علي حسين
أتابع العمود الاسبوعي الذي يكتبه الروائي النوبلي “ماريو فارغاس يوسا” وتنشره صحيفة الشرق الأوسط .. وكنت ومازلت مغرماً بروايته الساحرة “حفلة التيس” التي يكشف لنا من خلالها خراب البلدان حين يتحكم بها أفراد الحاشية المحيطين بالمسؤول وهم يقدمون الولاء بديلاً عن الخبرة والمعرفة والوطنية .
في المقال الأخير يستعرض يوسا آخر كتب السياسي الأمريكي المعمر هنري كسينجر بعنوان “القيادة”. ربما يقول البعض إن أسوأ ما يحدث للكاتب، أن يضرب أمثلة بأشخاص كان قبل سنوات يضعهم في خانة الأعداء، لكن ياسادة هذا ما يحصل لنا، ونحن نرى العالم يتغير ، فيما نحن “محلّك سر”؟
في كتابه يختار كيسنجر ستة من قادة العالم ويشرح لنا كيف استطاعوا أن يقودوا بلدانهم وشعوبهم في أوقات مفصلية من تاريخ تلك البلدان وكيف تصرفوا في تلك الظروف، ومن بين القادة الذين اختارهم كسينجر فإن جنابي مغرم بثلاثة كنت قد كتبت عنهم في هذه الزاوية المتواضعة ، وهم ديغول والألماني كونراد أديناور، والسنغافوري لي كوان .
عندما عُيّن هنري كيسنجر مستشاراً للأمن القومي ثم وزيراً للخارجية الأميركية بدا الأمر مفاجئاً للجميع، فليس من السهل أن يعطى هذا المنصب، لرجل مولود في ألمانيا، لكن هذا الرجل القصير استطاع أن يقفز من مجرّد صحفي يعمل في صحيفة أُسبوعية إلى واحد من أهم رجالات السياسة الامريكية في تاريخها المعاصر .
يشرح لنا كيسنجر ما هي المعايير التي استند إليها لاختيار “قادته” المفضلين، ويلخصها بعدد من النقاط ابرزها ، الأهمية التي أعطاها العالم لهم، وما أنجزوه في مجالات على مستوى الحياة، ونجده يولي اهتماما لتجربة سنغافورة كيف تحولت من دولة فقيرة وبائسة الى عضو في نادي الدول الغنية والمتطورة ؟ .بلاد ليس فيها بطالة ، ولا عنتريات سياسية ، يتهافت عليها كبار رجال الأعمال في العالم ويأتمنونها على ثرواتهم. ويحدد كسينجر كلمة السر في ازدهار سنغافورة بمفردة “النزاهة”، وقوة القوانين التي تنظم حياة الناس .
عندما قررت ألمانيا أن تنهض من ركام الموت والخراب اقتضى الأمر وجود رجل دولة مثل كونراد أديناور العجوز الذي قاد ألمانيا وهو في سن الثالثة والسبعين وقد استطاع خلال سنوات قليلة أن يجعل من بلاده المهزومة، واحدة من أقوى اقتصادات العالم.
يصنع التاريخ أولئك الرجال الذين خرجوا من طائفيتهم ومذهبيتهم إلى فضاء أوسع، المتردّد لا يصنع اللحظة التاريخية. لم يكن غاندي صاحب ائتلاف كبير مثل ائتلاف العبادي، ولا نادى بدولة القانون مثل المالكي، كان مجرّد رجل نحيل يرفض أن يخدع الناس بخطب التغيير والإصلاح.
يحزنني ياسيد كيسنجر ان اخبرك وانت تقترب من عامك المئة ان امريكا نصبت على هذه البلاد اشخاصا يعتقدون أنّ الاقتراب من قلعتهم الحصينة، ما هو إلّا مؤامرة إمبرياليّة.