علي حسين
مع إعلان صافرة الحكم لبدء أولى مباريات كأس العالم ستتحول الفضائيات ومعها وسائل الإعلام صوب ملعب البيت في قطر، ولك أن تتفاخر عزيزي المواطن العراقي ، فان احد الملاعب التي تقام عليها هذه البطولة نقش عليه اسم المعمارية العراقية زها حديد،
ولك أيضا عزيزي المواطن العراقي أن تشعر بالراحة، حيث ستغيب وجوه مقاولي البرامج السياسية ، وتتوقف مهرجانات الأكاذيب السياسية. فكرة القدم هي وحدها القادرة على منافسة الساسة وإزاحتهم من المشهد. إنها الأعجوبة المستديرة التي وصفها الروائي إدوارد غاليانو بأنها: “مرآة العالم، تقدم ألف حكاية وحكاية فيها المجد والاستغلال والحب والبؤس، وفيها يتبدّى الصراع بين الحرية والخوف”.
يلعب اللاعبون من أجل الفوز، وفي الوقت نفسه يصرون على أن يجعلوا من المستحيل ممكناً. فيما يلعب الساسة من أجل الربح، ومنع منافسيهم من الاقتراب من السلطة، ومطاردة خصومهم، وإشاعة الوهم .
في بلاد الرافدين يشاهد العراقيون، ماذا صنعت قطر لتقدم للعالم هذا المهرجان الرياضي، ملاعب أشبه بالخيال، ومدن تسحر المتسمرين أمام شاشات التلفزيون، وسيعرف المواطن العراقي وهو يتفرج على ملامح مدينة مثل الدوحة مدى الفرق بين بناء ناطحات سحاب، وبين دولة تعجز عن رفع النفايات، صرفنا مئات المليارات من أجل أن نثبت للعالم أننا نعشق “السيادة”، لكننا في الوقت نفسه حرمنا المواطن البسيط من أن يتمتع ولو بشيء بسيط من الرفاهية الاجتماعية. نتحدث عن تجارب الحكومات التي أشاعت نظام الكفاية لكل المواطنين، مع شعار الحق في الرفاهية والسكن والصحة والتعليم، في الوقت الذي ما نزال نستمع إلى الأخبار التي تطالبنا بالتصفيق للتجربة الديمقراطية ، وفي نفس الوقت الذي تضع قطر نفسها على سلم الدول الأكثر رفاهية، ننتظر في بلاد الرافدين الإعلان عن زيادة في مفردات الحصة التموينية، وفي الوقت الذي يتمتع فيه المواطن القطري بمشاهدة نجوم هذه اللعبة، فإننا في هذه البلاد نقدم كل يوم مباريات أبطالها “يلفلفون” مليارات الدولارات دون أن يشعروا لحظة واحدة بالخوف .
من العبث الادعاء بأننا لا نتابع كرة القدم، برغم انشغالنا بمباريات أخرى تجري داخل كواليس السياسة العراقية ، وبين متابعة إخفاقات ميسي ونجاحات رونالدو وغياب بنزيما ، ومتابعة الاخبار الاكثر اثارة في العالم ، نشاهد في مواقع التواصل الاجتماعي أب عراقي يصرخ بوجع مطالبا اطلاق سراح ابنته التي كانت جريمتها الوحيدة انها اعترضت على القاضي لانه لم ينصفها . فكان عقابها ان تنام في السجن منذ اكثر من شهرين . هكذا يتم تأديب المواطن العراقي ، ليتعلم ان الديمقراطية تعني شيئا واحد : الطاعة والخوف .
بعيش العالم مع سحرة المونديال ، ونعيش نحن مع سحرة من نوع آخر يريدون أن يوهمونا بأن سنواتهم في الحكم كانت الأفضل .