسبانيا و الحزب الشيوعي المكسيكي و الحزب الشيوعي التركي، و نحيي دعم الأحزاب الشيوعية الـ 43 و 30 منظمة شيوعية شبيبية لهذا البيان و تموضعها المبدئي ضد الحرب، حيث أُبرز طابع الحرب الإمبريالي وأسبابها الحقيقية.
يصطدم حزبنا مع الطبقة البرجوازية و مع الحكومات والأحزاب التي تمثل مصالحها و مع الدولة البرجوازية. و مع سياسة التورط في الحرب الإمبريالية و في خطط الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
و يُكافح من أجل اقتلاع قواعد الولايات المتحدة و الناتو من اليونان، و هي التي تم تنصيبها بمسؤولية جميع الحكومات البرجوازية، بمسؤولية حزب الجمهورية الجديدة الليبرالي و حزبي سيريزا و الباسوك، الاشتراكيين الديمقراطيين.
و يستنكر واقعة تحويل هذه الحكومات لبلادنا إلى قاعدة إنقضاضية أميركية أطلسية، ويطالب مع الشعب بإيقاف إرسال العتاد العسكري إلى الحرب في أوكرانيا، و بعودة القوات المسلحة اليونانية من كل مهمة إمبريالية في الخارج، وهو يناضل من أجل فك ارتباط اليونان عن الناتو والاتحاد الأوروبي، و عن كل تحالف إمبريالي، مع الطبقة العاملة في موقع السلطة والشعب سيداً في بلده.
يدعم الحزب الشيوعي اليوناني الرأي القائل بأن الصراع من أجل الدفاع عن حدود اليونان وحقوقها السيادية، من وجهة نظر الطبقة العاملة والشرائح الشعبية، هو صراع لا ينفصم عن الصراع من أجل إسقاط سلطة رأس المال. و هو الذي لا يمت بأية صلة إلى الدفاع عن خطط هذا القطب الإمبريالي أم ذاك و عن ربحية هذه المجموعة الاحتكارية أم سواها.
يجري في الحركة الشيوعية نقاش كبير، نقاش حول “ماهية الإمبريالية” وفي رأينا أن من الضروري مواصلته بنحو رفاقي متعدد الأوجه، مع تبادل الحجج لأننا بصدد مسألة أساسية.
تبقى النظرية اللينينية للإمبريالية راهنية و هي تُسلِّح الشيوعيين الذين يضلعون بواجب تطويرها بنحو أبعد، مع أخذهم في اﻹعتبار توسع هيمنة الاحتكارات عبر قفزات في أيامنا، و دور الدول البرجوازية كقاعدة لنشاط الاحتكارات، و احتدام المزاحمات و التناقض الأساسي للنظام بين رأس المال والعمل المأجور، في مستوى أعلى.
إن الإمبريالية هي رأسمالية احتكارية، تستند على شركات مساهمة كبيرة، على احتكارات، و على زيادة أهمية تصدير رأس المال مقارنة بتصدير السلع، و خلق رأس المال المالي (باعتباره اندماجاً للرأسمال الصناعي مع الرأس المال المصرفي) و اقتسام و وإعادة اقتسام الأسواق والأراضي.
و لا تعود هذه الخصائص فقط إلى الدول المتواجدة في قمة الهرم الإمبريالي، بل هي موحدة، و تتعلق بجميع الدول، الأعتى أو الأضعف، لأن عصر الرأسمالية الاحتكاري والرجعي هو موحد.
تنضوي كل دولة رأسمالية في النظام الإمبريالي وتمارس السياسة الإمبريالية، وفقًا لقوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ضمن شبكة من التبعيات المتبادلة و التبعيات غير المتكافئة، مع قيام تحولات و عمليات إعادة ترتيب يُسببها قانون التطور غير المتكافئ. و في عصر الإمبريالية، تتورط جميع الدول البرجوازية في مزاحمات من أجل مصالح احتكاراتها.
و بالتالي، فإن حصر مفهوم الإمبريالية في الولايات المتحدة وسياستها الخارجية العدوانية أو في دول عاتية للاتحاد الأوروبي، يتجاوز بلا أساس المحتوى الاجتماعي والاقتصادي للإمبريالية، و الطبيعة الرجعية للنظام.
إن التحليل الذي يقصر الإمبريالية بالولايات المتحدة يقود إلى استنتاجات سياسية خاطئة، إلى مواقف تروِّج لتحالف الطبقة العاملة مع قطاعات من مستغليها، مع قطاعات من الطبقة البرجوازية، باسم مواجهة الإمبريالية الأمريكية -مثلاً- و باسم ضمان “الاستقلال الوطني”.
إن هذا الخيار يحبس القوى الشعبية العمالية ويترك الطبقة البرجوازية خارج مرمى النيران، بينما تقوم اﻷخيرة بالترويج لمصالحها داخل كل بلد و ضمن المزاحمة الدولية، و تشارك في عملية تخطيط التحالفات الإمبريالية.
إن قانون التطور غير المتكافئ كعنصر مميز للرأسمالية، يصوغ بنحو موضوعي علاقات غير متكافئة، حيث تتمايز بعض الدول و تتواجد في قمة الهرم الإمبريالي بسبب قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تمتلكها، لكن هذا لا يُبرئ الطبقات البرجوازية والدول البورجوازية التي تحتل مرتبة أدنى في النظام الإمبريالي، و هي الساعية إلى ترقية مرتبتها.
و يتغيَّر تناسب القوى القائم بين الدول الرأسمالية. حيث تحولت دولٌ دائنة عاتية في القرن العشرين إلى دول مديونة اليوم (كمثال المديونية العامة الكبيرة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا)، بينما أصبحت الصين الآن دولة دائنة. هذا و يشكِّل تحوِّل قوة بريطانيا من القرن اﻠ20 إلى القرن اﻠ21 ، مقارنة بقوة الهند أحد الأمثلة النموذجية.
و تتحكم الاحتكارات الموجودة في اليونان بالاقتصاد، وتصدِّر رساميلاً إلى العديد من البلدان. حيث يتواجد رأس مال ملاكي السفن على رأس قوة الشحن البحري العالمي. و تطالب الطبقة البرجوازية بترقيتها الإستراتيجية، حيث ورَّطت الحكومات البرجوازية البلاد في منظمتي حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وهي تشارك في عدد كبير من المهمات الإمبريالية في الخارج، و في عملية اقتسام الغنائم.
ثالثاً، تطوَّر ضمن إطار الرأسمالية الاحتكارية حفار قبر النظام، أي الطبقة العاملة، القوة الطليعية في المجتمع، التي هي حامل علاقات الإنتاج الاشتراكية الجديدة. و تطورت بنحو أبعد بكثير قوى الإنتاج، و نضجت المقدمات المادية من أجل المجتمع الاشتراكي الجديد.
لقد تجاوزت الرأسمالية حدودها التاريخية، و تعفَّنت.
إن عصرنا هو عصر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية – الشيوعية. و لا تغير الثورة المضادة من طابع عصرنا. بل على العكس، فهي تؤكده. و تُبرز بنحو أبعد وحشية النظام الاستغلالي المستند على سلطة رأس المال، على الملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج و على معيار الربح.
و يتفاقم التناقض الأساسي بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والعمل و بين الاستحواذ الرأسمالي على نتائجهما، كما و التناقض بين رأس المال والعمل و يتخذ أبعاداً غير مسبوقة، و من الفرض حلُّ هذا التناقض عبر الثورة الاشتراكية.
و لا يتحدد طابع الثورة من تناسب القوى، بل من نضوج المقدمات المادية للاشتراكية و من التناقض اﻷساسي التي تُدعى لحلِّه، وهذه مسألة ذات أهمية حاسمة تطرح في أيامنا هذه ( في عصر الإمبريالية) ضرورة قيام التغيير البرنامجي مع طرح الطابع الاشتراكي للثورة والصراع من أجل السلطة العمالية.
و موضوعياً، ما من وجود لمرحلة وسيطة بين الرأسمالية والاشتراكية – الشيوعية، لأنه ما من وجود لسلطة وسيطة بين السلطة البرجوازية و السلطة العمالية. إن كل حل حكومي قائم فوق أرضية النظام، يعيد إنتاج سلطة رأس المال والملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج، ويحافظ على استغلال رأس المال للطبقة العاملة و على استغلال الإنسان للإنسان.
إن المقاربات الخاطئة في رأينا و التي تعكس تحليلات خاطئة سابقة و خيارات استراتيجية للحركة الشيوعية عن “مراحل انتقالية” و “حكومات المناهضة للاحتكار” تُشكَّل بنحو مشترك مع الاشتراكية الديمقراطية التي أثبت أنها تدافع عن الاستغلال الرأسمالي و تديمه، هي مقاربات تقود إلى تقهقر الحركة نحو الخلف، و هي أحد عوامل أزمة الحركة الشيوعية اليوم.
و تُضعف الإشارة أحادية الجانب إلى “الليبرالية الجديدة” الصراع ضد إستراتيجية رأس المال، التي يتم الترويج لها على حد السواء- و بالتناسب مع الظروف- من قبل السياستين الليبرالية والاشتراكية الديمقراطية، المناهضتين للشعب. و هي تبرء الإدارة الاشتراكية الديمقراطية للنظام و تطرح معضلات زائفة و تخلق التباسات لدى القوى الشعبية.
و كما كان متوقعاً، فقد حافظت الحكومات المُسماة “تقدمية” على أسس الرأسمالية ودعمت الدولة البرجوازية واستندت إليها، و إلى سلطة الاحتكارات و اندمجت ضمن النظام، وفرضت تدابير مناهضة للشعب أثارت السخط الشعبي، وقمعت تحركات شعبية وقوّضت نشاط أحزاب شيوعية. و أفسحت المجال لقوى رجعية عادت إلى الحكم، في سياق “الحلقة المفرغة” لتناوب القوى السياسية البرجوازية و تناوب مديري الرأسمالية.
لقد تم إثبات هذه النتيجة بنحو مؤلم من خلال “التجارب” المعروفة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وجميع أنحاء العالم.
حيث لم ينتفي تسجيل تحول لتناسب القوى في صالح الشيوعيين و الطبقة العاملة وحلفائها فحسب، بل و جرى في الممارسة نزع سلاح الحركة العمالية. و فقدت الأحزاب الشيوعية التي شاركت في هذه الحكومات استقلالها الأيديولوجي والسياسي وحتى التنظيمي.
إن التجربة المديدة اﻷعوام تُعلِّمنا أن مشاركة الأحزاب الشيوعية في حكومات الإدارة البرجوازية أو دعمها لها، يحمِّل الشيوعيين ذنب إدامة الاستغلال الرأسمالي و يضر بمصداقيتهم.
إن الصراع من أجل إسقاط الرأسمالية، من أجل حيازة السلطة العمالية هو منارة لنشاط الشيوعيين، و هو يمنح قوة للصراع الطبقي اليومي، و يطرح بإصرار حاجة إعادة تنظيم الحركة العمالية، وتشكيل تحالف اجتماعي بين الطبقة العاملة و فقراء المزارعين والمهنيين العاملين لحسابهم الخاص، وتطوير النضال ضد الاحتكار والرأسمالية، من أجل أسقاط النظام على النقيض من منطق إصلاحه و من طوباوية “أنسنة الرأسمالية”.
يتصدَّر الحزب الشيوعي اليوناني في اليونان النضال على جميع الجبهات المتعلقة بحقوق وحاجات العمال والشعب، ضد الغلاء و فقر الطاقة، و من أجل توقيع اتفاقات جماعية، وزيادة الأجور والمعاشات التقاعدية، و مطالب الصحة والتعليم، و يدعم نضال جبهة النضال العمالي (بامِه) التي تضم المئات من المنظمات النقابية العمالية في صفوفها.
و تجري نضالات هامة في بلادنا، مع تحقيق مكاسب أصغر أو أكبر. في قطاعات كقطاع البناء، و في احتكار Cosco في ميناء بيرياس، و في مجموعات شركات مثل E-food، حيث تم توقيع اتفاقيات عمل جماعية مُرضية. و تنظم نضالات تتواصل لمدة أشهر في مصنع الحديد والنيكل (لاركو)، و في مصانع الأسمدة والنفط في مدينة كافالا ضد تسريح العمال، و في معمل مالاماتينا لإنتاج النبيذ في ثِسالونيكي. حيث تصطدم الطبقة العاملة بقمع الدولة البرجوازية.
و تحشد “بامِه” قوى عمالية جديدة، و تكتسب نسب الأغلبية في نقابات أكثر. و هي تمتلك الأغلبية أو تتواجد في المرتبة الأولى في مئات النقابات والاتحادات ومراكز العمل المحلية. و تشكِّل إجمالياً، ثاني أكبر قوة في الحركة النقابية. هذا و شارك في اجتماع كانت قد نظَّمته مؤخراً ما يزيد عن 500 نقابة. و هي تتحضر لتنفيذ إضراب كبير لعموم اليونان في 9 تشرين الثانينوفمبر.
و يضطلع الشيوعيون بدور حاسم في حركة المزارعين المكافحين للبقاء، ويدعمون مطالب بقائهم وكذلك أشكال المواجهة الصدامية لنضالهم، كنصب حواجز الجرارات على طرق البلاد. و يدعمون نضال العاملين لحسابهم الخاص في المدن، على الرغم من تناسب القوى السلبي في المستوى اﻷعلى لمنظماتهم التي تقودها قوى رأس المال الكبير.
و في الانتخابات الطلابية، فاز الفصيل المدعوم من الشبيبة الشيوعية اليونانية بالمرتبة الأولى.
يدرس حزبنا أوجه ضعفه و يكافح ضدها، ويحاول باستمرار أن يغدو أكثر نجاعة، لكن واقعة وجود الآلاف من القوى الشعبية العمالية في اليونان والتي تطوِّر صراعها بنحو كفاحي، تعود إلى حقيقة الاستراتيجية الثورية للحزب الشيوعي اليوناني، و إلى وجود روابط متينة تربطه بالطبقة العاملة والشرائح الشعبية والشباب، و إلى تفصيل تدخله الأيديولوجي والجماهيري في صفوف النساء، و إلى المواجهة الأيديولوجية – السياسية الشاملة مع أحزاب اليمين والاشتراكية الديمقراطية، و مع اليسار الزائف المندمج في النظام، مع الانتهازية.
و بين الحين والآخر، تندلع تحركات كبيرة وانتفاضات شعبية في بلدان مختلفة، و يتمظهر السخط الشعبي بنحو جماهيري زاخم. و كانت الأمثلة الأخيرة في كازاخستان في كانون الثانييناير الماضي وفي سريلانكا خلال فصلي الربيع والصيف نموذجية على ذلك. إن الشيوعيين يضطلعون بواجب دراسة هذه الأحداث واستخلاص الاستنتاجات منها. هذا و تؤكد هذه الأمثلة وغيرها على أن من المطلوب اليوم، في الظروف غير الثورية قيام عمل أيديولوجي سياسي منهجي لإعداد العامل الذاتي (الحزب والطبقة العاملة وحلفائها)، من أجل منظور الثورة الاشتراكية، مع الأخذ في اﻹعتبار أن الفترة الزمنية لتمظهرها تتحدد من مقدمات موضوعية، من نشوء أزمة تشمل جميع الميادين، أي الاقتصاد والسياسة و باقي أجهزة الدولة، أي نشوء حالة ثورية.
رابعاً، خلُصَ حزبنا، من خلال بحث مديد اﻷعوام تمحور حول إسقاط الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي، إلى استنتاجات جوهرية أثرت استراتيجيته و رؤيته للبناء الاشتراكي.
لقد أُسقطت الاشتراكية “من الداخل ومن الأعلى”، في ظروف تآكل انتهازي للحزب الشيوعي السوفييتي، و جرت ضمن المسار محاولةُ مواجهة مشاكل البناء الاشتراكي، باستخدام أدواتٍ رأسمالية وعناصر “للسوق” مع تحوير وتقويض مبادئ البناء الاشتراكي والملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج والتخطيط المركزي.
و فوق هذه اﻷرضية، خُلقت و تطورت شريحة اجتماعية لم تكن مصالحها تتسع ضمن إطار الاشتراكية، وتم التعبير عن ذلك على مستوى الحزب و مستوى الدولة و السياسة. و كانت البيريسترويكا قد مثَّلت آخر فصول هذه المأساة.
و بالتالي، فإن من الضروري فتح هذه المسائل و الانشغال بها بجدية و نقاشها.
و أكثر من ذلك بكثير، خلال أيامنا هذه حيث يتطور عدوانٌ منظم ضد مبادئ الثورة والبناء الاشتراكيين.
و تكاثر المواقف، التي تمجِّد ما يسمى بـ “اشتراكية السوق” التي تقود إلى إلغاء مبادئ التملُّك الاجتماعي لوسائل الإنتاج والتخطيط العلمي المركزي، و تروِّج للنشاط الاقتصادي للشركات الرأسمالية و تتبنى معيار الربح، و تُضفي الشرعية على استغلال الطبقة العاملة من قبل رأس المال.
إلا أن هذه ليست اشتراكية، إنها رأسمالية، و تبرز حاجة ماسة الآن قبل فوات الأوان لإثارة هذه القضية علانية، حتى يتحمل كل حزب مسؤوليته.
لقد تموضع الحزب الشيوعي اليوناني تجاه للصين و مسارها الرأسمالي، و وثَّق الموقف القائل بأن علاقات الإنتاج الرأسمالية سيطرت و منذ سنوات في الصين، وأن الاحتكارات تهيمن وتتعزز في جميع المجالات وأن قوة العمل هي عبارة عن سلعة، مع وجود درجة عالية من الاستغلال.
و تتوسَّع الاحتكارات التي يتواجد مقرُّها في الصين و المدعومة من الدولة، في كل العالم وتُصدِّر تريليونات الدولارات، حيث يُستخدم “طريق الحرير الجديد” من أجل تغلغل هذه الاحتكارات في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، و تتضاعف الأرباح الرأسمالية. و من خلال هذه العملية خُلق في الصين ما يزيد عن 1000 ملياردير، يتواجدون في المراتب اﻷولى للبلوتوقراطية العالمية.
لقد سطَّر الشيوعيون صفحات بطولية تحت رايتهم الخاصة، هي راية الصراع من أجل الاشتراكية – الشيوعية، مما منحهم القوة، و على هذا الطريق، على طريق ثورة أكتوبر الاشتراكية، باستطاعة الحركة الشيوعية أن تتجاوز اﻷزمة الأيديولوجية السياسية و التنظيمية التي تواجهها، باﻹستناد إلى الماركسية اللينينية، و الأممية البروليتارية، و الدفاع عن مبادئ الثورة والبناء الاشتراكيين، والمضي قدما في مواءمة استراتيجيتها مع حاجات الصراع الطبقي و في عملية إعادة تنظيمها الثوري.
و بهذه الشروط، بإمكان اﻷحزاب الشيوعية أن تتعزز، و أن تبني منظمات جديدة لها في المصانع و القطاعات والمؤسسات ذات اﻷهمية الاستراتيجية، و أن تُعزِّز روابطها مع الطبقة العاملة و الشرائح الشعبية والشباب والنساء المتحدرين أصول شعبية.
و باﻹمكان وفق هذه الشروط تعزيز الصراع في ظروف الحروب الإمبريالية و ظروف الأزمة الرأسمالية المعممة الجديدة الحاضرة على اﻷبواب، و ضمن التطورات المعقدة التي تنتظرنا.
بعد انقضاء 100 عام على تأسيس الاتحاد السوفييتي، فإننا و للأسف اليوم لا نملك رديفاً و قوة دعم للسلام و للشعوب كما كان الاتحاد السوفييتي، لكننا على قناعة بأن الاشتراكية هي المستقبل، و أنها المنفذ البديل الوحيد المؤيد للشعوب و أن الشعوب هي القوة العظمى الوحيدة القادرة على تحقيق الاشتراكية.