ما الهدف من المسيّرات الإيرانية في الحرب الروسية الأوكرانية؟
أثار دخول إيران على خط الحرب التي شنتها روسيا على الأراضي الأوكرانية، من خلال تزويد موسكو بطائرات مسيّرة، الكثير من التساؤلات والاستغراب. فمنذ بداية الحرب أعلنت طهران وقوفها على الحياد، لكنها اليوم تزج بنفسها في هذا الواقع. فما أهداف إيران من وراء هذا التحول؟ وما هي الأطراف الأخرى المستفيدة من وراء ذلك؟
تشير المعلومات المتداولة إلى أن هذه الطائرة يمكن إطلاقها من أي مكان كان، وإن مدياتها تصل إلى نحو 2500 كم. وهي قادرة على ضرب أهداف ثابتة، أي يمكن لروسيا إطلاقها من أراضيها لضرب أهداف ثابتة في الأراضي الأوكرانية. وهي مجهزة بـ»جي بي أس» لغرض التوجيه، وبمجرد وصولها إلى الهدف تتوجه نحوه لتنفجر فيه. ويقول الأوكرانيون إنها بطيئة الحركة وليست على قدر كبير من التطور التكنولوجي، وإن إسقاطها بسيط جدا ويمكن أن يحدث ذلك بالأسلحة الخفيفة. ويدّعون أنهم أسقطوا أكثر من 80 في المئة منها. لكن يبدو أن فعاليتها تتركز في إحداث تأثير نفسي، خاصة أن التدمير الذي سببته في منشآت الطاقة، أحدث إرباكا كبيرا بين عامة الناس وفي أوساط السلطات الأوكرانية بسبب دخول فصل الشتاء.
وعلى الرغم من أن الأوكرانيين يقولون إن إسقاطها بسيط، لكن تبين عدم قدرتهم على فعل ذلك، بسبب أن الروس كانوا يطلقون أعدادا كبيرة منها دفعة واحدة، فتقف السلطات عاجزة عن توفير الحماية الكاملة لجميع المنشآت الموجودة في كل مكان على الخريطة الجغرافية. وعلى الرغم من الدلائل الكثيرة التي ساقتها الجهات العسكرية عن مصدر هذه الطائرات، فإن السلطات الإيرانية كانت تنفي أن تكون إيرانية، بينما تعمّدت روسيا الغموض، وتجنبت الحديث عن هذا الموضوع. وأخيرا أعلن وزير الخارجية الإيراني أن طهران زودت موسكو بها قبل اندلاع الحرب. وإذا كانت روسيا قد اعتمدت التمويه على هذا الموضوع، بسبب رغبتها في عدم إعطاء إسرائيل ذريعة للتدخل مباشرة في الحرب، من خلال تزويد أوكرانيا برادارات للتشويش على هذه المسيّرات، فإن طهران كانت لا تريد الإقرار بذلك، رغبة منها في عدم تصعيد التوتر القائم أصلا مع الغرب.
إن دخول هذا العامل الجديد في الحرب الروسية الأوكرانية، يلقي الضوء على جهات ثلاث تبدو مستفيدة منه. أولها روسيا التي كانت تبدو معزولة، من دون حلفاء في هذه الحرب. اليوم هنالك طرف يتحدى الغرب وينظم إلى المعركة من خلال تقديم أسلحة لموسكو. وهذه الأسلحة يجري بها استهداف مصادر الطاقة في أوكرانيا. وقد نقلت وكالة رويتر عن مسؤولين إيرانيين، أنهم بصدد تقديم صواريخ أرض أرض أيضا، ما يعني إطالة أمد هذه الحرب، وكلما طالت تصبح الكلفة المادية التي يتحملها الغرب قاسية جدا. كما أن استخدام هذه المسيّرات يجعل روسيا غير مضطرة لاستخدام طائراتها وصواريخها، وبالتالي الاقتصاد في الكلفة، خاصة أن سعر هذه المسيّرات لا يتجاوز 20 ألف دولار، ولأن روسيا بعد الخسائر التي حلت بها بدأت تعيد حساباتها، لذلك هي تحاول الاستعانة بأنواع أخرى من المسيّرات من إيران، لوجود تعاون مشترك لتصنيع هذا النوع. وهذا يعطي موسكو فرصة لمجابهة منظومات الدفاع الجوي الحديثة ومنظومات الحرب الإلكترونية، التي أمد بها الغرب أوكرانيا، وكذلك لتتجنب اكتشاف الغرب لإمكانيات وقدرات طائراتها المسيّرة. وبذلك يعتبر إدخال المسيّرات الإيرانية نوعا من أنواع التكتيك والخداع في الحرب.
أصبحت أوكرانيا مختبر تجارب للأسلحة الحديثة سواء من الدول المتقدمة بإنتاج السلاح كأمريكا وأوروبا، أو غير المحسوبة في هذا المجال كإيران
أما المستفيد الآخر فهو إيران، فتحوّل طهران إلى طرف في الصراع القائم يجعل من التوصل إلى حل في موضوع الاتفاق النووي معقدا جدا، وهذا يعطيها مزيدا من الوقت كي تستمر في التخصيب والوصول إلى نسبة 90 في المئة. عندها سيكون وضع المفاوضات مختلفا تماما، وهذا يسبب تعقيدا كبيرا للغرب، إضافة إلى فائدة أخرى يمكن أن تجنيها إيران من مسيراتها المباعة إلى روسيا، فهي تطمع بالحصول على طائرات سوخوي 35، لمعالجة المشكلة الكبرى في قوتها الجوية والمستمرة منذ عام 1979، حيث لم تستطع تحديث قوتها الجوية حتى الساعة، كما أنها بحاجة إلى دعم روسيا في الموضوع النووي، إذا عادت المفاوضات للتوصل إلى اتفاق. هذا التصرف الإيراني يعطي صورة بأن صانع القرار في طهران يحاول أن يبرهن على قدرته على السير على الحبال المشدودة. فتارة يسير من المحور الروسي الصيني، ومرات أخرى يحرص على إبقاء الحوار مع أمريكا والغرب قائما، لكن في الفترة الأخيرة ومع العقوبات الأمريكية الكندية البريطانية الأوروبية، بخصوص الاحتجاجات الشعبية في إيران، زادت الهوة بينها وبين الغرب، وهذا ربما دفعها لاتخاذ قرار استراتيجي بالاتجاه شرقا نحو روسيا والصين، حيث التعاون على أعلى المستويات. ويؤكد هذا الرأي إجابة وزير الخارجية الإيراني على استفسار منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي اتصل به مستفسرا حول تزويد طهران لموسكو بالمسيرات. فقد أجاب الوزير الإيراني بأن التعاون العسكري والأمني والسياسي بين طهران وموسكو سابق للحرب في أوكرانيا.
ما تجب الإشارة إليه هنا هو أن القدرات بالمسيّرات والصواريخ ليست قدرات إيرانية خالصة، بل هي تصنيع مشترك بينها وبين روسيا ابتدأ منذ تسعينيات القرن المنصرم، كما أن هناك تعاونا نوويا بين الطرفين من خلال المفاعل النووي في بوشهر. وحتى في سوريا يوجد تعاون عسكري بينهما وتدريبات مشتركة، كان آخرها في فنزويلا في شهر أغسطس/ آب الماضي. كما أن طهران وبالتعاون مع روسيا أطلقت صاروخا للتجسس في الفضاء في الثاني عشر من الشهر نفسه.
ثالث المستفيدين من دخول المسيّرات الإيرانية في الحرب الروسية الأوكرانية هي إسرائيل، فقد رفضت تزويد أوكرانيا بمعدات لصيد هذه المسيّرات، لأن الروس كانوا واضحين في تهديداتهم لتل أبيب من القيام بذلك، فإن فعلت ذلك فمعناه تدمير العلاقات الروسية الإسرائيلية، وهذه الأخيرة بحاجة ماسة إلى موسكو لضمان عدم اعتراض طائراتها، عندما تخترق الأجواء السورية لضرب أهداف إيرانية على الأرض. وهي تعلم جيدا إن أرادت روسيا منع الطائرات الإسرائيلية من دخول الأجواء السورية فهي قادرة على ذلك تماما. بالتالي هي لا تريد إغضاب روسيا تجنبا لوصول الأمور إلى هذا الحد. مع ذلك كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» عن تزويد إسرائيل لأوكرانيا بالمعلومات الاستخباراتية، وقد تستمر هذه المساعدة لكن ليس بالشكل الذي يغضب ويزعج موسكو. في المقابل ممكن أن تستفيد إسرائيل بشكل كبير جدا مما يحدث، من خلال الضغط على الأمريكيين والدول الغربية بالقول، لقد كنا أول من حذركم من أن إيران خطر على الأمن الدولي، وهذا هو الدليل، حيث تواجهكم طهران بشكل واضح في الحرب الأوكرانية، وبالتالي لا بد لكم من التعامل معها على أنها خطر يهدد الأمن والسلم الدوليين، ثم وضع كل الخيارت على الطاولة لمنع طهران من الحصول على القنبلة النووية.
يقينا أن أوكرانيا أصبحت مختبر تجارب للأسلحة الحديثة سواء من الغرب أو من الشرق.. من الدول المتقدمة بإنتاج السلاح كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وحتى من الدول التي ليست محسوبة في هذا المجال كإيران. المهم هنالك حرب تجري ويتكالب كل من هب ودب للاستفادة منها قدر إمكانياته.