علي حسين
كنت أنوي الكتابة عن الزعيم الصيني “جيانغ زيمين” الذي رحل عن عالمنا أمس والذي يوصف بأنه قائد نهضة الصين الحديثة، إلا أن خبر إلقاء القبض على البروفيسور الاقتصادي هيثم الجبوري باني نهضة العمولات والسرقات في العراق الحديث، وضعني في حيرة،
فهل هناك مواطن عراقي يمكن أن يهتم بخبر رحيل رجل يعيش في أقاصي الأرض عاش 96 عاماً، وكان رئيساً لأكبر كتلة بشرية على الأرض؟ ويترك اخبار نائب طالما اتحفنا بنظريات حديثة عن الخراب والتخلف .. لكن ياسادة علينا أن نعرف أنه في تجارب الشعوب التي طالما أتمنى أن يتعلّم منها ساستنا نجد صوراً لزعامات حقيقية قدّمت لشعوبها الأفعال بدلاً من لغة الانتهازية والصفقات.
عندما قرر الزعيم الصيني دينغ شياو بينغ عام 1989 أن يعين جيانغ زيمين خلفاً له، سخر البعض من هذا الاختيار فصاحب المظهر الممل والنظارات الكبيرة والذي تعود أن يرفع سرواله إلى صدره يبدو للجميع أشبه بموظف بيروقراطي مزعج.
كان شياو بينغ قد أدرك أن التنمية هي فرصة بلاده الوحيدة، فتبنى مبدأ العمل المتواصل ريثما تلحق الصين بركب الدول. لكن المعجزة الصينية لم تتحقق نتيجة عمل قلة متربعة على القمة، بل إن الشعب الصيني كله شارك في العزم والتصميم لإثبات قدرته على النجاح. ليست أسطورة أو خرافة أن الصينيين يعملون كفريق أو شركة واحدة، فلكل فرد دوره المحدد ومكانه الدقيق والمناسب. يقول توماس فريدمان: “إن المشكلة التي تقلق الأمريكان، أنهم يواجهون شعباً من المهرة والحرفيين، لا يتنقلون من عمل إلى آخر ولا يتغيبون إلا في حالة الطوارئ القصوى”.
اعتقد الكثيرون في الصين ان جيانغ زيمين لن يكون إلا شخصية عابرة. ولكنه خيب ظنهم، عندما أطلق حملة كبرى تهدف إلى تحديث البلاد، حيث أبدى تأييده لحزمة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية قضت على نمطالاقتصاد الاشتراكي ، واستبدلته بنمط من اقتصاد السوق يخضع لسيطرة الدولة. وعندما تنحى عن السلطة عام 2003 كانت أصبحت الصين قد تحولت الى عملاق اقتصادي .
في العراق الذي طارد خبيراً اقتصادياً مثل سنان الشبيبي من أجل عيون هيثم الجبوري، سنجد أن كل شيء يؤدي إلى العبث، وقمة العبث أن يعرف المواطن أن موظفاً بسيطاً مثل هيثم الجبوري تحول بفضل كرسي البرلمان إلى ملياردير، وأن هناك المئات من أمثال الجبوري لا يريد أحد أن يسألهم من أين نزلت عليهم كل هذه الثروات.. قال جيانغ زيمين في أول خطاب له بعد استلامه السلطه عام 1993 إن الخطر الأكبر الذي يواجه الصين هو أن يتوهم بعض قادة الحزب بأن المال العام يمكن أن يتحول إلى مال خاص، في الوقت الذي لا يعرف المواطن العراقي حتى هذه اللحظة كيف تحولت موازنات الدولة إلى مصرف جيب لقادة العراق.