علي حسين
الحمد لله استطاعت “القناة الرابعة” التي تملكها إحدى النائبات من ذوات الصوت العالي أن تنافس وبقوة شبكة فوكس نيوز التي يملكها الملياردير روبرت مردوخ، والمفرح أن مدير قناة الرابعة استطاع أن يكلل مسيرته الإعلامية بعمل استقصائي تفوق فيه على الأمريكي بوب ودورد الذي كشف للعالم فضيحة ووترغيت التي أطاحت بالرئيس الأمريكي نيكسون،
فالقناة ومديرها تمكنا وبشطارة من أن يكشفا للشعب العراقي سراً خطيراً يهم مستقبل هذه البلاد، حيث عرفنا أن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي يمكن أن ينام، وأنه يغفو في الطائرة، وهللت القناة لهذا الحدث الخطير، فخرجت علينا بالخبر الذي يقول: “ما لم ينشر سابقاً.. صورتان لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي وهو نائم أثناء سفرياته”، ياسلام على الإعلام.
قيل الكثير فى أسباب تدهور الخطاب الإعلامي في بلاد الرافدين ، لكن لا أحد يريد أن يخبرنا كيف انقضّت هذه الفضائيات على المشاهد العراقي، وكيف تحول الاعلامي الى اداة تستخدم لاشاعة الفوضى من خلال فضائيات تريد أن تسطو على تفكيرالناس وتتلاعب بمشاعرهم ، برامج وحوارات واخبار تتغذى على الشحن السياسي والطائفي، يظن اصحابها أن الإثارة تعني الضحك على عقول المشاهدين.
كلما أشاهد برامج التوك شو العراقية وتلفيقاتها أتذكر المذيع الراحل لاري كينغ الذي كان يسمى “صاحب الحمالات” وقد ارتبط اسمه بأبرز أحداث العالم، وأتذكر أنني قرأت حواراً له نشر في صحيفة الشرق الأوسط قال فيه إنه ظل يسعى خلال نصف قرن من عمله أن يبتعد عن تقديم الدروس للمشاهدين، وأن لا يُدخلهم في منازعات لا تحترم مهنة الإعلام، فيما تصر فضائياتنا على ان تضع المشاهد أمام صرخات، ولوثات لضيوف يناصبون الشعب العداء لأنه يتآمرعلى رمز العملية السياسية، ولن يجد المشاهد نفسه ينظر إلى قفشات عباس البياتي أو دروس حمد الموسوي في “النهب المصرفي”، عندما سُئل لاري كينغ عن قواعده في العمل، قال إنه خلال مقابلاته لا يستخدم كلمة أنا، ولا يدلي برأيه، ويوجه أسئلة قصيرة، ويحرص على أن يكون مُطلعا وملماً بالأشياء والشخصيات التي يحاورها، وأن يكون ممتعاً، والأهم؛ أن لا يقدم أخباراً ملفقة من عينة أن بغداد ستُحول إلى جنة أرضية خلال أشهر قليلة.
صورة الكاظمي والتي رافقتها فرحة غامرة للقناة لأنها استطاعت أن تقدم سبقاً إعلامياً، أجدها اليوم تثير الأسى وأيضا تثير الاشمئزاز من مرحلة التدهور التي وصلت إليها بعض الفضائيات ، والتي تحولت إلى منابر لبث الطائفية والكراهية وتسعى لصنع الجهل والغفلة لتبرير ضحكات السياسيين على مساكين هذا الشعب، وقد كانت القناة الرابعة صادقة عندما كتبت عن صورة الكاظمي عبارة ” ما لم ينشر من قبل ” لان الاعلام الذي يحترم عقل المشاهد لا يمكن ان ينشر مثل هذه الصور .